أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "حكم اشتراط المقرض على المقترض زيادة عند التأخر عن سداد الدين؟ فقد أقرضتُ صديقي مبلغًا من المال على أن يسدده لي بعد سنة من تاريخ الإقراض، ونظرا لأنني أدخر هذا المال لتجهيز بناتي في الزواج اتفقت معه على شرط مفاده أنه إذا تأخر في السداد سيدفع لي المبلغ مضافًا إليه نسبة 15% من قيمة القرض، ووافق على ذلك، وأخبرنا البعض أن هذا حرام، فهل هذا حرام فعلًا؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أن الاتفاق بين الدائن والمدين على اشتراط زيادة في مقدار الدين إذا تأخر المدين عن السداد غير جائز شرعًا، فيبطل الشرط ويستحق الدائن أصل دينه دون زيادة، وإذا ماطل المدين في السداد ولم يلتزم بسداد دينه في الوقت المقرر بلا عذر، فيحق للدائن رفع أمره للقضاء، وما يقضي به القاضي ينفذ على الطرفين؛ فإن قضى بالتعويض حلَّ للدائن أخذُه.
حكم اشتراط المقرض على المقترض زيادة عند التأخر عن سداد الدين
إذا كانت الشريعة الإسلامية قد حثت على حُسن الإقراض، فإنها في الوقت نفسه تُحرِّم استغلال حاجة الناس ووضعهم في حرج، ولذلك فالأصل في الإقراض ألا يجلب ربحًا ونفعًا للمقرض، وألا يكون مشروطًا بزيادة على المبلغ الأصلي، وأن يكون من أجل الإرفاق لا من أجل الربح، فهو عقد تبرع لا عقد معاوضة، وقد اتفق الفقهاء على القاعدة الفقهية المشهورة "كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا". ينظر: "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (5/ 166، ط. دار الفكر)، و"الذخيرة" للإمام القَرَافي المالكي (5/ 289، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"حاشية العلَّامة الدسوقي المالكي على الشرح الكبير" (3/ 119، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للإمام النووي الشافعي (4/ 34، ط. المكتب الإسلامي)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامة الحنبلي (4/ 240، ط. مكتبة القاهرة).
وقد انعقد الإجماع على أنَّه لو اشترط المقرض على المقترض منفعة زائدة فإنَّ هذا غير جائز شرعًا، وأنَّ هذا ربا بلا خلاف؛ قال العلامة ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 136، ط. مكتبة الفرقان، ومكة الثقافية): [وأجمعوا على أن المسلِّف إذا شرط عند السلف هدية أو زيادة فأسلف على ذلك أن أخذه الزيادة ربا] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (4/ 240): [وكلُّ قرضٍ شُرط فيه أنْ يزيدَهُ فهو حرامٌ بغير خلاف] اهـ.
فإذا اتفق المتعاقدان على اشتراط منفعة زائدة على القرض، فإنَّه يبطل هذا الشرط، ولا يستحق الدائن إلا أصل ماله فقط دون الزيادة؛ لقول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278-279].
التحذير من المماطلة في سداد الدين ورد الحقوق لأصحابها
إذا كان الشرع قد راعى المدين فحرَّم استغلال حاجته، فإنه في الوقت نفسه راعى حال الدائن أيضًا، فحرَّم تعمد تأخير قضاء دينه عند حلول الأجل والقدرة على القضاء، فإذا حلَّ الأجل، والمدين قادرٌ على الأداء، فامتنع أو راوغ في أداء ما عليه: كان آثمًا، وفعله يُسمى مطلًا، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالظلم؛ فقال فيما أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»، وحذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الصنيع؛ فقال فيما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللهُ».
ومطل الغني أي: تأخيره أداء الدَّين من وقتٍ إلى وقتٍ، والمطل: منع أداء ما استُحق أداؤه، وهو حرام من المتمكن، فيحرم على الغني الواجد القادر أن يماطل بالدين بعد استحقاقه، ولو كان غنيًّا ولكنه ليس متمكنًا جاز له التأخير إلى الإمكان.
نصيحة ورجاء
نهيب بمن يقترض من أخيه لتفريج كربة وقضاء حاجته أن يحسن الأداء؛ فلا يليق مقابلة إحسان المقرض للمقترض إلَّا بالإحسان؛ قال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60]، وفي الحديث: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ قَضَاءً» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والنسائي في "السنن" واللفظ له، وفي حديث آخر: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى» رواه الإمام ابن ماجه في "السنن".