انطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الثلاثاء في رحلة جوية مدتها 25 ساعة إلى كاليدونيا الجديدة، بهدف استعادة السيطرة على الأزمة المستمرة في أعقاب التمرد العنيف على الأراضي الفرنسية، وأصبح الأرخبيل، الذي يقع على بعد أكثر من 15 ألف كيلومتر من البر الرئيسي لفرنسا، أولوية قصوى للحكومة في باريس بعد أسبوع من الاحتجاجات العنيفة التي خلفت ستة قتلى.
[[system-code:ad:autoads]]
وعلى الرغم من انخفاض مستوى العنف في الأيام الأخيرة منذ أن استدعت الدولة الفرنسية الآلاف من قوات الشرطة والجيش الإضافية، إلا أن التوترات بين مؤيدي استقلال كاليدونيا الجديدة والموالين لفرنسا لا تزال عند أعلى مستوياتها منذ عقود، والتحدي الذي يواجه ماكرون الآن هو إيجاد حل سياسي دائم لاستعادة السلام في منطقة جنوب المحيط الهادئ، وذلك عبر حمل العصى والجزرة فى جعبته.
[[system-code:ad:autoads]]
من هى تلك الجزيرة
كاليدونيا الجديدة، هي تجمع خاص تابع لفرنسا يقع في أوقيانوسيا في جنوب غرب المحيط الهادئ على بُعد 1210 كم (750 ميلًا) إلى الشرق من أستراليا وعلى بُعد 16,136 كم (10,026 ميلاً) إلى الشرق من الأراضي الفرنسية، ويشمل الأرخبيل ـ الذي يعد جزءاً من منطقة ميلانيزيا ـ كلاً من جزيرة غراند تير (وهي الجزيرة الرئيسية في الأرخبيل) وجزر لوايوتيه وجزر شسترفيلد (التي تقع في بحر المرجان) وأرخبيل بيليب وجزيرة الصنوبر وعدد من الجزر النائية، ويطلق سكان كاليدونيا الجديدة على جزيرة غراند تير اسم لو كايو أي الحصاة.
تبلغ مساحة أراضي كاليدونيا الجديدة 18,576 كيلومتراً مربعاً (7,172 ميلاً مربعاً)، وبلغ عدد سكانها 268,767 وفقاً لتعداد أغسطس 2014، ويتألف سكان كاليدونيا الجديدة من مزيج من شعب الكاناك (السكان الأصليون لكاليدونيا الجديدة) وسكان من أصول أوروبية (من الكالدوش وفرنسيو الأراضي الفرنسية) وشعوب بولينيزية (هم في معظمهم من الواليسيين) وسكان من جنوب شرق آسيا، إلى جانب أقليات ترجع جذورها إلى الأقدام السوداء وجزائريي المحيط الهادئ، استقر فيها البريطانيون والفرنسيون أثناء النصف الأول من القرن التاسع عشر، وامتلكتها فرنسا في 1853، كانت مستعمرة جزائية لأربعة عقود بعد 1864، عاصمتها نوميا، وكان من المتوقع أن تحصل على استقلالها خلال الفترة من 2015 إلى 2019، لكن صوت أكثر من 96.50% ضد الاستقلال عن فرنسا في استفتاء اقيم في 2021.
غضب من حكم الفرنسيين
ويعد العنف أحدث تفجر للتوترات السياسية التي ظلت تغلي لسنوات وأثارت مجتمعات الكاناك الأصلية المؤيدة للاستقلال إلى حد كبير في الجزيرة - والتي طالما غضبت من حكم باريس - ضد السكان الفرنسيين المعارضين لقطع العلاقات مع وطنهم الأم، وحشد الجيش الفرنسي وأرسل جوا "أربعة أسراب إضافية لاستعادة النظام"، وفقا لوزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، تقع كاليدونيا الجديدة في جنوب المحيط الهادئ مع جيرانها أستراليا وفيجي وفانواتو، وهي منطقة فرنسية تتمتع بحكم شبه ذاتي - وهي واحدة من اثنتي عشرة منطقة منتشرة في جميع أنحاء المحيط الهادئ والبحر الكاريبي والمحيط الهندي.
وقد بدأت الاحتجاجات الأسبوع الماضى، بمشاركة معظمها من الشباب، ردًا على طرح تصويت على بعد 10 آلاف ميل (17 ألف كيلومتر) في البرلمان الفرنسي يقترح تغييرات على دستور كاليدونيا الجديدة من شأنها أن تمنح حقوق تصويت أكبر للمقيمين الفرنسيين الذين يعيشون على الجزر، وصوت المشرعون ثلاثاء الأسبوع الماضى بأغلبية ساحقة لصالح التغيير، ومن شأن هذه الخطوة أن تضيف آلاف الناخبين الإضافيين إلى القوائم الانتخابية في كاليدونيا الجديدة، والتي لم يتم تحديثها منذ أواخر التسعينيات، وتقول الجماعات المؤيدة للاستقلال إن التغييرات هي محاولة من جانب فرنسا لتعزيز حكمها على الأرخبيل.
