الإذاعة المصرية صوت بلدنا التي التف حولها المصريون على مدار 9 عقود نجحت، رغم التحديات أن تلعب دورا مهمًا في بناء الوعي الوطني.
وبين عملي التليفزيوني والصحفي كان هناك فترة انتقالية بإذاعة الإسكندرية استمرت أكثر من خمس سنوات كانت من أروع ما يكون، وعمل إعلامي له طبيعة بمذاق خاص ساحر وستظل الإذاعة قوة الإعلام الناعمة والسهل الممتنع، كل التحية للصامدين مبدعي العمل الإذاعي.
كان للإذاعة المصرية الدور الأكبر فى الحياة السياسية في خمسينيات القرن الماضي ، فكانت عاملا رئيسيا لنجاح ثورة 23 يوليو1952وتثبيت دعائمها، فمن أمام الميكروفون أعلن البكباشى أنور السادات بيان الثورة وأهدافها ومبادئها التي قامت من أجلها، ومن خلال بث الأغاني الوطنية والبرامج الإذاعية نجحت الثورة في الوصول إلى مختلف طبقات الشعب.
[[system-code:ad:autoads]]
أدركت القيادة السياسية أهمية هذه الوسيلة الإعلامية، فتم توظيفها بكفاءة لتصبح أحد روافد القوة الناعمة لبسط نفوذ الدولة، حيث لعبت الإذاعة جنبا إلى جنب مع التليفزيون المصري دور الظهير للأمن القومي المصري، فكانت خير سفير لها في طرح رؤاها في القضايا الدولية والإقليمية والعربية التي ساهمت في إرساء دعائم دورها المحوري.
[[system-code:ad:autoads]]
ويكفي ما سجله التاريخ في خمسينيات القرن العشرين لإدراك الدور العظيم الذي لعبته الإذاعة المصرية، عندما تبنت حركات التحرر التي كانت تدعمها السياسة المصرية في تلك الفترة، فأنشئت إذاعة صوت العرب لمخاطبة الدول العربية، بجانب عدد من الإذاعات الموجهة إلى الدول الأفريقية باللغات المحلية والإنجليزية والفرنسية، فكان للإذاعة المصرية مفعول السحر فى التأثير في وعى شعوب المنطقة ودول العالم الثالث ضد القوى الاستعمارية.
ولم يقتصر دور الإذاعات الموجهة على دعم المقاومة، بل امتد للمساهمة في دعم العلاقات الأفريقية والعربية والآسيوية، بما يضمن التقارب الاستراتيجي على المستوى الشعبي والرسمي.
وعندما خاضت مصر حروبها من 56 ومرورًا بحرب الاستنزاف حتى نصر أكتوبر73، كان الإعلام المصري في مقدمة الطلائع وفي أول صفوف المواجهة المدنية، فقاد المجتمع بمختلف شرائحه إلى قلب التحدي، وأصبح الجميع على قلب رجل واحد لتحقيق النصر للوطن.
وكان البيان الأول الذي أذاعته الإذاعة المصرية بصوت الإعلامي حلمي البلك في 6 أكتوبر ،1973والتف حوله المصريون والعرب لمتابعة البيانات العسكرية المتتالية في مشهد لن تنساه الذاكرة المصرية .
وشكلت الإذاعة المصرية طوال تاريخها على مدار90 عامًا الوجدان المصري والعربي من جيل إلى جيل، وبحفلات أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر كان الوطن العربي من المحيط للخليج يلتف حول الراديو فى البيوت والمقاهى، وبالدراما الإذاعية ينتظرون المسلسل الإذاعي الذى يذاع فى الساعة الخامسة والربع مساء كل يوم ليستمتعوا بمسلسلات سمارة وريا وسكينة وشنبو فى المصيدة ألف ليلة وليلة في رمضان، وكانت الصور والأبرويتات الغنائية من روائع الانتاج الإذاعي مثل السلطانية الدندورمة قطر الندى علي بابا والأربعين حرامى عيد ميلاد أبو الفصاد.
وعبر أثير الإذاعة المصرية أطل رواد التنوير عباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهم من عمالقة الفكر لنشر الوعي والفكر والثقافة، وبرامج وحوارات وفترات ذهبية تمثل كنوز الإذاعة المصرية.
ومن أمام ميكروفون الإذاعة استمعنا للقراءات السبع لآيات الذكر الحكيم، وعظماء دولة التلاوة المصرية محمد رفعت ومصطفى إسماعيل وطه الفنشني وعلي محمود والقائمة طويلة.
حفر عمالقة الإذاعة المصرية أسماءهم وأصواتهم في أذهان وآذان المستمعين على مر السنين، منهم الآباء المؤسسون لهذا الكيان الإعلامي المهم، وصنع كل واحد منهم مدرسة خاصة به، تربى عليها أجيال من الإذاعيين والإعلاميين الحاليين منهم أحمد سالم أول مذيع مصرى بالإذاعة والإذاعى الكبير محمد محمود شعبان الشهير بـ بابا شارو رائد برامج الأطفال، والأستاذة صفية المهندس أم الإذاعيين وأول صوت نسائى إذاعى ينطلق في العالم العربي، فضيلة توفيق أشهر من قدم برامج الأطفال في الإذاعة المصرية، آمال فهمي وبرنامجها الأشهر على الناصية، جلال معوض أهم الأصوات الإذاعية وأشهرها وارتبط اسمه بثورة 23 يوليو والأحداث السياسية المهمة التى مرت بها البلاد فى تلك الفترة وصفحة العمل الإبداعي الإذاعي لا تنتهي.
هنا القاهرة التي أعلن بها الإذاعي أحمد سالم في 31 مايو 1934 ميلاد الإذاعة المصرية من شارع الشريفين كانت التحول إلإعلامي الأهم في تاريخ المنطقة العربية والأفريقية، الذي شكل وعي المواطن وشارك في إعادة صياغة تاريخ شعوب عربية وأفريقية وعليه قامت دعائم صرح الإعلام المصرى والعربي والإفريقي.
شاركت الإذاعة المصرية في صناعة حقبة مهمة من التاريخ المعاصر فكانت ضمير الأمة المصرية والعربية على مر السنوات، فكانت بحق أحد حراس الهُوية المصرية.