على مدار الأيام الماضية حقق الجيش الروسي انتصارات كبيرة فى حربها الدائرة داخل أوكرانيا، حيث تمكن الجيش من تحقيق تقدم في عدة جبهات، زاد من مساحة الأرض التى تسيطر عليها موسكو داخل الأراضى الأوكرانية، ومن منطلق القوة، أعلن الرئيس الروسي فلادمير بوتين عن إمكانية ذهاب بلاده لمحادثات سلام من أجل وقف الحرب داخل أوكرانيا، ولكن بالطبق وفق شروط المنتظر، وتحقيق الأهداف التى قام من أجلها بتلك التحركات العسكرية.
[[system-code:ad:autoads]]
في الجانب المقابل، وبحسب ما جاء بتقرير شبكةCNN الأمريكية، فإن الإشارة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن هذا الأسبوع إلى استعداده لمحادثات السلام لابد وأن يُنظَر إليها بتحذيرات كبيرة طغت على ثقل تجربة أوكرانيا ـ والغرب ـ السابقة في الدبلوماسية الروسية، وقد شهد يوم الجمعة ضجيجا كبيرا بشأن المفاوضات، وفي الشهر نفسه شنت موسكو غزوا ثالثا لأوكرانيا من شمال خاركيف.
[[system-code:ad:autoads]]
تقرير رويترز والعودة مباحثات إسطنبول
وبحسب تقرير الشبكة الأمريكية، فقد نقلت وكالة رويترز للأنباء عن أربعة مصادر، في تقرير من اثنين من المراسلين الروس ذوي الخبرة والمتصلين، أن موسكو مستعدة للنظر في محادثات السلام التي من شأنها تجميد الاحتلال الروسي الحالي لنحو خمس أوكرانيا، ورد بوتين على هذا التقرير بالإشارة إلى أن روسيا مستعدة للحديث عن السلام، بناءً على الاتفاقات السابقة، وألمح إلى اتفاق مجهض في إسطنبول، بعد بدء الحرب مباشرة، في عام 2022، والتي انهارت، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن قوات موسكو كانت لا تزال تهاجم الأراضي الأوكرانية، وظهرت المذابح حول كييف إلى النور.
والفكرة التي طرحها تقرير رويترز لن تصل إلى حد هدف موسكو المعلن المتمثل في الاستيلاء على شرق دونيتسك بالكامل فقط، بل أنها ستقضي أيضًا على إصرار كييف على عدم التنازل عن أي منطقة، وكان سياق تصريحات بوتين هو المفتاح، فقد جاءت تلك التصريحات خلال زيارة لرئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، وهو الأمر الذي حدث في الماضي قبل لحظات من استخدام الكرملين للأراضي البيلاروسية لتحركات عسكرية في أوكرانيا، بينما حدث يوم الجمعة خلال تدريبات مشتركة على الأسلحة النووية التكتيكية بين البلدين، وكأن بوتين يتحدث عن السلام بخلفية القوة والانتصار والتى لم تكن على الإطلاق.
غياب شرعية زعيم أوكرانيا ورقة في يد بوتين مع البديل
ومن الأوراق التى يستغلها بوتين، ويلعب عليها، هو الشكيك في شرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي هاجمته موسكو مرارا وتكرارا، بعد أن اضطرت كييف إلى تأجيل الانتخابات بسبب الحرب نفسها التي بدأها بوتين، وفي الوقت نفسه، ترددت أنباء غير مؤكدة عن هبوط الطائرة الخاصة للرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش في بيلاروسيا، وفر يانوكوفيتش الموالي لروسيا من أوكرانيا في عام 2014 بعد أن قتلت القوات الموالية له بالرصاص عشرات المتظاهرين في وسط كييف، وأدى مجرد احتمال وجوده أثناء اجتماع بوتين ولوكاشينكو إلى تكهنات بأن موسكو تأمل مرة أخرى في هندسة عودة وكيل إلى السلطة في أوكرانيا.
وتزعم تقارير غير مؤكدة أن فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس السابق لأوكرانيا الذي أطاحت به احتجاجات الشوارع وفر إلى روسيا في عام 2014، قد وصل إلى بيلاروسيا، أما الهدف الأقل وحشية الذي يسعى الكرملين إلى تحقيقه في أوكرانيا ـ بعيداً عن الاحتلال الكامل أو الجزئي ـ فيتعلق بوجود رئيس في كييف يعتبره الكرملين مخلصاً، والذي سوف يوقف مسيرة البلاد نحو الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وقد كانت فكرة خيالية قبل غزو عام 2022، وظهرت خلال محادثات اسطنبول عام 2022 المجهضة، ولكن من المرجح أن تحتاج الآن إلى قوة روسية محتلة لفرضها على السكان الغاضبين من وحشية الكرملين.
الدبلوماسية أداة عسكرية في يد الكرملين
والسؤال الذى يطرح نفسه إذا كان بوتين قادرا على فرض الأمر الواقع، وهو "لماذا إذن الحديث عن السلام، وخاصة عندما يبدو أن روسيا تعيش أنجح لحظاتها على الخطوط الأمامية منذ أشهر، إن لم يكن منذ الغزو؟"، وتكمن الإجابة بأنه قد كانت الدبلوماسية دائما أداة عسكرية في يد الكرملين، فقد تحدثت عن السلام بشأن سوريا في عام 2015، حيث قصفت طائراتها المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وكذلك تحدثت موسكو عن السلام مع أوكرانيا في عام 2015، بينما كانت القوات الروسية ووكلائها في خضم هجوم كامل على مدينة ديبالتسيف الأوكرانية الاستراتيجية.
