قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

نهال علام تكتب: مصر والقضية الفلسطينية.. علاقة تاريخية

×

أيام ثِقال بلا شك، أحداثها ليست هينة وذلك واضح ليس بحاجة لبينة، قضية أوشك عمرها أن يتمم ثمانية عقود، ولازالت إسرائيل تمارس الجحود وتماطل حتى في إدخال عربات الوقود، والعالم يشجب برقة ويدين بلطف تلك المجازر الدموية والعدوان السافر على المدنيين العُزل.

ومع تصاعد الأحداث الأخيرة وتواتر الجنون الاسرائيلي تذكر بايدن فجأة أن هناك نساء وأطفال لا ذنب لهم ويالها من مفاجأة، وفي حركة مسرحية مستهلكة أشار أنه سيتم تجميد شحنة السلاح الأخيرة للجانب الإسرائيلي، لأنه استخدم السلاح الأمريكي في قتل المدنيين وذلك الأمر الذي استدعى استشهاد قرابة الأربعين ألف شهيد وما يزيد عن السبعين ألف مصاب حتى يلاحظه رئيس أكبر دولة عظمى في العالم.

لكِ الله يا مِصر..76 عام والقضية الفلسطينية هي نصب عينيكي على الدوام، جعبة ثقيلة ولكن مصر العظيمة لم تأن يوما ولم تتوانى أبداً لتقديم كل الممكن والذي يعتبر في علوم السياسة مستحيل، فأنت تواجه نصف العالم متمثلاً في الكيان الصهيوني، وليس مجرد دولة عادية، فمن يحكُمها زمرة من القتلة يعانون النرجسية ولم يعرفوا يوماً الإنسانية.

ولكن تلك الأزمة الأخيرة وهي المصيبة الأكبر في تاريخ فلسطين، فكل ما مر بها على مرّ السنون هو عمليات متفرقة قصيرة ومحددة، ولكن اليوم نحن أمام خطط ممنهجة وسيناريوهات عالمية مرتبة، ونية مبيتة بالانتهاء من تلك القضية المؤرقة، وليكن أكبر انجاز للحكومتين الأمريكية والصهيونية الحاليتين المترنحتين هو اخلاء فلسطين من الفلسطينين.

مُنذ اللحظة الأولى لتلك الأزمة ومِصر كعادتها حاضرة جاهدة فاعلة ساعية واعية لكل تداعيات المشهد، ويشهد على ذلك بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستشرافي الذي نبه وحذر الجميع من تراتبات التصعيد على المنطقة العربية والشرق الأوسط أجمع، وتدهشني ذاكرة السمكة لدى البعض فالحدث لا زال قائم ولم يمضى الزمن بعد، لذا تلك الشرذمة المتسائلة عما قدمت مصر،
لا يوجد رد على سوء قلبهم وانعدام ضميرهم غير.. عفواً لم يقدم أحد للقضية الفلسطينية على مر التاريخ بشكل عام وفي تلك الأزمة بشكلٍ استثنائي وخاص مثل ما قدمت مصر.

فأول زيارة لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن لمنطقة الشرق الأوسط كانت لمصر في 15 أكتوبر وعلى مرأى ومسمع من العالم كان حديث الرئيس السيسي له بكلمات واضحة وحازمة وقوية خالية تماماً من الطبطبة والحنية التي شهدناها علانية من البعض، سواء بالكلام أو بتجنب المواجهة والحوار.

وبعد الزيارة بسبعة أيام استضافت مصر مؤتمر القاهرة للسلام بالعاصمة الادارية بحضور قادة العالم والذي وضحت فيه القيادة السياسية موقف مصر بصورة جلية وعبرت عن فهمها العميق لما وراء الأحداث، فأعلن الرئيس رفض مصر القاطع لسيناريو التهجير والنزوح والذي لم تكن مجريات الأمور أشارت إليه بعد، ولكنها قدرة المقاتل الحكيم العاقل على القراءة الاستشرافية للعدو.

