الهجوم السافر على الدور المصري في الوساطة بين كل من حماس وإسرائيل عبر تقارير ملفقة، استندت بعضها إلى مصادر مجهّلة مثل ما نشرته الـcnn ، يكشف حقائق عدة في مقدمتها، رغبة الطرفين في التلاعب وعدم استعدادهما بعد للانخراط في الهدنة وخصوصا الجانب الإسرائيلي.
والواقع أن مصر تضيف لجهود الوساطة وللقضية الفلسطينية برمتها، وهذا ليس وليد اليوم ولكن عبر عقود منذ تفجر نكبة فلسطين في أربعينيات القرن الماضي وحتى اللحظة، ووجودها في جهود الوساطة وفي القيام بالدور الرئيسي في تزويد غزة بالمساعدات الإنسانية والدوائية والإغاثية وتسهيل دخولها، لا يمكن بل يستحيل عمليا الاستغناء عنه، فغزة أمن قومي مباشر لمصر والأراضي المحتلة، وبحكم الجغرافيا فهى على خط الحدود المصرية مباشرة.
لكن السؤال الذي يشغل الكثيرين، هو السبب الحقيقي لفشل الهدنة الأخيرة، ثم انتقاد دور مصر باتهامات ملفقة حول تدخلها في مقترح الهدنة ما أدى لفشل المساعي الأخيرة، التي بدأت بقوة قبل شهر رمضان الماضي.
-الحقيقة أن حماس وحكومة الاحتلال كل منهما يريد إزاحة الآخر، فحماس تتمسك بمطالبها بوقف الحرب تماما والخروج من قطاع غزة والسماح بالعودة للشمال، وهى تعرف تمامًا أن عنادها وموقفها، يجد صدى كبيرا في الداخل الإسرائيلي وضغوط على حكومة نتنياهو من أجل انتخابات مبكرة، والبديل "غانتس" جاهز لتشكيل الحكومة الإسرئيلية الجديدة، وهنا أرجوك ألا تسأل عن مصير أكثر من 2 مليون فلسطيني مدني يتجرعون القتل والتهجير والمعاناة من مكان لآخر يوميا ونقص الغذاء والدواء داخل قطاع غزة..
هؤلاء الذين تم الرهان بهم والدفع بهم في مواجهة الدبابات والمدفعية الاسرائيلية والقصف الجوي في قطاع محشور يشبه الزجاجة، ليس لديه أي منفذ حقيقي للخارج وللحياة سوى معبر رفح.
وعلى الجهة الأخرى، فإن نتنياهو لا يريد أن يضىء الضوء الأخضر ويرفع راية الاستسلام في مفاوضات الهدنة حتى لا يبدو ذلك مكسبا لحماس، ويلعب على الوقت، ربما تتمكن قواته من يحيي السنوار أو قائد حمساوي كبير وتنتهي الحرب، ويعود للاسرائيليين في زي المنتصر، وساعتها قد لا يسأله أحد عن مصير 124 رهينة لدى حماس توفى منهم 37 وفق بيانات الجيش الاسرائيلي.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، والتي فاجأها تصرف نتنياهو وعناده وغباء حكومته وافتقادها لأي تحرك سياسي موازي للعمليات العسكرية وللقصف الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، فإنها لا تعرف حقيقة شكل اليوم التالي بعد انتهاء الحرب؟
من سيدير القطاع؟ هل تظهر حكومة حماس مجددا؟
وهل تظهر أجهزتها المحلية والشرطية والقضائية والخدمية؟ اذن ما الذي ستكون قد حققته تل أبيب من وراء الحرب؟
-ثم أين البديل في غزة؟ الذي يمكن ان يحل محل حماس ويفرض سلطته ووجوده على 2.2 مليون فلسطيني؟!
-المعروف أن حركة فتح، هى المعادل الرئيسي التاريخي لحماس وهذه قد تركت القطاع كله لها ولحركة الجهاد منذ انتخاب حكومة حماس وظهورها للعلن، قبل أكثر من 15 عاما وبدون قوة فلسطينية أو فصيل فلسطيني قوي معادل لحركة حماس فلن يكون هناك بديل لها على الأرض ولو ظهر الان دون انتخابات أو شرعية، ستنشب في القطاع حرب أهلية بين الطرفين بين قوة حماس والبديل الفلسطيني الآخر، وبشكل أعنف من كل الصدامات السابقة.
والحل وسط هذه المعضلة؟
-للأسف لا تبدو هناك آية حلول، سوى خيالات تتدارسها الإدارة الأمريكية ولا يبدو واقعيا داخل هذه المتاهة، سوى الحل المصري، بالقبول بحل الدولتين والعودة للتفاوض وهو مع السلطة الفلسطينية الشرعية، والقبول باستمرار حركة حماس والتفاوض معها ووقف الحرب والعودة الى المربع 1 وإدخال المساعدات، ثم بعد ذلك وبعيدا عن فوهات المدافع، وبعدما يستقر الفلسطينيون مجددا على من سيحكم القطاع عبر انتخابات تأخرت 10 سنوات، ساعتها يكون مناسبا النظر في وضع حماس، لكن التفكير في مسحها الآن غير عملي وغير واقعي.
المؤكد أن الجميع، سقطوا في مستنقع غزة، ووجدوا في تقارير مزيفة تشكك في وساطة مصر "المحورية"، متنفس لهما لمدارة خيبتهما وعدم التوصل فعليا لحل واقعي لمتاهة غزة.
-بقى القول أن هناك عنصرا واحدا رئيسيا لم يأخذه الطرفان في الحسبان، حتى اللحظة وهو 2 مليون فلسطيني في القطاع، وهو عنصر لم يتحرك حتى الآن ويتقاذفه الطرفان كل لمصلحته، وقد تتغير المعادلة مع زيادة التضييق عليه وزيادة معاناته، خصوصا وإنه ليس واقعيا الافتراض أن تبقى المساعدات لغزة إلى مالا نهاية، أو أن تبقى الحرب بشكل الحالي إلى ما لانهاية وأفق معروف..
فاستمرار المساعدات فترة أطول من هذه، قد تكون خارج قدرات أي طرف حتى الأمم المتحدة ذاتها، ومن السخف ان يتواصل ذلك لتستمر حماس ويستمر نتنياهو وألا يفقد أي منهما سلطته؟!!