يحتفل الفنان الكبير عادل إمام بعيد ميلاده الـ84.
طوال مسيرته الطويلة مع الفن واشتباكه الدائم مع الواقع ظل الفنان عادل إمام موضع إعجاب من جانب الكثيرين، إذ استطاع بفضل موهبته الفطرية أن يكون «حالة» بين أبناء الشعب المصري، وبالتوازي مع شهرته كان الشيخ الشعراوي أيضًا هو النجم الآخر في سماء الشهرة، إذ عقدت بينهم الكثير من المقارنات.
وفي عام 1988 مثلًا كتب الناقد والمؤرخ الكبير غالي شكري مقالًا بمجلة الناقد بعنوان: «من عادل إمام إلى الشيخ الشعراوي».
الشعراوي وعادل إمام
تحدث غالي شكري عن العلاقة بين النجمين وقال: عادل إمام والشيخ متولي الشعراوي هما ألمع نجمين في هذا العقد على الصعيدين المصري والعربي الأول، كما هو معروف ممثل كوميدي. والآخر كما هو معروف أيضاً أحد الدعاة المتفقهين في الإسلام. يجمع بينهما هذه الجاذبية التي تسحر الملايين حول شخصية كل منهما عن طريق الأسلوب التمثيلي الذي يخاطبان به الجماهير. وإذا كان التمثيل في حياة عادل إمام هو الحرفة المباشرة، فإن التمثيل في حياة الشعراوي هو البديل للخطابة التقليدية والوعظ والإرشاد. وإذا كان التمثيل في حياة عادل إمام لا يتطلب سوى الاتقان الحرفي، فإن التمثيل في عمل الشعراوي يتطلب الحركة العفوية العريف الكتاب» أو مدرس القرية والكلام الحاذق المبسط الذي يبهر السامع ويخدر حواسه ويسلبه القدرة على التفكير وإنما يحيله إلى صدى وجهاز إرسال فقط.
موهبة الشعراوي الفطرية
وأضاف غالي شكري: ولا شك أن مواهب الشعراوي الفطرية، كمواهب عادل إمام هي التي نقلتهما إلى الصف الأول من نجوم العصر الجديد. ولكنهما النجمان النقيضان .. فالممثل الكوميدي المحترف يقتضيه الأمر أن يعارض وينتقد. وهو في مجال الحياة العامة أقرب إلى اليسار الناصري إن جاز التوصيف. أما الشيخ الشعراوي فقد نقله السادات من عمله الإداري المتواضع في الأزهر إلى عضوية الحكومة التي وافقت على كامب ديفيد وزيرا للأوقاف ومن يومها ظل الشيخ في صفوف المؤيدين حتى وهو خارج الوزارة. ولكن الحلقة التلفزيونية الأسبوعية التي يقيمها وتباع إلى أقطار عربية عديدة، دفعت بمواهبه إلى الصدارة فأصبح في فترة وجيزة من مليونيرات عصر الانتفاح.
وكانت جاذبيته هي التي فتحت له أبواب الداخل والخارج، ولكن الأبواب الخارجية كانت أكثر اتساعا في زمن الإسلام والنفط والإرهاب. كان النظام المصري كغيره من الأنظمة العربية يعاني، ولا يزال من الجماعات الدينية الراديكالية.
موهبة تليفزيونية
ويستطرد: بقيت المفارقة إلى الآن ان الشيخ قائد بلا جنود، وأن جنود التنظيمات بلا قائد، وبالرغم من أن الفكر الذي يروجه الشيخ الشعراوي هو نفسه فكر هذه التنظيمات الرديكالية، ولكن سلاحه هو موهبته التلفزيونية الطاغية. وأما سلاحهم فهو الإرهاب.
مؤخرًا وقعت المواجهة المتوقعة بين النجم عادل إمام والنجم متولي الشعراوي . فجأة ظهرت على سطح الحياة المصرية قضية «الفن حلال أم حرام». وأقول على السطح، لأن الحياة المصرية تغلي بمشكلات أبعد ما تكون عن هذه الافتعالات المقصودة، ولأن المصريين في حياتهم اليومية يمارسون الفن في تجلياته المختلفة دون التوقف عند الحلال والحرام.
ولكن بعض الجماعات الاسلامية أعلنت أن الموسيقى صوت الشيطان وأن المسرح رجس والغناء عورة والفنون التشكيلية وثنية والأدب غواية الكافرين، هكذا دفعة واحدة. كان عميد كلية الطب في جامعة القاهرة قد منع دخول الطالبات بالنقاب. ولما تقاعد العميد تقدمت الجماعات إلى المحكمة التي قضت بحق الطلبات في ارتداء الحجاب والنقاب ودخل الطلاب على حفل التخرج الذي تقيمه كلية الآداب سنويا ومنعوا الحفل الختامي بالقوة.