وكانت تلك القمة كاشفة لنوايا الغرب الآثمة فبينما جاء بيان القادة العرب للتأكيد على "رفض نزوح الفلسطينيين"، والدعوة إلى "وقف فوري للحرب".. جاءت كلمات المسؤولين الأوروبيين مقتضبة وفي إطار واحد وهي الدعوة إلى "فتح ممر آمن لوصول المساعدات" مما ذكرني بكلمات الراحلة الجميلة نبيلة السيد في فيلم البحث عن فضيحة طخه بس ماتموتوش يا بوي!!

وكان الرئيس السيسي في غاية الحزم والوضوح إذ قال عن هذا الموقف المخزي "الحرب الجارية كشفت عن خلل في قيم المجتمع الدولي، فبينما نرى هرولة وتنافساً على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، نجد تردداً غير مفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر".


ولم يخرج عن القمة الأولى لمواجهة الأزمة بيان ختامي توافقي وذلك بسبب تعطل ميزان العدل لدى الغرب وتعارض المصالح مع بعض دول الشرق، في حين أصدرت الرئاسة المصرية بياناً واضحاً وجريئاً لا ينحاز ولا ينتصر إلا للحق كان نصه حتى لا تنسوا "القاهرة لن تألو جهداً في العمل مع جميع الشركاء من أجل تحقيق الأهداف التي دعت إلى عقد القمة، مهما كانت الصعاب أو طال أمد الصراع، ولن تقبل أبداً بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة، ولن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في ظل ظروف وأوضاع متزايدة المخاطر والتهديدات" وهذا ماكان والأيام والزمان خير شاهد ولو أنكر بعض الغلمان.

وربما تجلى سيناريو التهجير في أقبح صوره مع تصريحات سابقة لأسامة حمدان قيادي حماس في لبنان في تصريح مخزي جاء فيه "لا أحد يتخيل أن صحراء سيناء ستبتلع الفلسطينيين، على العكس تماماً ستكون منطقة الحدود هي قاعدة مقاومة أكثر رسوخاً باتجاه الاحتلال"
أمام تلك التصريحات البائسة التي تعني أن حماس لا تمانع تهجير أهل غزة إلى سيناء وحسب، بل تعلن أيضاً عن نوايا الحركة باستخدام سيناء، كقاعدة لمحاربة إسرائيل أو استدعائها بظاهر استعدائها وذلك ما ستكشفه الأيام.

أما على الصعيد الإنساني بشقيه الإغاثي والإعاشي فمصر قدمت ست أضعاف مما قدمه العالم أجمع، بحسب آخر احصاء صادر في مطلع شهر إبريل أن منذ بداية الأزمة 87 % من إجمالي المساعدات التي دخلت غزة مقدمة من الدولة المصرية ومؤسساتها، كما تم استقبال 582 رحلة جوية تقل مساعدات من دول العالم لقطاع غزة منذ بداية العدوان وتحملت مصر كل الأعباء اللوجيستية وهي لو تعلمون عظيمة في التفريغ والتعبئة والتوصيل واستفزاز التفتيش من الجانب الصهيوني ووقفة رجالنا أحيانا لمًا يزيد عن 14 ساعة من أجل الاطمئنان على وصول القمة والشربة والدواء لاشقائهم الأعزاء.

كما أدخلت مصر لقطاع غزة منذ بداية الأحداث 123 سيارة إسعاف و43073 ألف طن مواد إغاثة، واستقبلت 6071 من المرافقين والحالات الإنسانية منذ بداية العدوان على قطاع غزة وحتى تاريخ الإحصاء، بالإضافة أن الوقود الذى أدخلته مصر إلى القطاع منذ بدء العدوان بلغ 10235 ألف طن، وحجم المواد الغذائية التي أدخلتها مصر منفردة بلغ نحو 129329 ألف طن، بخلاف 26.364 ألف طن من المياه إلى القطاع منذ بدء العدوان وحتى مطلع شهر إبريل.

