إن تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل حكومة جديدة، له أسانيد وضوابط دستورية حاكمة، حيث تنص المادة 146 على أنه يُكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل.
وبذلك يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على ستين يوماً.
وفي حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له، في حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب.
[[system-code:ad:autoads]]
وبالتالي فنحن بصدد تشكيل المسار الشكلي والسياساتي لمصر خلال السنوات المقبلة، والذي تتضمن إعادة صياغة السياسات الاقتصادية على وجه الخصوص، وذلك في ظل الأزمات الجيوسياسية العالمية والإقليمية وانعكاساتها المتباينة، والتي ألقت بظلالها على معدلات النمو الاقتصادي في مصر، ولذلك يتعين بداية الوقوف على المشكلات والمعوقات سواء على صعيد السياسات المتبعة أو على صعيد السياسات التنسيقية بين الوزرات وبعضها مع اتخاذ إجراءات تصحيحية بشأنها.
وتتعدد الملفات الهامة المطروحة على طاولة الحكومة الجديدة والتي حددتها كلمات السيد رئيس الجمهورية، خلال تكليفه للحكومة الجديدة، والتي تنطلق من رحم التحديات الآنية، وهنا يكمن التساؤل الرئيس والمتمثل في كيفية تحقيق معدلات تنموية مستدامة من شأنها حل هذه الإشكاليات المعقدة والمتداخلة في بعض الأحيان.
[[system-code:ad:autoads]]
وبالتالي سيكون هناك مساران للتحرك أمام الحكومة الجديدة المقبلة، الملف الأول سيكون خاصا بالتنمية المستدامة والتغييرات الجذرية المطلوبة في الاقتصاد المصري، والملف الثاني سيكون متعلقا بالملفات العاجلة المتعلقة بالمواطن بشكل مباشر، كالأسعار وملف تحويل الدعم إلى النقدي والتخلص تماما من الدعم العيني وأيضا سياسات سعر الصرف واستقرار العملة.
وحيث إن تشكيل الحكومات ووضع السياسات ليس بالأمر المستحدث، فإنه وباستعراض تجارب دولية تنموية نبعت من تحديات واختلالات هيكلية مع مراعاة اختلاف السياق الدولي والإقليمي الراهن بطبيعة الحال، تميزت التجربة الاقتصادية الماليزية بالذاتية في التعامل مع أزمة عام 1997 الاقتصادية.
وكان لرئيس الوزراء دور محوري في إدارته للأزمة المالية التي عصفت بدول شرق آسيا، حيث أصدر مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وكانت هناك مضاربة في بيع العملة الماليزية "رينجيت" وانخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمعدل ينذر بالخطر، وتدفقت رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، وانخفضت قيمة العملة الوطنية بشكل حاد، كما انخفض مؤشر بورصة كوالالمبور المركب.
ورغم شدة وطأة الأزمة الاقتصادية، إلا أن الحكومة تعاطت مع هذه الازمة المركبة، فقد تم تشكيل مجلس عمل وطني اقتصادي للتعامل مع الأزمة النقدية، حيث اتجه المجلس إلى إصلاح الجهاز الإداري للدولة ومحاربة المضاربة على العملة الوطنية في الخارج، وفرض البنك المركزي الماليزي الرقابة على رؤوس الأموال.
تعد ماليزيا، من أكثر الدول النامية نجاحاً في استخدام الحوافز الضريبية لاستهداف وتوجيه الاستثمار الأجنبي المباشر والشركات متعددة الجنسيات لصناعات وقطاعات معينة.
ويعكس تطور هيكل الحوافز في ماليزيا الانتقال التدريجي من التشجيع العام للاستثمار الأجنبي المباشر إلى التركيز المحدد في توجيه الاستثمار للقطاعات عالية التقنية والعناقيد الصناعية، فمنذ بدء تجربتها التنموية، قد قامت بتحرير جميع القيود الخاصة بحقوق الملكية في الشركات، تحت مظلة قانون تشجيع الاستثمار، وذلك استنادا إلى علاقة ارتباطية مع معدلات التصدير بها، فقد سمحُ للأجانب بالاستحواذ على 100% من حقوق الملكية في شركاتهم، وذلك عند قيامهم بتصدير نسبة 80% أو أكثر من منتجات تلك الشركات، والسماح للشركات التي تصدر ما بين 51 - 79% من منتجاتها بنسبة مناظرة من 51% %79 من حقوق الملكية الأجنبية لتلك الشركات.