هدوء حذر وبركان تحت رمال ساخنة
وعن الأوضاع الأمنية الحالية داخل الجزر، تقول المتحدثة باسم الحكومة بريسكا ثيفينوت خلال مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء: "لقد عاد الهدوء، لكن الوضع لم يعد إلى طبيعته تمامًا، ونحن ندرك أنه لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها”. وقال رئيس الوزراء غابرييل أتال للمشرعين إن الغرض من الرحلة هو استئناف الحوار".
وقد اندلعت الاحتجاجات بعد تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية بالسماح لجميع المواطنين الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة منذ أكثر من 10 سنوات بانتخاب المجلس التشريعي المحلي، وكان التصويت في هذه الانتخابات محصوراً حتى الآن للمواطنين الذين استقروا في الأرخبيل قبل عام 1998 - عندما أطلقت الحكومة الفرنسية عملية تقرير المصير في كاليدونيا الجديدة - أو لأحفادهم.
وتقول القوى المؤيدة للاستقلال إن توسيع الهيئة الانتخابية من شأنه أن يقلل بشكل أكبر من نفوذ سكان الكاناك الأصليين، الذين تقلصت حصتهم من السكان منذ سيطرة فرنسا على الإقليم قبل أكثر من 170 عاما، ويرى أنصار الإصلاح ضرورة ديمقراطية، مشددين على أن القواعد الحالية تستبعد حتى بعض المواطنين المولودين في كاليدونيا الجديدة من التصويت، وسيتطلب التغيير تعديلًا دستوريًا، وبالتالي لا يزال بحاجة إلى موافقة المشرعين من مجلسي البرلمان الفرنسي خلال جلسة مخصصة، وتلك الأبعاد المتناقضة للأزمة يجعلها بركان ثائر تحت الرمال الساخنة، ومن الممكن أن ينفجر فى أى لحظة.
إنذار ماكرون
وبحسب تقرير صحيفة بوليتيكو الأمريكية، فإن خطة ماكرون، هي دفع الجانبين إلى التوسط للتوصل إلى اتفاق لوقف الاحتجاجات، وفي رسالة بعث بها الأسبوع الماضي إلى ممثلي كاليدونيا، المؤيدين والمعارضين للاستقلال، وصف الرئيس الفرنسي إصلاح الهيئة الانتخابية بأنه "مبدأ ديمقراطي"، وأضاف ماكرون أنه أصبح من "مسؤوليته" الآن الدعوة إلى جلسة مخصصة، لكنه فتح الباب أمام إلغاء التشريع المزمع لصالح إصلاح دستوري أوسع إذا تمكنت القوى السياسية المحلية من التوصل إلى اتفاق.
ومع تولي ماكرون السلطة، لم تتغير الاستراتيجية، وقد قال أحد المستشارين الرئاسيين إن ماكرون سيتبنى "موقف الاستماع"، لكنه ظل عازما على دعوة المشرعين إلى التصويت قبل يوليو ما لم يدرك إمكانية التوصل إلى اتفاق وشيك، فهناك توازن صعب هنا بالنسبة لماكرون لأن تأجيل التصويت قد يُنظر إليه على أنه يستسلم للعنف، ولم تنجح محاولات الوساطة حتى الآن: فقد تم إلغاء اجتماع ثلاثي عبر الفيديو بين المشرعين في كاليدونيا على جانبي مناقشة الاستقلال وماكرون الأسبوع الماضي، حيث قالت الرئاسة الفرنسية إن المسؤولين المحليين غير راغبين في التحدث مع بعضهم البعض.
حلم الاستقلال وأغلبية بقايا الاستعمار
وما بين حلم الاستقلال وأغلبية بقايا الاستعمار تدور الأزمة، وقد قالت جبهة الكاناك وجبهة التحرير الوطني الاشتراكي المؤيدة للاستقلال في بيان لها إن "الرد الوحيد على هذه الأزمة هو حل سياسي" ودعت الدولة الفرنسية إلى إقامة "مرحلة نهائية في عملية الاستقلال"، فيما يقول نيكولا ميتزدورف، وهو برلماني مناهض بشدة للاستقلال وعضو في مجموعة النهضة المؤيدة لماكرون في الجمعية الوطنية، إنه سيظل "يقظًا لضمان الدفاع عن القيم الديمقراطية التي نتمسك بها" خلال المحادثات التي جرت خلال زيارة ماكرون.
وقد أُجريت ثلاثة استفتاءات حول استقلال كاليدونيا الجديدة بين عامي 2018 و2021. واختار الناخبون البقاء في فرنسا خلال التصويتين الأولين، لكن التصويت الثالث شابه انخفاض نسبة المشاركة حيث دعا الانفصاليون أنصارهم إلى مقاطعة التصويت بسبب رفض الدولة تأجيله وسط جائحة كوفيد 19.