تشهد الأوضاع في غزة تصاعدًا في التوترات والعمليات العسكرية، مما يثير جدلاً دولياً متزايداً حول سبل خفض التصعيد وتحقيق الاستقرار. في هذا السياق، أصبح إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد من قبل إسرائيل موضوعًا محوريًا.
يعد هذا القرار، إن تم اتخاذه، فرصة لتخفيف معاناة المدنيين في غزة، ولإعادة النظر في العلاقات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين. كما يمكن أن يمثل خطوة نحو استعادة الثقة في المفاوضات الجارية لتحقيق السلام، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل.
هذه الخطوة، رغم معارضتها من قبل بعض الأطراف الداخلية في إسرائيل، قد تفتح آفاقًا جديدة للاحتلال في علاقاتها مع السعودية ودول أخرى في المنطقة، وتخفف الضغط الدولي المتزايد بشأن الأزمة الإنسانية في غزة.
الدروس المستفادة من التصعيد الإيراني الإسرائيلي
حتى الشهر الماضي، كانت الحرب بين إيران وإسرائيل تدور إلى حد كبير في الظل. حتي قرر الإيرانيون إخراجها من الظل، وهاجموا بشكل علني الكيان الإسرائيلي مباشرة، من الأراضي الإيرانية، لأول مرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
يقول بعض المراقبين إن الهجوم الإيراني بالطائرات بدون طيار والصواريخ في 13 أبريل الماضي على دولة الاحتلال كان بمثابة رد اعتبار لطهران وحركة رمزية. ومع ذلك، وبالنظر إلى كمية الطائرات بدون طيار والصواريخ التي أطلقتها، فمن الواضح أن إيران قصدت إلحاق أضرار جسيمة، وفق تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية أمس الأربعاء.
ولم تتمكن دفاعات إسرائيل المتطورة من صد الهجوم الإيراني بالكامل بمفردها، بل لجأت للتدخل العسكري المباشر من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
ويبدو أن إسرائيل أدركت أن أفضل طريقة للتعامل مع التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها هو العمل في تحالف. وهذا أيضاً لم يسبق له مثيل. إن فكرة المساعدة المباشرة من الآخرين بالنسبة للإسرائيليين غير مرغوبه. وكانت الروح الإسرائيلية دائمًا هي: "نحن ندافع عن أنفسنا بأنفسنا".
الفرصة الأخيرة.. محادثات الهدنة في مصر
في الوقت نفسه، تعتقد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الحرب علي غزة يجب أن تتوقف مؤقتا قبل أن تتمكن من إنجاح المفاوضات حول التطبيع مع دول عربية آخري.
وشددت فورين أفيرز أن وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أربعة إلى ستة أسابيع من شأنه أن يوفر لإسرائيل العديد من الفوائد الاستراتيجية. وأشار التقرير إلي وجود بعض الأمل والإيجابية في نجاح محادثات الهدنة الجارية في مصر حاليا بين إسرائيل وحماس.
لكن، وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق في المفاوضات الحالية، يتعين على إدارة بايدن أن تلجأ إلى البديل الواقعي الوحيد: تشجيع إسرائيل على إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد في غزة لمدة تتراوح بين أربعة وستة أسابيع.
وقد يكون مثل هذا القرار الإسرائيلي هو السبيل الوحيد لتهيئة الظروف للمضي قدماً في اتفاق التطبيع الإسرائيلي السعودي.
إن حقيقة أن إسرائيل استمعت إلى إدارة بايدن عند صياغة ردها على الهجوم الإيراني تظهر أنها منفتحة على الإقناع الأمريكي. والواقع أن واقعاً جديداً ربما يتشكل في إسرائيل، وهو واقع قد يغير طريقة تعاملها مع الدفاع والردع في المنطقة.
وتظهر طبيعة رد إسرائيل على الهجوم الإيراني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيضا على استعداد لأخذ المخاوف الأمريكية في الاعتبار .
نصائح فورين أفيرز لإسرائيل
في ضوء هذه الحقائق، ينبغي على إسرائيل أن تجعل الضرورة فضيلة. وإذا لم تتمكن من الدخول إلى رفح لعدة أسابيع، فإن وقف إطلاق النار يعني أنها تتخلى عن القليل ولكنها تكتسب عدداً من المزايا، بحسب فورين أفيرز.
ومن شأن وقف إطلاق النار لمدة تتراوح بين أربعة وستة أسابيع أن يسمح للمنظمات الدولية بتخفيف الأوضاع في غزة ومعالجة مخاوف العالم بشأن المجاعة هناك. ويمكنهم وضع آليات أفضل لضمان عدم دخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى غزة فحسب، بل يتم توزيعها فعليًا أيضًا على من هم في أمس الحاجة إليها.
وأعطت فورين أفيرز نصيحة ثمينة للاحتلال الإسرائيلي، حين اقترحت المجلة الأمريكية وقف إطلاق النار من جانب واحد حتي يعتقد الرأي العام العالمي أن سبب فشل حلول وقف الحرب علي غزة هو ”تعنت حماس ومحنة الأسرى الإسرائيليين“.
ومن شأن وقف إطلاق النار الاحادي من جانب إسرائيل، أن يساعد في تغيير بوصلة التضامن مع القضية الفلسطينية بل يقلل الضغط الشعبي على إسرائيل على المستوى الدولي الذي يطالب بإنهاء العدوان علي غزة دون قيد أو شرط.
نتنياهو يختار من؟ بايدن أم بن جفير!
وفي الأثناء، سيعارض المتطرفان بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن جفير أي وقف لإطلاق النار من جانب واحد، بغض النظر عن مدته.
لكن أهدافهم الحربية ليست مثل أهداف نتنياهو أو الجمهور الإسرائيلي. فهم يريدون إعادة احتلال غزة، ومن المؤكد أنهم سوف يعارضون أي محادثات سلام أو تطبيع مع السعودية التي ستطلب بطبيعة الحالي تقديم تنازلات إسرائيلية لتحقيق التطلعات الو!نية للفلسطينيين. وعليه، ففي مرحلة أو أخرى، سيتعين على نتنياهو الاختيار بين بايدن وبن جفير.