لا شك أن وجود عبادة تورطك مع الله إلى يوم القيامة يعد أحد الأسرار العجيبة عن العبادات، حيث إن من المعلوم أن العبادة عادة هي من القربات التي تجعلك في معية الله سبحانه وتعالى، وهو ما يثير الفضول والحذر في الوقت ذاته حول حقيقة وجود عبادة مكروهة تورطك مع الله إلى يوم القيامة ، لاجتنابها والنجاة في الدنيا والآخرة.
[[system-code:ad:autoads]]عبادة تورطك مع الله إلى يوم القيامة
ورد عن حقيقة وجود عبادة مكروهة تورطك مع الله إلى يوم القيامة ، أن الله سبحانه وتعالى أرسل إلينا رسوله محمد –صلى الله عليه وسلم – ليكون رحمة للعالمين، لا ليورطهم ، حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يشجع على الإثقال في الطاعات وإنما أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل، والله تعالى أرسل لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رحمة بالعباد، لذا لم يورطنا في طاعات تهلكنا، فمهما فعل الإنسان لن يفي الله تعالى حقه.
[[system-code:ad:autoads]]وجاء أنه لهذا السبب النذر عبادة مكروهة في الإسلام، لأن الإنسان عندما ينذر شيئًا لله في حال حدث كذا وكذا، فهو يكلف نفسه شيئًا لم يفرضه الله سبحانه وتعالى عليه ، كما أن الوفاء به يصير واجبًا مهما استدان أو تكبد من أجله الكثير من المشقة، ففي حال لم يف به فإنه يظل دينًا في رقبته إلى يوم القيامة، لذا ينبغي الحذر من توريط النفس مع الله جل وعلا، بهذه العبادة المكروهة، وينبغي أن يكون خروج الصدقة دون نذر، حتى لا تكلف نفسك بأمور لا طاقة لك بها، ناصحًا: افعل الخير وتصدق دون نذر حتى لا تكلف نفسك أعباء كثيرة.
و روي أنه جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: « أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» ، فعندما رأوا أن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- قليلة نذروا.
حكم النذر
وقالت دار الإفتاء المصرية، إنه يختلف حكم النذر قبل التلفظ به عن حكمه بعد التلفظ به، وتفصيل ذلك فيما يلي: أولًا: حكم النذر قبل التلفظ به: أي قبل أن يتلفظ به المكلف، فالحكم الشرعي هنا هو الكراهة؛ لأن المسلم لا ينبغي له الاشتراط على الله حتى يتقرب إليه، وإنما يفعل ذلك البخلاء؛ لحديث ابْن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ» أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحهما".
وأضافت: ثانيًا: حكم النذر بعد التلفظ به، أي بعد أن يفعله المكلف وينطق به، فالحكم الشرعي هو وجوب الوفاء بمعنى أنه يجب على المسلم الوفاء بنذره، وقد امتدح الله تعالى الموفين بنذرهم؛ فقال تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا» [الإنسان: 7]، بل أمر الله تعالى أمرًا جازمًا بالوفاء بالنذر؛ فقال تعالى: «وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» [الحج: 29].
حكم عدم الوفاء بالنذر
شددت على أنه لا يجوز للمسلم أن يترك الوفاء بالنذر إلا إذا عجز عن الوفاء به، فإن من نذر أداء الصيام أو الصلاة أو الاعتكاف أو الطواف أو نحوها فلم يطق أداءها أو عجز عن أدائها عجزًا لا يُرجى زواله فعليه كفارة يمين، وإذا كان عجزه عن ذلك مرجو الزوال انتظر زواله، وأدَّى ما وجب عليه بالنذر، ولا تلزمه كفارة في هذه الحالة، وذلك على المفتى به، وهو مذهب الحنابلة.
ونقلت الإفتاء قول الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (10/ 11، ط. مكتبة القاهرة): «من نذر طاعة لا يطيقها، أو كان قادرًا عليها فعجز عنها، فعليه كفارة يمين؛ لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: نذرَت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فاستفتيته، فقال: «لتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» متفق عليه. ولأبي داود: «وَتُكَفِّرْ يَمِينَهَا». وللتِّرمذي: «وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ».
واستدلت بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ». قَالَ: «وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ، فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: وَقَفَهُ مَنْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا يُطِيقُهُ فَلْيَفِ اللهَ بِمَا نَذَرَ. فَإِذَا كَفَّرَ وَكَانَ الْمَنْذُورُ غَيْرَ الصِّيَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ"].
وواصلت: وقال أيضًا في "المغني" (10/ 12): [وإن عجز لعارض يرجى زواله من مرض أو نحوه انتظر زواله، ولا تلزمه كفارة ولا غيرها؛ لأنه لم يفت الوقت، فيشبه المريض في شهر رمضان]، موضحة أنه لا تعارض بين كراهة الابتداء بالنذر ووجوب الوفاء به.
أفضل العبادات عند الله
ورد أن العبادة هي اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يحبِّه الله و يرضاه من قول أو عمل، وبها يتقرَّبُ العبد إلى الله -عزَّ وجلَّ-، ورُكنا العبادة هما الخضوع والحبِّ، فكلُّ فعلٍ أو قولٍ يقوم به المسلم يطلب فيه رضى الله -عزَّ وجلّ- وحده هو عبادة، ولا شكّ أنَّ العبادات هي سبيل المسلم للتقرُّب إلى الله -سبحانه-، ولا بدّ للمسلم أن يتحرَّى أفضلها، ومن أفضل هذه العبادات:
- الصلاة على وقتها الصلاة هي الدعاء، قال الله -تعالى-: (وصلِّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم)، أي ادع لهم، وسُمِّيت بذلك لاشتمالها على الدعاء، وشُرِعت الصلاة لأجل إقامة ذكر الله -عزَّ وجلَّ-، ولقد جعل الله -عزَّ وجلَّ- الصلاة على المؤمنين كتاباً موقوتاً؛ أي تُصلّى في وقت محدَّد قدره الله -عزَّ وجلَّ-، بحيث لا يتوانى المسلم ولا يتأخر عن أدائها، بل حينما يدخل وقتها يبادر ويأتِ بهذه الصلاة طوعاً وخشوعاً.
