في خطوة تاريخية قضت محكمة العدل الدولية بأنه يتعين على إسرائيل وقف هجومها على رفح الفلسطينية في جلسة عقدت يوم الجمعة في لاهاي، حيث شنت إسرائيل هجومها على مدينة رفح الجنوبية هذا الشهر الجاري ما أجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على الفرار من المدينة التي أصبحت ملجأ لنحو نصف سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
وكانت رفح الواقعة على الطرف الجنوبي من غزة هي أيضا الطريق الرئيسي للمساعدات، وتقول المنظمات الدولية إن العملية الإسرائيلية عزلت غزة وزادت من خطر المجاعة.
وقف الهجوم العسكري على رفح
أمر قضاة المحكمة العليا التابعة للأمم المتحدة، إسرائيل ، اليوم الجمعة، بوقف هجومها العسكري على مدينة رفح جنوب قطاع غزة .
وقال رئيس المحكمة نواف سلام ، وهو يقرأ حكم محكمة العدل الدولية ، إن الإجراءات المؤقتة التي أمرت بها المحكمة في مارس لم تعالج بشكل كامل الوضع في غزة الآن، وتم استيفاء الظروف لحالة طوارئ جديدة.
وقال: "على إسرائيل أن توقف فوراً هجومها العسكري" في رفح.
و أضاف رئيس محكمة العدل الدولية القاضي اللبناني نواف سلام، إن "الظروف المعيشية لسكان غزة تتدهور والوضع الإنساني بات كارثيا"، مشيرا إلى أن "الوضع الإنساني في رفح تدهور أكثر منذ أمر المحكمة الأخير".
وأشار: "نحو 800 ألف شخص نزحوا من رفح منذ بدء الهجوم البري في 7 مايو الجاري".
وتابع سلام: "المحكمة تعتبر الهجوم العسكري في رفح تطورا خطيرا يزيد من معاناة السكان".
وانضمت مصر إلى طلب جنوب إفريقيا في 12 مايو الجاري.
وأيدت المحكمة طلب جنوب أفريقيا بأن تأمر إسرائيل بوقف هجومها في رفح بعد أسبوع من مطالبة بريتوريا بهذا الإجراء في قضية تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
وذكرت رويترز أنه خارج المحكمة، لوحت مجموعة صغيرة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين بالأعلام وقاموا بعزف موسيقى على جهاز يدوي يدعو إلى فلسطين حرة .
وطلب محامو جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي فرض إجراءات طارئة، قائلين إن الهجمات الإسرائيلية على رفح يجب أن تتوقف لضمان بقاء الشعب الفلسطيني.
وتتهم القضية الأوسع التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية إسرائيل بتدبير إبادة جماعية تقودها الدولة ضد الشعب الفلسطيني.
وفي أحكام سابقة، أمرت المحكمة إسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والسماح بتدفق المساعدات إلى غزة، في حين لم تصل إلى حد الأمر بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية.
هل ستلتزم إسرائيل هذه المرة ؟
في هذا الصدد قال المحامي والمحلل السياسي الفلسطيني زيد الايوبي، إن قاضي محكمة العدل الدولية قرر بالأمر بوقف الهجوم على رفح والإبقاء على معبر رفح مفتوحا أمام تدفق المساعدات للغزيين.
وأضاف المحلل السياسي الفلسطيني خلال تصريحات خاصة لــ"صدى البلد" أن قرار محكمة العدل الدولية اليوم قرار مهم وتاريخي وله أبعاد سياسية ومعنوية تؤثر على صورة إسرائيل سلباً أمام الرأي العام العالمي.
وأكد : القرار يفتقد فقط لصفة الإلزام ولا أعتقد أن إسرائيل ستحترمه لأنها أثبتت أنها لا تحترم أي قوانين وأي أعراف دولية خصوصا في أوقات الحرب.
ماذا عن رد إسرائيل؟
قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن إسرائيل "لن توافق على وقف الحرب"، معتبرا أن "التاريخ سيحكم على من وقف إلى جانب حماس".
وأضاف سموتريتش أن "من يطالب إسرائيل بوقف الحرب يطالبها بإنهاء وجودها".
كما قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير، إن قرار المحكمة يجب أن تكون له إجابة واحدة فقط وهي احتلال رفح وزيادة الضغط العسكري وهزيمة حماس، على حد تعبيره.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيجري مشاورات مع مسؤولين إسرائيليين بشأن قرار محكمة العدل الدولية.
وقال متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية عشية قرار الجمعة إنه "لا توجد قوة على وجه الأرض ستمنع إسرائيل من حماية مواطنيها وملاحقة حماس في غزة".
ورفضت إسرائيل اتهامات القضية بالإبادة الجماعية ووصفتها بأنها لا أساس لها من الصحة، وجادلت أمام المحكمة بأن عملياتها في غزة هي دفاع عن النفس وتستهدف مقاتلي حماس الذين هاجموا إسرائيل في 7 أكتوبر.
إسرائيل تتوقع الفيتو ؛
وكانت قد نقلت القناة 12 الإسرائيلية في وقت سابق عن مسؤولين لم تذكر أسماءهم قولهم إن "إسرائيل ليس لديها أي نية لتنفيذ الحكم".