ولازالت مصر تخوض المعركة بضراوة وسط استفزاز وجرّ شكل في صورة غاية القتامة، وكلّ ما حذرت منه تجسد حياً ويلتف حول رقبة الشرق الأوسط كالحية، ففي تصاعد درامي حزين للأحداث نفذت إسرائيل عمليات توغل برفح الفلسطينية، ووسط هذا التصعيد فالشغل الشاغل للبعض هو مشهد عبثي وطفولي من جيش الاحتلال إن دلّ على شئ يدل على الاختلال وهم يطوفون بمسيرة في محور فلادلفيا، والتي تنص معاهدة السلام على عدم اجراء عمليات عسكرية في هذا الشريط الحدودي المتاخم للحدود المصرية والتابع للسلطة الفلسطينية والتي تمثلها حماس.

ولكن المعاهدات ليست ببيان منزل من السماء فمصر فرضت سيطرتها على المحور في أحداث 2007، عندما استولت حماس على السلطة واحكمت سيطرتها على قطاع غزة مُخلفة ورائها عشرات القتلى من ابناء دمها العُزل، وقامت مصر بذلك لحفظ أمنها وسلامة أراضيها، بل والكل يعلم ما ليس معلن من العمليات النوعية التي نفذها الجيش المصري داخل تلك المنطقة أثناء معركة مصر ضد الإرهاب الإخواني وأعوانهم منذ عام 2013 وحتى تم القضاء عليه.

لذا لا داعي لاختلاق حُجج لنزع فتيل الحرب التي لن نخوضها بالوكالة أو بحثا عن عنترية وزعامة وهمية، فمِصر أكبر من هذا العبث وأن تفزع لمكايدة صبيانية يريد بها المحتل أن يبعث رسالة لمؤيده المختل بانتصار زائف ومعتل، والمعاهدة أمر يخص السيادة المصرية ورؤيتها وتقديرها لما يدور من تصاعد الأحداث الجارية، وليست أمر انفعالي خاضع لأهواء من بالأصل لا يبالي، ووقت الجد مصر قادرة على إيقاف من تُسول له نفسه وتجبره على التزام الحد.

مِصر الشقيقة الكبرى وعمود الخيمة للمنطقة بأسرها وزعامتها ليست محل للتجربة، وذلك بما قدمناه من جهود حثيثة ومفاوضات متلاحقة وتاريخ طويل يشهد بمساعي مصر الدائمة لتحقيق السلام في المنطقة والحرص على الوصول لاتفاقية حل الدولتين وضمان السيادة الفلسطينية على أراضيها واستقلالها.

وجيش الاحتلال نفسه على دراية أنه ليس أهلاً لمواجهة محتملة مع مصر، ويؤكد على ذلك تصريح للمتحدث باسم نتنياهو أوفير جندلمان عقب التوغل في رفح الفلسطينية وجاء فيه "أن هذه العملية لا تخالف بنود معاهدة السلام بين البلدين على الإطلاق، بل تأتي في إطار الجهود لضرب الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في هذه المنطقة على جانبي الحدود".
إسرائيل لم تنسى بعد هزيمتها المريرة على يد جيش حاربها بأسلحة مكهنة تم إعادة تدويرها، ولم يكن السلاح الحقيقي في المعركة إلا جندي مقاتل بعقيدته الراسخة وإيمانه القوي وعشقه لتراب بلده، عاهد الله وبني وطنه بالنصر أو الشهادة لذا فهو يحمِل روحه على كفه وهي كفيلة لعدوه أن تَكُفه، فذلك الاختلاف الثقافي والديني يمثل هوة مرعبة بين المقاتل المصري والجندي الصهيوني يضعها العدو جيداً في حساباته.