ويعتبر أداؤها في أوّل الوقت دليلٌ على المحبَّة والهيبة لله، ودليل على الإقبال على الله، وقد ورد في الحديث الشريف أنّ الصلاة على وقتها هي أفضل الأعمال التي يتقرّب بها العبد إلى الله -عزَّ و جلَّ-، عن ابن مسعودٍ -رضي اللهٌ عنه- قال: سألت النبي -صلّى الله عليه و سلم-: (أيُّ الأعمال أقرب إلى الله الجنَّة؟ قال: الصلاةُ على مواقيتها قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: برُّ الوالدين، قلت: وماذا يا نبي الله؟ قال: الجهاد في سبيل الله). - قراءة القرآن تعدُّ قراءةُ القرآن الكريم و تدبُّره مع تلاوته من أفضل الأعمال لقول النبي -صلَّى الله عليه و سلّم-: (أفضل العبادة قراءة القرآن)، وقد حثّ الله -عزَّ وجلَّ- أيضاً على تدبّر القرآن حيث قال في محكم تنزيله: (أفلا يَتدبَّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها).
- برُّ الوالدين سُئل الحسن البصري عن برِّ الوالدين فقال: "أن تبذل لهما ما ملكت، وأن تطيعهما فيما أمراك به، إلّا أن يكون معصية"، ويكون برُّ الوالدين بالإحسان لهما، وقد قرن الله -عزّ وجلَّ- برّ الوالدين بالإحسان فقال: (وقضى ربُّك ألَّا تعبدوا إلّا إياه و بالوالدين إحساناً)، والإحسان يكون ببرِّ الوالدين وطاعتهما وامتثال أوامرهما ما لم يكن في ذلك معصية لله -عزَّ وجلَّ-، ويكون برُّ الوالدين على أوجُهٍ عِدّة منها:
- - خفض الصوت عندهما ومخاطبتهما بلين ورفق، قال الله -تعالى-: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
- - توقيرهما والتذلُّل لهما، قال الله -تعالى-: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ).
- استئذانهما إذا نوى السفر الطويل، وقد رُوي بسندٍ ضعيف، (عن طلحة بن معاوية السلمى - رضي الله عنه -، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إني أريد الجهاد في سبيل الله قال: (أمك حية؟) قلت: نعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: الزم رجلها فثم الجنة). - - الإنفاق عليهما وسدِّ حاجتهما، فقد ورد عن النبي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنت و مالك لأبيك).
- - الدعاء لهما سواء في حياتهما أو بعد مماتهما،قال -تعالى- حاثَّاً على الدعاء لهما: (وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً).
- الجهاد في سبيل الله الجهاد هو بذل الجهد من المسلمين في قتال المعاندين المحاربين والمرتدين؛ لإعلاء كلمة الله -عزَّ وجلَّ-، وهناك نصوص كثيرة جاءت لتبيّن فضل الجهاد منها قول الله -تعالى-: (إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيَقتُلون ويقتَلون وعداً عليه حقاًّ في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم). ومنها قول النبي -صلَّى الله عليه وسلّم-: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأمن الفَتَّان).
- الحج و العمرة يُعتبر الحجّ إلى بيت الله من أفضل العبادات التي يتقرّب بها المسلم إلى الله -عزّ وجلَّ-، حيث قال الله -تعالى-: (وأتمّوا الحجَّ والعمرة لله)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (سئل رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله وبرسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور).
آراء العلماء في أفضل العبادات عند الله فيما يأتي ذكر آراء العلماء في أفضل العبادات عند الله:
الرأي الأول: يرى أن أفضل العبادات هي أشقُّها. الرأي الثاني: إنَّ أفضل العبادات على الإطلاق التجرّد عن الهوى، والزهد في الدنيا، والبُعد عن الخلق، وتقديرهم ومدحهم قدر الإمكان، وعدم الانتباه للعباد وإنَّما الالتفات لله، وترك الاهتمام بالخلق؛ أي الإخلاص لله -تعالى-. الرأي الثالث: إنّ أفضل العبادات هي التي يكون فيها نفعٌ متعدٍّ إلى الناس. الجمع بين الأقوال هو أن أفضل العبادات: العمل لمرضاة الله -عزَّ وجلّ- في كلِّ وقتٍ للمسلم، بأداء ما كان مأموراً به في وقته.
عبادات تقرب العبد إلى الله
يعد ذكر أفضل العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى الله -عزَّ وجلَّ-، لا بدّ من معرفة أنَّ باب العبادات واسع و ليس بمحصور، وأي عمل أو قولٍ يعمله الإنسان أو يقوله يكون مخلصاً فيه لله -تعالى- وقاصداً وجهه الكريم؛ كان ذلك عبادة بإذن الله، وعلى سبيل المثال لا الحصر هذه بعض الأمثلة على عبادات يتقرَّب بها العبد إلى الله -عزَّ وجلَّ-، منها:
- قيام الليل.
- صيام التطوع.
- الصدّقة.
- ذكر الله -تعالى- في كلِّ وقت آناء الّليل وأطراف النهار.
- طلب العلم.