منذ ما يزيد عن ستين عاماً، وبالتحديد منذ عام 1958، بدأت الدولة المصرية أولي خطوات إنشاء جائزة سنوية للمتميزين من أبنائها في كل مجال لمواكبة تلك السيرة الحسنة الجارية في العالم المتطور من أجل تشجيع العبقريات والمواهب من ذوي التأثير والإنتاج الفريد.
كانت البداية مع جائزتي الدولة التشجيعية والتقديرية، ثم لحقتهما جائزة النيل ثم جائزة التفوق. ومنذ أيام قلائل تم إعلان جوائز الدولة المصرية بكل أنواعها: " النيل والتقديرية والتفوق والتشجيعية" في مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
[[system-code:ad:autoads]]
فارق القيمة!
هناك اختلاف بين هذه الجوائز في قيمتها المادية والمعنوية ودلالتها..
أعلاها قيمة هي جائزة النيل التي تبلغ نصف مليون جنيه، ثم جائزة الدولة التقديرية التي تصل قيمتها إلى مائتي ألف جنيه بالإضافة لميدالية ذهبية، ثم جائزة الدولة للتفوق وتبلغ قيمتها مائة ألف جنيه لكل فرع من الفروع الثلاثة بالإضافة لميدالية فضية. وآخر الجوائز جائزة الدولة التشجيعية وقيمتها تبلغ 50 ألف جنيه وهي تُمنح لعدد كبير من المبدعين المصريين.
يشترط فيمن يُمنح جائزة الدولة التقديرية أن تكون له مؤلفات أو أعمال أو بحوث ذات قيمة علمية أو فنية أو أدبية متميزة ومؤثرة تظهر فيها دقة البحث والابتكار مضيفاً لمجاله شيئاً جديداً. وقد أضيفت لجائزة النيل، أرفع الجوائز المصرية، جائزة النيل العربية؛ من أجل تكريم رموز التنوير والإبداع في الأقطار العربية الشقيقة.
الفائزون بجائزة النيل
جائزة النيل للمبدعين العرب ذهبت للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وهو اختيار بارع وحكيم لشخصية تستحق التكريم مراراً.
حاكم الشارقة أطال الله بقاءه يزيد عمره اليوم عن ثمانين عاماً، وهو إلى جانب حكمه لإمارة الشارقة بالإمارات المتحدة، فهو الرئيس الأعلى لجامعة لشارقة ووزير التربية والتعليم بها. وهو شاعر وأديب ومؤرخ له عدد من المؤلفات في السياسة والتاريخ والمسرح والشعر. وقد تلقى سلطان القاسمي تعليمه الجامعي في كلية الزراعة جامعة القاهرة، ودرس على العالم المصري أحمد مستجير، ثم نال الدكتوراه من جامعة "إكستر" في المملكة المتحدة، كما نال عدداً من الشهادات الفخرية لعدد من الجامعات الدولية من كوريا ومصر وبريطانيا والأردن وألمانيا وغيرها.
استطاع سلطان القاسمي تحويل إمارة الشارقة إلى إمارة متطورة ثقافياً واقتصادياً وعمرانياً.
أقرب شواهد ما حققه من تطوير في الشارقة إنشاؤه لأول منطقة حرة للنشر في العالم. مشروع هائل أنجزته هيئة الشارقة للكتاب عام 2017. وقد شارك حاكم الشارقة في عدد كبير من مشروعات التطوير حول العالم: ففي نيروبي العاصمة الكينية أسهم في تجديد وترميم "مكتبة ماكميلان التاريخية" عام 2019. وفي مصر أسهم في تطوير عدد من المكتبات الجامعية والمؤسسات، ومن أقرب تلك الإسهامات إنشاؤه لأكبر مركز تدريب بنقابة الصحفيين المصرية وإسهامه لبناء عدد وصل لنحو 18 منطقة عشوائية في منطقة الجيزة ومعها عدد من الحدائق والمتنزهات. بالإضافة لتبرعه بمبلغ زاد عن 30 مليون دولار لحساب المعهد القومي للأورام. بخلاف دعمه لمؤسسات خيرية في ماليزيا وأستونيا وألمانيا وبوركينا فاسو وغيرها. وهو يفعل هذا كله بدافع ذاتي دون انتظار شيء من أحد. ولهذا يستحق فوق التكريم ألف تكريم.
الدكتور (محمد صابر عرب) فاز بجائزة النيل في مجال العلوم الاجتماعية. تجاوز الخامسة والسبعين من عمره، وله باع كبير في المجال الثقافي. اختيار موفق وممتاز؛ فهو أستاذ تاريخ العرب الحديث من جامعة الأزهر وترأس هيئة الكتاب، وأصبح وزيراً للثقافة في عدد من الحكومات. وله بحوث علمية كثيرة وكتب مهمة منها: (الحركة الوطنية في مصر)، و(تاريخ العرب الحديث)، و(وثائق مصر في القرن العشرين) وغيرها من الكتب والبحوث المهمة.