ووفقاً للقناة 12 الإسرائيلية، فإنه إذا حكمت المحكمة لصالح طلب جنوب أفريقيا، فسيتم إحالة الأمر إلى مجلس الأمن، حيث تتوقع إسرائيل أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو".
وكان فد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتهامات الإبادة الجماعية ووصفها بأنها شائنة.
وتقول إسرائيل إنها تفعل ما في وسعها لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وتتهم حركة حماس باستخدام الفلسطينيين دروعا بشرية، وهو ما تنفيه الحركة.
وتقول إسرائيل إن حق الدفاع عن النفس يجب أن يكون مكفولا لها بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1200 واحتجاز 253 رهينة وفقا للإحصاءات الإسرائيلية.
وفي دفاعها أمام محكمة العدل الدولية في 17 مايو قالت إسرائيل إن طلب جنوب إفريقيا "يستخف باتفاقية منع الإبادة الجماعية"، وطلبت من القضاة رفضه.
ماذا قالت حماس ؟
رحبت حركة حماس، الجمعة، بأمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف هجومها على رفح جنوبي قطاع غزة، في إطار قضية أوسع تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
وقالت الحركة: "ندعو المجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على إسرائيل لتنفيذ قرار محكمة العدل الدولية وترجمة القرارات الأممية لوقف الإبادة الجماعية المستمرة منذ 7 أشهر".
وتابعت: "توقعنا أن يشمل القرار كافة قطاع غزة نظراً لأن الجرائم في جباليا وباقي المحافظات لا تقل خطورة عما يحدث في رفح".
وتقول السلطة الفلسطينية إن قرار محكمة العدل الدولية يمثل إجماعا على إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية لرويترز إن السلطة الفلسطينية رحبت بقرار محكمة العدل الدولية يوم الجمعة قائلة إنه يمثل إجماعا دوليا على إنهاء الحرب على قطاع غزة .
كما أمرت المحكمة إسرائيل بفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، وقالت إن عليها تقديم تقرير بالإجراءات المتخذة في غضون شهر.
وأوضحت المحكمة أنه "للحفاظ على الأدلة على إسرائيل اتخاذ التدابير اللازمة لضمان وصول المحققين دون عوائق إلى غزة".
واعتبرت أن "الشروط مستوفاة لاتخاذ إجراءات طارئة جديدة في قضية اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية" في قطاع غزة.
ما قضية الإبادة الجماعية؟
من الجدير بالذكر أنه في ديسمبر2023 ، قدمت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية لإثبات أن إسرائيل، ترتكب جريمة "إبادة جماعية" في قطاع غزة.
وتقول جنوب أفريقيا إن إسرائيل انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، من خلال حربها على غزة، وسجلت القضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في 29 ديسمبر.
وجاء في الملف الأولي الذي قدمته جنوب إفريقيا بعد مرور ثلاثة أشهر على اندلاع الحرب ويتكون من 84 صفحة أن قتل إسرائيل للفلسطينيين في غزة وإلحاق أذى نفسي وجسدي جسيم بهم وخلق ظروف معيشية تهدف إلى "تدميرهم جسديا" يعد إبادة جماعية.
كما ركزت جنوب إفريقيا في جلسات استماع عُقدت في يناير على تقاعس إسرائيل عن توفير الغذاء الأساسي والمياه والأدوية والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية لغزة خلال الحرب الدائرة مع حركة حماس.
وأشار التقرير أيضا إلى حملة القصف المستمرة التي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 35 ألف شخص وفقا لمسؤولي قطاع الصحة في غزة.
وفي 16 مايو الجاري طلبت جنوب إفريقيا من المحكمة إصدار أمر للقوات الإسرائيلية بوقف عملياتها في رفح بجنوب غزة حيث يحتمي نحو نصف سكان القطاع وعددهم 2.3 مليون شخص بعد نزوحهم بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشمال، كما طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالانسحاب
ما محكمة العدل الدولية؟
ويشار إلى أن المحكمة أعلى هيئة تابعة للأمم المتحدة للنظر في النزاعات بين الدول، وأحكامها نهائية وملزمة، لكن تم تجاهلها في الماضي، حسبما ذكرت رويترز، ولا تتمتع المحكمة بصلاحيات تنفيذية.
يطلق عليها أيضا اسم المحكمة العالمية هي أعلى هيئة قانونية تابعة للأمم المتحدة، وتأسست عام 1945 للبت في النزاعات بين الدول.
وهناك فرق بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ أيضا من لاهاي مقرا والتي تنظر في اتهامات جرائم الحرب الموجهة ضد الأفراد.
وتتعامل هيئة محكمة العدل الدولية المؤلفة من 15 قاضيا، والتي سيُضاف إليها في هذا النزاع قاض تختاره إسرائيل نظرا لوجود قاض من جنوب إفريقيا، مع النزاعات الحدودية والقضايا التي ترفعها الدول لاتهام أخرى بانتهاك التزامات معاهدة الأمم المتحدة.