وبحسب الشبكة الأمريكية، فإنه ليس من قبيل السخرية أن نشكك في صدق روسيا عندما تتفاوض، بل إنه ضرورة عملية، وتظهر التجربة أنها تعتبر المحادثات جديرة بالمتابعة في حال أدت بشكل غير متوقع إلى نتائج مفيدة دون عنف، أو أعطت خصمها سبباً للتوقف عن القتال لمحاولة تشجيع التوصل إلى اتفا، وربما تتحدث موسكو أيضًا عن السلام مرة أخرى الآن لسببين، فأولاً، تعقد أوكرانيا وحلفاؤها قمة سلام في سويسرا في شهر يونيو، حيث ستناقش، بدون روسيا، نوع الاتفاق الذي قد تقبله، ومن المرجح أن تهدف إلى بناء الزخم لمسار خارج الطريق يمكن أن يتخذه الكرملين عندما تكون قواته مرهقة عسكرياً أو في طريق مسدود.
قطع الطريق على الصين عن قمة السلام هدف غير مباشر
ويبدو أن هناك هدفا آخر لتصريحات بوتين عن السلام، فبحث ما قاله زيلينسكي إنه يأمل في حضور الصين لمؤتمر يونيو القادم، وهى أقوى حليف لروسيا، وداعمة جزئية فقط في حرب أوكرانيا، وربما يتحدث بوتين عن السلام الآن ليقترح على بكين عدم الانخراط في الدبلوماسية بشأن روسيا دون حضور روسيا، فهناك فرصة جدية ضئيلة لأن تنهي قمة سويسرا الحرب، لكنها قد تبلور عقول الغرب حول مدى خطورة التهديد الذي تشكله موسكو على اتفاق سلام فعلي من خلال وضع أساس الضرر الذي قد يتعين على أوكرانيا استيعابه على أراضيها.
وقد قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الجمعة، إن تلميحات بوتين بشأن محادثات السلام تهدف بشكل مباشر إلى تخريب القمة، وكتب على موقعX: "ليس لدى بوتين حاليًا أي رغبة في إنهاء عدوانه على أوكرانيا، ولهذا السبب يخشى بشدة قمة سويسرا للسلام"، وثانياً، وهو الأمر الأكثر أهمية، يقوم بوتين بإرسال رسائل إلى الحكومات في الغرب والحملة الرئاسية الأميركية الحالية، فهو يحاول أن يوحي بشكل مبهم ــ ربما للشعبويين في أوروبا، أو للجمهوريين في الولايات المتحدة ــ بأن هناك اتفاقاً بسيطاً في متناول اليد، اتفاق حيث من الممكن أن تتجمد فجأة الخطوط الأمامية، التي تخسر فيها أوكرانيا حالياً مع خسائر كبيرة في الأرواح.
الغرب فى مأزق مع تكلفة الدعم البالغة 61 مليار دولار
إن الدعم الغربي للحرب مكلف، ولا يحظى بشعبية متزايدة ـ على الرغم من أن مبلغ الـ 61 مليار دولار الذي أقره الكونجرس مؤخراً ربما أعطى هذه القضية مهلة من البقاء تحت رحمة الرأي الانتخابي لمدة عام تقريباً، ويسمح تقرير رويترز لأولئك في الغرب الذين يريدون رؤية نهاية للحرب بالاعتقاد بأن الكرملين قادر على وقف الحرب، في وضعها الحالي، على الفور، وجعل المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف التقرير يبدو وكأنه يعكس موقف روسيا الدائم، ولكن في نهاية المطاف قد يبدو الأمر جديداً ومثيراً للاهتمام بالنسبة لشخصيات غربية رئيسية: دونالد ترامب - والذي فشل في شرح كيف سيطبق ادعائه بأنه قادر على وقف الحرب في غضون 24 ساعة - وأعضاء آخرون في الناتو أقل تفاؤلاً من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، مثل دول البلطيق، بشأن ضرورة عدم الثقة بروسيا على الإطلاق على طاولة المفاوضات.
وبوتين رجل براغماتي بحسب وصف الشبكة الأمريكية، فقد بدأ الحرب معتقدًا أنها ستكون سهلة، وواصل الأمر معتقدًا أن تسامحه مع الألم وأمنه الاستبدادي وصبره على النصر سينتصر، وقد يكون على حق، الآن، فهو يرى لحظة من الضعف الانتخابي في الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الأوروبية، والتي قابلها بإشارة غامضة ومبهمة مفادها أنه قد يكون هناك وقت للدبلوماسية.، ومن المرجح أن تحظى هذه الفكرة ببعض الاهتمام بين أولئك الذين يأملون بشدة أن تنتهي الحرب في أوكرانيا، والذين هم أقل وعياً بالتهديد الوجودي الذي تشكله موسكو المنتصرة والمفرطة العسكرة على الأعضاء الشرقيين في حلف شمال الأطلسي.
وتختم الشبكة الأمريكية تحليلها لتلك التصريحات الروسية، قائلة: "لكن ينبغي النظر إليه من خلال عدسة السخرية العميقة التي اتسمت بها دبلوماسية موسكو السابقة في سوريا وأوكرانيا: فقد استُخدمت كوقت للسعي بقوة إلى تحقيق نفس الأهداف العسكرية، ولكن على خلفية وهمية مفادها أن السلام قد يكون قاب قوسين أو أدنى".