أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "حكم طواف الإفاضة مع الشك في نزول الحيض؟ فامرأة طافت طواف الإفاضة، وعندما انتهت منه ورجعت إلى الفندق وجدت أنها حائض، ولا تَعْلَم وقت نزول الحيض هل كان في أثناء الطواف أو بعده، فماذا تفعل؟".
وقالت دار الإفتاء: إن طوافُ المرأة في هذه الحالة صحيحٌ مجزئٌ على كلِّ حالٍ، وحَجَّتُها تامة غير ناقصة، بَيْدَ أنَّ عليها دمًا إذا لم تتيقن من وقتِ نزولِ الحيض، ويستحبُّ لها أن تذبح بدنة؛ خروجًا من خلاف مَن أوجبها مِن الحنفية، وإلَّا فلتذبح شاة، كما هو عند الحنابلة في رواية، فإن شَقَّ عليها ذلك فلا حرج عليها ألَّا تذبح شيئًا؛ أخذًا بما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وجماعة من السلف، واختاره مَن قال مِن الفقهاء بأن الطهارة للطواف سُنَّةٌ، أو هي واجبةٌ تسقط المؤاخذة بها عند العذر، وهو رواية عن الإمام أحمد أفتى بها جمعٌ مِن علماء مذهبه.
اختلاف الفقهاء في حكم الطواف أثناء الحيض
الحيضُ المسؤول عنه إمَّا أن يكون حاصلًا في أثناء الطواف أو بعده، فإن حَصَل بعده فلا يُؤثِّر على صحة الطواف، ولا شيء على المرأة؛ لأنَّها بطواف الإفاضة قد اكتمل لها أكثر أركان وواجبات الحج، وما بَقِي -كالرَّمي مثلًا- لا يُشْتَرط له النَّقَاء مِن الحيض.
أمَّا إن كان الحيضُ المسؤول عنه حاصلًا أثناء الطواف، فيرى الحنفية والحنابلة في روايةٍ عن الإمام أحمد: أَنَّ طوافها صحيحٌ؛ لأنَّ الطهارة مِن الحيض ليست مِن شروط صحة الطواف عندهم. وزاد الحنفية: أنَّها إِنْ طافت وهي حائض وَجَب عليها دم.
وهذه الصحة للطواف هي أيضًا تقرير مذهب المالكية حالة انقطاع دمها ولو فترةً يسيرةً، حيث نَصُّوا على أن الحائض يجوز لها الطواف حال انقطاع الدم شريطةَ أن تغتسل.
فإن لم ينقطع الدم ففيه خلافٌ عند المالكية: فالذي نَقَله البغداديون عن الإمام مالك رضي الله عنه: أنَّ الطواف لا يصح، وعليها المكث في مكة لحين الطُّهْر، أو الرجوع لبلدها والعودة من قابِلٍ.
قد نَصَّ المالكيةُ -كما هي عبارة الشيخ عِلِيش في "منح الجليل" (2/ 298، ط. دار الفكر)- بعد تقريرِ رواية البغداديين مَذْهبًا: على أنَّ مِن التيسير في هذه الحالة تقليد الإمام أبي حنيفة في عدم اشتراط الطهارة للطواف، ومعناه: أنَّه يجب الدَّم لو طافت وهي حائض.
ويرى الشافعية، والحنابلة في الصحيح: أَنَّ الطواف في هذه الحالة غير صحيحٍ؛ إذ النَّقَاء من الحيض شرطٌ لصحةِ الطواف عندهم.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 356، ط. دار الفكر): [وقد أجمع العلماء على تحريم الطواف على الحائض والنفساء، وأجمعوا أنَّه لا يصح منها طواف مفروض ولا تطوع، وأجمعوا أن الحائض والنفساء لا تمنع من شيء من مناسك الحج إلا الطواف وركعتيه، نَقَل الإجماع في هذا كله ابن جرير وغيره] اهـ.
غير أنَّ الشافعية نصُّوا على أنَّ الأحوط لها -أي: الحائض التي تريد الطواف- والألْيَقَ بمحاسن الشريعة في حالتها هذه: أن تُقَلِّد مذهب مَن يُصَحِّح طوافَها وهي حائض؛ فتهجم وتطوف بالبيت، ويلزمها بدنة، مع لزوم الإثم، وذلك كما أفادته عبارة العلامة شمس الدين الرَّمْلِي الشافعي في "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (3/ 317، ط. دار الفكر)، والإمام ابن حجر الهَيْتَمِي الشافعي في "حاشيته على شرح الإيضاح للإمام النووي" (ص: 387-388، ط. دار الحديث).
وكذلك الحال في كل مسألةٍ خلافيةٍ قال بها إمام معتبرٌ، ونال الواقع فيها مشقة؛ فإنَّ له أَنْ يقلِّدَ القائل بما له فيه مَخْلَصٌ؛ إذ السلامة مِن الإثم وتصحيح أفعال المكلفين مقصدٌ شرعيٌّ.