تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا يقول صاحبه (ما صحة المنشور المنتشر بين الناس في هذه الأيام على مواقع التواصل، والذي ينهى الناس عن قولهم في الدعاء للمتوفى: "اللهم اجعل مثواه الجنة"؛ بزعم أن كلمة "المثوى" مختصة بالنار فقط؟
[[system-code:ad:autoads]]حكم الدعاء للمتوفى
وأجابت دار الإفتاء على سؤال: ما حكم قول "اللهم اجعل مثواه الجنة" في الدعاء للمتوفى؟، قائلة: إن الدعاء للمتوفى بأن يجعل الله مثواه الجنة صحيحٌ شرعًا، ولا وجه لاختصاص المثوى بالنار؛ لا من جانب الشرع، ولا من جانب اللغة، والقول بالمنع من ذلك منشؤه التنطع والتقعر المذمومان فضلًا عن كون مدعيه جاهلًا باللغة والشرع.
[[system-code:ad:autoads]]وأضافت أن الدعاء للمتوفى مشروع ومطلوب، وهو من جملة هدايا الأحياء للأموات التي تصل إليهم، وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
قول اللهم اجعل مثواه الجنة
وذكرت دار الإفتاء، أن تقييد الدعاء بالولد في الحديث لا مفهوم له، فالدعاء يصل من الولد ومن غيره، وإنما خُصَّ الولدُ بالذكر في الحديث؛ تحريضًا له على الدعاء لأبيه، وقد قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (11/ 85، ط. دار إحياء التراث العربي): [الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذلك الصدقة، وهما مجمع عليهما] اهـ.
أما العبارة المسؤول عنها من قول الداعي في الدعاء للمتوفى: "اللهم اجعل مثواه الجنة" فهي جائزة ولا محذور فيها على الإطلاق؛ لأن المثوى في اللغة مصدر ميمي من الثواء، والثواء هو الإقامة، والمصدر الميمي يدل على الحدث والزمان والمكان؛ قال الإمام أبو حيان الأندلسي في "البحر المحيط" (3/ 358، ط. دار الفكر): [الْمَثْوَى: مَفْعَلْ من ثَوَى يَثْوِي أَقَامَ. يكون للمصدر والزمان والمكان، وَالثَّوَاءُ: الإقامة بالمكان] اهـ.
"المثوى" في القرآن والسنة
لذلك جاء استعمالها في القرآن والسنة بهذا المعنى دون اختصاص بالنار فقط، أو بيان الحال في الآخرة للمعذبين فحسب، بل إنها إذا جاءت مقترنة بالجنة أو بالنار أو بغيرهما فإن معناها يأتي للمقام أو المكان أو المستقر أو الحال.
ومن ذلك قول عزيز مصر لامرأته في شأن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [يوسف: 21]؛ قال الإمام الرازي في "تفسيره" (18/ 435، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ أي: منزله ومقامه عندك؛ من قولك: ثويت بالمكان، إذا أقمت به، ومصدره الثواء، والمعنى: اجعلي منزله عندك كريمًا حسنًا] اهـ.
أما القول بأن التعبير بـ "المأوى" أو "المستقر" هو الذي يأتي مع الجنة ويختص بها، فهو الذي يصح استعماله دون "المثوى"، فكلام غلط مخالف للغة وللقرآن الكريم.
أما اللغة: فالمأوى معناه: المسكن والمنزل، والمستقر: المسكن؛ لأنه مكان القرار، وهو السكون والثبوت. انظر: "تاج العروس" للإمام الزبيدي (13/ 392، 37/ 113).