ثم جائزة النيل في الآداب والتي نالها عن جدارة الشاعر (محمد إبراهيم أبو سنة) الذي شارف على التسعين، وقد أثري الحياة الأدبية بأعماله في الشعر والمسرح والقند الأدبي، وترأس إذاعة البرنامج الثقافي لعدد من السنوات، ومن برامجه الإذاعية: "ألوان من الشعر"، و"حديقة الأوراق". وقد نال سابقاً جائزة كفافيس عام 1990، وجائزة جامعة شتيرن بألمانيا، وعدد من الجوائز المصرية كجائزة التفوق عام 2001، وجائزة الدولة التشجيعية وجائزة أحسن ديوان.
رابع الفائزين بجائزة النيل للفنون كان المخرج محمد فاضل صاحب الإبداعات الكثيرة في الدراما والسينما. وقد حفلت سنوات عمره الذي جاوز منتصف العقد الثامن بالعديد من المنجزات الفنية، وهو خريج كلية الزراعة وبدأ أعماله الدرامية بإخراج مسلسل (القاهرة والناس) عام 1972 والذي لاقي نجاحاً كبيراً وقت عرضه. وقد كون ثناياً فنياً مع المؤلف أسامة أنور عكاشة، وله عدد من الأعمال السينمائية لعل أشهرها (ناصر 56) الذي أخرجه عام 1996. هذا بخلاف مسرحياته التي أخرجها للتليفزيون ونالت شهرة كبيرة مثل (شاهد ماشفش حاجة) و(موسيقي في الحي الشرقي) و (الزعيم) و(شارع محمد علي). تكريم مستحق لمبدع من مبدعي مصر الكبار.
[[system-code:ad:autoads]]
أصحاب الميدالية الذهبية
عشرة من المبدعين المصريين فازوا بجائزة الدولة التقديرية البالغة مائتي ألف جنيه وميدالية ذهبية. ثلاثة في مجال الفنون وثلاثة في مجال الآداب: الناقد الدكتور حسين حمودة، والدكتورة غراء مهنا، والدكتور سامي سليمان. وأربعة في مجال العلوم الاجتماعية: دكتور أحمد مجدي حجازي، والدكتور ممدوح الدماطي، والدكتور حسن عماد مكاوي، والدكتور ماجد عثمان.
الدكتور الدماطي وزير الآثار السابق كان رئيساً لقسم الآثار بكلية الآثار جامعة عين شمس وهو حاصل على دكتوراه في الآثار المصرية القديمة من جامعة ترير بألمانيا. وعمل مديراً للمتحف المصرية في الفترة بين 2001 و2004. وهو واحد من كبار خبراء مصر المتخصصين في مجال الآثار، وقد حصل سابقاً على وسام "فارس" من الرئيس الإيطالي عام 2004.
الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربي الحديث والناقد المعروف له عدد من المؤلفات المهمة في مجالات النقد الأدبي والأدب المقارن. ومن مؤلفاته البارزة: (من عيون القصة المصرية)، و(قراءات في روايات مصرية). أما الدكتور (سامي سليمان) أستاذ النقد والأدب العربي الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة، فله العديد من المؤلفات الهامة في مجال النقد ونقد النقد والأنواع الأدبية. وقد نال سابقاً عدداً من الجوائز كان آخرها جائزة ساويرس للثقافة عام 2014.
عدد آخر من المبدعين في الفنون والمعمار والآداب والعلوم الاجتماعية فازوا بجوائز التفوق، كان من أبرزهم الكاتب عبد الرحيم كمال، والدكتورة عزة بدر.
دلالات الجوائز التشجيعية
جائزة الدولة التشجيعية هي هدف لكثير من المبدعين الشباب، خصوصاً وأنها أكثر عدداً من باقي الجوائز التي لا تزيد عن أربعة جوائز في حالة جائزة النيل، وعشرة في التقديرية.
ثم هناك حجب ينال بعض جوائز الدولة التشجيعية، والحجب يأتي لعدة أسباب مثل عدم استيفاء شروط الجائزة أو عدم توافق الأعمال المقدمة مع معايير الجائزة. وقد حدث أكبر حجب لعدد من جوائز الدولة التشجيعية عام 2019، حيث تم حجب عشرين جائزة! وهو ما حدا باللجنة المشرفة لإجراء تحقيق للوقوف على أسباب هذا العدد الكبير من الجوائز المحجوبة.
هذا العام لم تحجب إلا جائزة في فرع العمارة المتوافقة بيئياً، وفي فرع تطور دوائر السياسة الخارجية المصرية، وفى فرع العلاقات السياسية الدولية مصر نموذجاً، وفى فرع الدستور المصري وثقافة المحليات. وهو الأمر الذي يشير لصعوبة معايير الجائزة، وإلى دقة التخصصات المطلوبة لنيل الجائزة. ثم إنه يشير إلى أن مصر ولادة وغنية بمبدعيها على الدوام. بدليل أن العشرات استطاعوا نيل الجائزة التشجيعية لهذا العام.