يغفل الكثيرون عن آية يسن الدعاء بها في السجود، حيث ودر في حكم الدعاء في السجود، أن هذه الآية حرص عليها الخليفة الراشد أبي بكر الصديق فما هي تلك الآية؟ وما فضلها؟
آية يسن الدعاء بها في السجود
اختلف في حكم الدعاء أثناء الركوع أو السجود بأي القرآن، حيث أخرج الإمام البيهقي في "الدعوات الكبير" (2/ 18، ط. غراس للنشر والتوزيع، الكويت): [أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ مِنْ أَصْلِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ خِدَاشٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «تُصَلِّي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ تَشَهَّدُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا جَلَسْتَ فِي آخِرِ صَلَاتِكَ فَأَثْنِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبِّرْ وَاسْجُدْ، وَاقْرَأْ وَأَنْتَ سَاجِدٌ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكُ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَاقَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ، وَاسْمِكَ الْأَعْظَمِ، وَجَدِّكَ الْأَعْلَى، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّةِ، ثُمَّ تَسْأَلُ بَعْدُ حَاجَتَكَ، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَسَلِّمْ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ، وَاتَّقِ السُّفَهَاءَ أَنْ تُعَلِّمُوهَا فَيَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيُسْتَجَابَ لَهُمْ»] اهـ.
[[system-code:ad:autoads]]
وتقول الإفتاء إن هذا الحديث لا يصح من ناحية إسناده، وقد تكلم في نكارة متنه أيضًا لمخالفته النهي عن القراءة في الركوع والسجود، وهو ما ورد في "صحيح مسلم" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ؛ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُ، أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»، ومن حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا".
[[system-code:ad:autoads]]
قال الإمام النووي في "شرح النووي على صحيح مسلم" (4/ 197، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» وفي حديث علي رضي الله عنه: «نَهَانِي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء، فلو قرأ في ركوع أو سجود غير الفاتحة كره ولم تبطل صلاته، وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا أصحهما أنه كغير الفاتحة فيكره، ولا تبطل صلاته، والثاني يحرم وتبطل صلاته، هذا إذا كان عمدًا فإن قرأ سهوًا لم يكره، وسواء قرأ عمدًا أو سهوًا يسجد للسهو عند الشافعي رحمه الله تعالى، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» أي سبحوه ونزهوه ومجدوه، وقد ذكر مسلم بعد هذا الأذكارَ التي تقال في الركوع والسجود] اهـ.
وقال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (2/ 711، ط. دار الفكر): [وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا» كلمة تنبيه «إني نهيت» أي: في كراهة تنزيه لا تحريم؛ قاله ابن الملك. وقال ابن حجر: وعليه أكثر العلماء، وقيل: تحريمًا، وهو القياس، «أن أقرأ القرآن» أي: عن قراءته «راكعًا أو ساجدًا» أي: في هذين الحالين، قال الخطابي: لما كان الركوع والسجود، وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح، نهى عليه السلام عن القراءة فيهما، كأنه كره أن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الخلق في موضع واحد، فيكونان سواءً، ذكره الطيبي، وفيه أنه ينتقض بالجمع بينهما في حال القيام. وقال ابن الملك: وكأن حكمته أن أفضل أركان الصلاة القيام، وأفضل الأذكار القرآن، فجعل الأفضل للأفضل، ونهي عن جعله في غيره لئلا يوهم استواءه مع بقية الأذكار، وقيل: خصت القراءة بالقيام أو القعود عند العجز عنه؛ لأنهما من الأفعال العادية، ولا يتمحضان للعبادة، بخلاف الركوع والسجود؛ لأنهما بذواتهما يخالفان العادة ويدلان على الخضوع والعبادة، ويمكن أن يقال: إن الركوع والسجود حالان دالان على الذل ويناسبهما الدعاء والتسبيح، فنهي عن القراءة فيهما تعظيمًا للقرآن الكريم، وتكريمًا لقارئه القائم مقام الكليم، والله بكل شيء عليم. قال القاضي: نهي اللهِ تعالى رسولَه يدل على عدم جواز القراءة في الركوع والسجود، لكن لو قرأ لم تبطل صلاته، إلا إذا كان المقروء الفاتحة، فإن فيها خلافًا، يعني: عند الشافعية؛ لأنه زاد ركنًا، لكن لم يتغير به نظم صلاته] اهـ.