وفي الصعيد اقتحموا المركز الثقافي في احدى قرى اسيوط ومنعوا الدولة من تمثيل احدى المسرحيات. وقام الكتاب المصريون والفنانون بحملة شعبية مضادة، لا تملك سوى «الرأي».
وفاجأ عادل إمام الجميع في مجلة «المصور» عام 1988 بأنه قرر أن يعرض مسرحية ميراث الريح في قرية «كودية الإسلام» التي منعت فيها الجماعات العرض المسرحي .
وقال إن المسرحية تعرض صراعا بين أستاذ يشرح نظرية التطور لداروين وبين بعض الطلاب المتعصبين. وأضاف أنه يريد أن يقدم عرضا مماثلا في جامعة أسيوط، يشاركه فيه الطلاب وأريد أن يكون كلامي دقيقا منذ البداية.
هذه ليست جماعات متطرفة بل إرهابية. وكان من الممكن أن نسميها متطرفة فكريا قبل أن تستعمل الجنازير والخناجر والرصاص، وعندما لطخت أيديها بالدماء أصبحت إرهابية. إن التنازلات التي تقدم لهذه الجماعات هي التي جعلتهم يتوحشون. وتساءل عادل إمام: ما علاقة الفلوس بالذقون؟ في إشارة واضحة إلى التمويل الداخلي والخارجي لهذه الجماعات التي أصبحت مليشيات علنية لشركات توظيف الأموال وما يسمى البنوك الاسلامية. وهي الشركات التي تستولي على أموال وودائع المواطنين في مقابل نسبة ربح عالية لا تسمى فائدة، ولكن المأساة أن أحدا لا يستطيع استرداد أمواله وودائعه. وقد تساءل عادل إمام عن السر في هذه الأرباح التي تصل الى ثلاثين في المائة أحيانًا وهي نسبة لم يحققها أي مصرف في العالم وبمناسبة الذقون لفت نظري أيضا أن بعض قادة الأحزاب قد أصبحت لهم ذقون.. هكذا فجأة مع أنني كنت أراهم بدونها في الماضي. واختتم كلامه: لذلك أحس أن من واجبي كإنسان وفنان ومصري أن أقف، ومعي كل الشرفاء أمام هذا التيار الإرهابي البشع.
غذاء الروح
ويضيف: عبد المنعم النمر شيخ أزهري ووزير أوقاف سابق ودكتور أيضًا فقد كتب في الأهرام يقول عن المجتمع الاسلامي الأول: كان مجتمعا يضحك كذلك بقيادة الرسول. ويسري عن نفسه وعنهم متاعب الحياة بهذه الفصول البريئة المضحكة التي كان الرسول عليه السلام بطلها أحيانا ومستمعا اليها أحيانا أخرى وهو يضحك وصحابته معه يضحكون وهم منشرحو القلوب متخففون بهذا الضحك مما يعانون من مسؤوليات جسام. هل كان يمكن أن تكون الحياة إلا هكذا، والرسول القائد هو الذي يقول (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت) فهل يتصور أحد بعد ذلك أن الرسول صادر طبائع الناس وفطرتهم، فحرم عليهم سماع الصوت الحسن تنشيطا لقلوبهم وتغذية بريئة لأرواحهم؟»
وكمال أبو المجد المفكر الإسلامي المعروف وأمين الدعوة والفكر ووزير الاعلام والشباب في أكثر من حكومة، كتب في «الأخبار» يقول: «الفنون في جوهرها تعبير عن الواقع أو تعبير عن المثال يبدأ بموهبة مخصوصة في استقبال تأثير الواقع أو صورة المثال الذي لا يبلغه إلا الفنان .. وقد بقي أن نعرف نحن المسلمين أن الله جميل يحب الجمال حديث صحيح رواه مسلم.
تقاليد مجتمع الصحاري
أما فهمي هويدي الكاتب الإسلامي فقد كتب في «الأهرام» يجلل الظاهرة اجتماعيا ويقول: تقاليد مجتمع الصحاري العربية لها دورها الذي لا ينكر في تطويق مساحة الترويح التي تحتل موقعا متدنياً في سلم قيم مجتمع البداوة. ومعلوم أن للبيئة دورها في الشخصية والسلوك والتقاليد.
وبالتالي فإن جفاف الصحاري -العربية ترك بصماته على سلوك مجتمعاتها في مجالات عدة.. وفي المرحلة النفطية من التاريخ العربي المعاصر فإن مجتمعات الصحارى العربية صارت محط انظار الكثيرين، وفي ظروف تردي الاوضاع الاقتصادية في بقية الدول العربية، فإن عناصر الجذب في مجتمعات الصحارى صارت أقوى مما وسع من محيط التفاعل والتأثير على بعض مظاهر السلوك الاجتماعي».