لذا ستكون إسرائيل حذرة وهي تختلق المبرر لافتعال أزمة مع مصر، وعلينا نحن أيضاً أن نتمسك بالعقلانية لآخر لحظة فالحرب ليست لعبة، وهؤلاء الموتورون المتوارون خلف شاشات التليفون وليل نهار يُنظرون ويزايدون وهم يظنون أن الحرب كلعبة ببچي، سيكونوا هم أنفسهم في مقدمة المولولون عن تداعيات الحرب من غلاء وعناء وعودة مسيرة التنمية للوراء لما قبل اخر عشر سنوات، لذا لننتبه لهذا القدر من الغباء.

ففي وسط عالم يكيل بميزان مائل الكفة، ويتشدق بحقوق الإنسان وهو مؤمن أن تطبيقها حِكر على بعض الناس، ورأينا جهاراً نهاراً التعدي على طلبة الجامعات الأمريكية وبعض الدول الأوروبية التي انتفضت لما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وتم تبرير الأمر سياسياً ونقله إعلامياً أنه معاداة للسامية، كما تم التعامل معه أمنياً من باب الحفاظ على قواعد الجامعات لذا فالإشارة لفلسطين من المحظورات، وذلك مؤسف أن يكون نهج دول الحريات، قمع الرأي المعارض وتزييف الحقائق وطمس الوقائع، طالما تعارضت مع المصالح دون الالتفات لأي قيم إنسانية.

ولن يخفى على أحد أن البلدين الحليفين الحبيبين أمريكا واسرائيل سيحلان أي خلافات خلف الأبواب المغلقة، وستظل مصر وحدها يتعالى صوتها وتتضافر مجهوداتها وتتكامل أجهزتها تحت قيادة رئاستها في اتجاه واحد، وهو رأب الصدع وحقن الدماء وحفظ الأرض وتحجيم الخسائر واستمرار التفاوض للوصول لنتائج مثمرة ملموسة وحقيقية، بدءاً من الهدن التي ما أُدركت إلا بفضل مقاتل من نوع آخر وهو المفاوض المصري العريق الذي يعمل على مدار الساعة، والمشهود له بالإخلاص والتفاني وسعة الفهم والصدر ليحل الأمر وذلك بناء على قدرته المتفردة في فهم الجانب الاسرائيلي فهماً حقيقياً بعد تجارب عديدة ونجاحات أكيدة حققتها مصر على أرض الواقع على مدار عقود طويلة.

فلكل المزايدون على صلابة الإرادة المصرية والفارغون لذا هم ليسوا أهلاً للحكم على الإدارة المصرية، والفارون خلف شاشات افتراضية أو منصات خارجية ممولة معروفة الاتجاهات والنية، ويسخرون من أهمية الحفاظ على الجيش المصري ويتجاهلون أنه هو حائط الصد الوحيد في المنطقة والكل يعلم ذلك والجهل المعلن كسوء النية المبيتة كلاهما في المعركة الكبرى خيانة عظمى.

مصر ستظل كما عهدتها الدنيا الحارس الأمين على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، وسيشهد التاريخ أن على مدى سبعة شهور ويزيد لم يقدم ولن يتقدم أحد بما قامت به مصر، وجيشنا رابض على الحدود ليوم الدين وقيادتنا السياسية قادرة على حماية مقدراتنا وأرضنا وأمينة على عرضنا وأبنائنا والكل يعلم حتى المزايدون المتقزمون واتباعهم فهم يعلمون أن عقيدة المصريين بأن الأرض عرض، وأن تلك الأرض في حماية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومصر شعباً وحكومة وقيادة سياسية وكل مساراتها الدبلوماسية في دعم فلسطين الحبيبة وبما يحافظ على حدود وحقوق الجمهورية المصرية العريقة، وغداً لنظيره قريب ودائما النصر وإن بدا بعيد فهو قريب ولكنه صبر ساعة، ولقيام الساعة مصر ثابتة على دعمها وعطائها وهي لفلسطين سترها وغطائها.