وشددت : مما تقدم يتبين أنه ليس هناك إجماع على بطلان الصلاة في الحالة المذكورة، وأن الجمهور على حمل النهي على الكراهة، بل وهناك من السلف من رخص في القراءة في الركوع والسجود، خاصة في المكتوبة.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه "فتح الباري" (7/ 188-189، ط. مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية): [ورخصت طائفة في القراءة في الركوع والسجود. روي عن أبي الدرداء أنه كان يقرأ البقرة في سجوده. وعن سليمان بن ربيعة وعبيد بن عمير والمغيرة. وعن النخعي فيمن نسي الآية أو تركها، فذكرها وهو راكع، قال: يقرؤها وهو راكع. وعن المغيرة قال: كانوا يفعلون ذلك.
وسئل عطاء عن القراءة في الركوع والسجود فقال: رأيت عبيد بن عمير يقرأ وهو راكع في المكتوبة. ورخص بعضهم في ذلك في النفل دون الفرض؛ روى سليمان بن موسى عن نافع عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن القراءة في الركوع والسجود في الصلاة المكتوبة، فأما الصلاة في التطوع فلا جناح. خرجه الإسماعيلي، وإسناده منقطع، فإن نافعًا إنما يرويه عن ابن حنين عن أبيه عن علي رضي الله عنه كما سبق. وآخر الحديث لعلّه مدرج من قول بعض الرواة. وسليمان بن موسى مختلف فيه] اهـ.
آية يسن الدعاء بها في السجود
روى الإمام مالك في "الموطأ" عن أبي عبد الله الصنابحي قال: "قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه، فَصَلَّيْتُ وَرَاءَهُ الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَسُورَةٍ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ، ثُمَّ قَامَ فِي الثَّالِثَةِ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنَّ ثِيَابِي لَتَكَادُ أَنْ تَمَسَّ ثِيَابَهُ، فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِهذِهِ الآيَةِ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
وتقول دار الإفتاء إن قراءة الآية محمولة على الدعاء؛ فإنَّ ثالثة المغرب لا قراءة فيها بعد الفاتحة، فهذا دعاء في موضع لم يُؤثَر فيه الدعاء، فدلَّ على فهمه رضي الله عنه صحة ذلك وجوازه؛ قال الشيخ العلامة المحدِّث زكريا الكاندهلوي في "أوجز المسالك إلى موطأ مالك" (2/ 125، ط. دار القلم): [قال الباجي: يحتمل أنه رضي الله عنه دعا بهذه في آخر الركعة على معنى الدعاء؛ لمعنًى تذكّره أو خشوع حضره، لا على معنى أنه قرن قراءته على حسب ما تقرن بها السورة.
وقريب منه: ما نقله الشيخ الموفق عن الإمام أحمد بن حنبل إذ قال: وسُئل أحمد عن ذلك فقال: إن شاء قاله، ولا ندرى أكان ذلك قراءة من أبي بكر أو دعاءً؟ فهذا يدل على أنَّه لا بأس بذلك؛ لأنه دعاء في الصلاة فلم يكره.
قلت: وكذلك عندنا الحنفية يصحّ حمله على الدعاء، قال الحلبي في السهو بحثًا: وأما التشهد فلأنه ثناء، والقيام والركوع والسجود محلّ الثناء] اهـ.
وشددت عليه: فلا حرج في الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة ولا يُؤَثِّر ذلك على صحتها.