السماح للشركات بتصدير نسبة تتراوح بين %20 - %50% من منتجاتها بتملك حتى 51% من حقوق الملكية الأجنبية لتك الشركات، والسماح للشركات التي تستطيع تصدير 20% فقط أو أقل من منتجاتها أن تتملك بحد أقصى 30% من حقوق الملكية الأجنبية لتلك الشركات.
وقد أخذ هذا القانون بعين الاعتبار أهمية العوامل التي تتضمن التأثيرات التشابكية ومدى استخدام المواد الخام والمكونات المحلية، وحسن اختيار أماكن توطين تلك الشركات وكذا القيمة المضافة.
كما عملت ماليزيا على التوسع في برنامج الخصخصة الذي يعتمد على تمليك المواطنين الشركات العامة، وذلك بعد أن نجحت في تكوين بنية أساسية واقتصادية ضخمة، يمكن الاعتماد عليها في تحقيق التنمية، وتحقق ذلك على طريقتها الخاصة، فقد نمت مسئولية الأفراد ودفعتهم عملياً في المساهمة في تحقيق الأهداف القومية، واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية، لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها.
وهو ما انعكس علي المؤشرات الكمية لها، والتي تمثلت في ارتفاع مستوي الناتج المحلي الإجمالي فقد ارتفع مع بداية حقبة التنمية من 53309 مليون رينجيت في عام 1980 إلى 119081 مليون رينجيت عام 1990، ثم إلى 356401 مليون رينجيت عام 2000، حتى وصل إلى 1230120 مليون رينجيت عام 2016، بما يعادل 307.53 مليار دولار أمريكي، ما يعني تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 23 مرة منذ عام 1980 وحتى عام 2016، وأيضا ارتفاع متوسط نصيب الفرد الماليزي من الدخل القومي، خلال الفترة 1980 وحتى 2016 وانخفاض معدلات البطالة والتضخم.
إلي جانب ذلك، فيقترح مراجعة التجارب الدولية ذات الصلة ببرامج التكيف الهيكلي في البلدان النامية خاصة في تسعينات القرن العشرين، والتي فرضتها المؤسسات المالية الدولية على العديد من الدول المثقلة بالديون. كونها في النهاية قد استهدفت إصلاح الاختلالات الهيكلية في الاقتصادات المحلية عبر تدابير مثل تحرير التجارة وأسعار الصرف وإصلاح القطاع العام.
أما من حيث الجانب الشكلي، وبمراجعة النماذج الدولية المختلفة، فمن الواضح أنه لا توجد قاعدة ثابتة بشأن العدد المناسب للوزارات، لكن الملاحظ هو أن عدد الوزارات يقل في الدول المتقدمة عنه في الدول النامية، إلا أنه وبالمقارنة بين عدد الوزارات بمصر وبعض دول العالم؛ فكثير من دول العالم يعمل بكفاءة بعدد من الوزارات أقل من الموجود في مصر، فالولايات المتحدة الاقتصاد الأكبر على مستوى العالم تعمل من خلال حكومة فيدرالية يتبعها 15 وزارة فقط، بالإضافة إلى أن عدد الوزارات في مختلف دول أوروبا لا يتخطى 24 وزارة، وفي شرق آسيا يتراوح العدد حول 20 وزارة، وفي الدول العربية يتأرجح العدد بين 18 و32 وزارة، في حين أن مصر بها 33 حقيبة وزارية.
لذا يقترح في هذا الإطار دمج بعض الحقائب الوزارية، وذلك ترشيدا للنفقات من جهة وتفعيلًا للبعد التنسيقي بين الوزارات المعنية بملفات بعينها من جهة أخرى تحقق مستهدفات الدولة المصرية، فعلى سبيل المثال من المقترح دمج وزارات الشباب والرياضة والثقافة تحت اسم "التنمية الإنسانية"، وانطلاقا من أن الأزمة الحالية هي أزمة اقتصادية بالأساس، فيقترح استحداث حقيبة وزارية للاقتصاد والاستثمار.
ختاما، تنتهج الدول والحكومات سياسات واستراتيجيات مختلفة لمواجهة واحتواء الأزمات الاقتصادية غير المواتية، وذلك خلال توافر شروط موضوعية سياسية واقتصادية واجتماعية، وقراءة دقيقة للمشهد الحالي والتداخلات بين الملفات محل التعاطي، وعلى هذا لا بد من تنويع القاعدة الاقتصادية وزيادة الإنتاج ومعالجة الفجوة التصديرية وإنتاج مستلزمات الإنتاج، دعم حقيقي للقطاع الخاص وتفعيل هذا الدعم خلال مشاركة القطاع الخاص في القرارات والقوانين قبل إقرارها وتوفير محفزات حقيقية داعمة لانطلاقه.