تحل اليوم الأربعاء، ذكرى اليوم العالمي للأسرة، وفي هذا التقرير نستعرض نظرة الإسلام إلى اللبنة الأولى وأساس التربية في المجتمع، وكيف اعتنت الشريعة بالأسرة وأعلت من شأنها.
بناء الأسرة في المقام الأول
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الأسرة في الإسلام لا تبنى سعادتها على التطلع لما عند الغير الذي يكون سبب شقائها، إذ لا يمكن لأي أحد أن يبلغ الحد الذي يحقق هذه السعادة أبدا، لأن الأشياء متغيرة وكل ثري يوجد من هو أثرى منه.
وأضاف " الطيب"، أنه من المهم أن يأتي بناء الأسرة في المقام الأول من الزواج، ويتحقق ذلك بأي شيء يمكن أن يتوفر لها، وهذا يعني أنها لا تركز على الماديات، وإنما تركز على كيفية بناء هذه الأسرة على السكن والمودة والرحمة وحمايتها، بحيث تقدم نماذج ممتازة من البنين والبنات، وهذا ما يجب على الزوجة أن تنشغل به ليل نهار سواء توفر لها من الأشياء الكثير أو القليل، بحيث تصنع سعادتها من داخلها ولا تعلق سعادتها لا بأثاث ولا بذهب ولا بفيلا ولا بسيارة.
مكانة الأسرة في الإسلام شأنًا عظيمًا
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الأسرة في الإسلام ليست مجرد إطار عادي يتصرف فيه كل فردٍ بمحض حريته وإرادته، وإنما هي إطار تحكمه ضوابط.
وأضافت «الإفتاء» عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: وتحيطه أحكام الشرع الشريف التي تُرتِّب على الأزواج وظائف ومهام مقدسة تجاه بعضهم البعض أو تجاه أبنائهم، بل كل من حولهم، منوهة بأن الأسرة هي الأساس الذي بقدر ما يكون راسخًا متينًا يكون صرحُ المجتمع وبناؤه قويًّا منيعًا، ومن ثمَّ كانت عناية الإسلام بالأسرة عناية بالغة.
وأوضحت أن للأسرة في الإسلام شأنًا عظيمًا؛ لأنها الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية، قال تعالى: «يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» الآية 1 من سورة النساء.
وتابعت: وتتضمن العائلة والعلاقات الأسرية دورًا فعالًا داخل المجتمع، وهذا الدور متميز عن التنظيمات الاجتماعية الأخرى، فبواسطة الأسرة يرتبط الأفراد والجماعات بالإطار الحضاري للمجتمع، وتساهم في تكامل وتجانس الثقافات المختلفة.
وأشارت إلى أنه حتى تؤدي الأسرة وظائفها المنوطة بها كما ينبغي، لا بد أن تقوم على دعائم قوية وأسسٍ ثابتة، بحيث إذا غابت تلك الدعائم صارت كيانًا ضعيفًا قابلًا للكسر أو الهدم في أي وقت، وهذه الدعائم والأسس تتمثل في أحكام الشرع الشريف التي شملت الأسرة في كل مراحلها وأحوالها.
النموذج النبوي في التعامل مع الزوجات
كما قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية: "إن الإسلام اهتم بضرورة الترابط الأسري؛ لأن ترابط المجتمع وصلاحَه أساسُه ترابط الأسرة، فإن لم تكن الأسرة مترابطة أصيب المجتمع بخلل شديد".
وأضاف: "إن الأسرة هي صلب المجتمع في الوقت الحاضر، ولا يكون المجتمع قويًّا إلا إذا أحسنَّا إدارة الأسرة"، موضحاً أنه إذا لم نحسن إدارة الأسرة إدارة رشيدة فسنكون أمام مأزق وكارثة فيما بعدُ، ليس على المستوي الأسري فحسب، بل على مستوى المجتمع، حيث إن المجتمعَ يتكوَّن من مجموعةٍ من الأُسَرِ؛ لذا قال علماء الاجتماع إن المجتمع عبارة عن فردٍ مكرَّرٍ، ومن ثم تُشكِّل الأسرة الوحدةَ المحوريةَ في بناء هذا المجتمع؛ فهي الأساسُ في استمراره في الوجود.
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى ضرورة حماية الأسرة موضحًا أن هذه الحماية تحتاج إلى مجموعة من الإجراءات الطويلة كالحاجة إلى تثقيف المجتمع، والحاجة إلى إجراءات تشريعية لبعض الأمور فضلًا عن الموجود، والحاجة إلى ثقافة قضائية لدى المتقاضين من أطراف الأسرة عند حدوث نزاع قضائي، مؤكدًا أننا لا نريد تربصًا وعنادًا من أحد الأطراف تجاه الآخر، بل نريد أن يكون الفضل هو المعيار والضابطَ في التعامل، مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].
وشدد المفتي على ضرورة الرجوع والامتثال للنموذج النبوي في التعامل مع الزوجة، وعلى أهمية استحضار القيم الراقية في التعامل والاقتداء بالنبي الكريم في معاملته الطيبة مع أزواجه، وفي الإدارة الحسنة والرشيدة والاحتواء لأي أزمات تحدث، وكذلك استحضار المسيرة المباركة للصحابة في تعاملهم مع أزواجهم بتذكرهم الجوانب الإيجابية في الحياة الزوجية.
وعن توصيف أسباب كثرة النزاع والمشاكل الأسرية قال علام : إن ذلك بسبب غياب تحمل الطرف الآخر والوقوف عند تفاهات الأمور، بل التربص والعناد مع الآخر، وهذا أمر خطير وكما قيل: "معظم النار من مستصغر الشرر"، وطالب المفتي بضرورة الصبر وعلاج الأمور بحكمة وتحمل كل من الطرفين للآخر حتى تنجو السفينة.
وعن اهتمام الشرع الحنيف بصلاح الأسرة أوضح مفتي الجمهورية أن القرآن اهتم بالعلاقات الأسرية في سور كثيرة وآيات متعددة فضلًا عن الآيات العامة في الأخلاق والآداب الموجهة لعامة الناس ومن ضمنهم الأزواج، وكذلك فقد روت لنا السنة المطهرة نماذج للحياة الأسرية المستقرة والهادئة، ولم يغب الأمر كذلك عن الفقهاء، فقد اهتموا اهتمامًا بالغًا بتقعيد وتفصيل حقوق وواجبات الزوجين في كل مراحل العلاقات الزوجية وما قبلها وما بعدها؛ مما يدل على عناية الشرع واهتمامه بذلك.
وأشار المفتي إلى أن مصطلح الأحوال الشخصية مصطلح مستحدث استفدناه من غيرنا، وقد قبلناه بارتياح لأن له أصلًا ولا يخالف الشرع، ولذا فقد اعتمده العلماء والفقهاء وشرحوا قوانينه وأحكامه، مشيداً بالتجربة المصرية الفريدة في التشريعات القضائية والتطبيق القضائي في مجال الأسرة والأحوال الشخصية التي أصبحت مصدرًا ومرجعًا للعديد من الدول الأخرى.