"عصر الغاب" .. هذا هو الشعار الأنسب لوصف ما يحدث في العالم، وفي قصة من قصص شريعة الغاب، كانت أزمة هانيبال معمر القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والذي تم خطفه من سوريا منذ 2015، ثم تم نقله إلى داخل لبنان، وقد أثارت صوره المسربة للزنزانة الصغيرة تحت الأرض المحتجز فيها منذ سنوات في لبنان، القلق، في ليبيا الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، حيث طالبت السلطات الليبية بإدخال تحسينات على ظروف اعتقاله.
[[system-code:ad:autoads]]وأظهرت الصور غرفة بلا إضاءة طبيعية، ومكدسة بمتعلقات، هانيبال القذافي، وسريرا ومرحاضا صغيرا، وبحسب ما نقلته قناة "الجديد" المحلية في بث لها خلال هذا الأسبوع عن السجين قوله: "أعيش في بؤس"، مضيفا أنه سجين سياسي في قضية ليس لديه معلومات عنها، وأعلنت وزارة العدل الليبية في بيان أن القذافي محروم من حقوقه التي يكفلها القانون، وطالبت السلطات اللبنانية بتحسين ظروفه المعيشية إلى درجة "تحفظ كرامته"، مضيفة أن السلطات اللبنانية ينبغي أن تبلغ الوزارة رسميا بالتحسينات. وقالت أيضا إن القذافي يستحق أن يطلق سراحه، وهنا نرصد قصة نجل أحد أشهر رؤساء العرب في العصر الحديث.
[[system-code:ad:autoads]]أكد مسؤولان قضائيان لبنانيان للأسوشيتد برس أن الصور التي بثتها قناة "الجديد" للقذافي والزنزانة المحتجز بها منذ سنوات، في أحد مقرات الشرطة في بيروت، والتي بدا القذافي في حالة صحية جيدة، وبلحية خفيفة ويرتدي نظارة، فيما قال شخص على اتصال عادة بالقذافي، وهو مواطن ليبي، إن الصور التقطت في الأيام الأخيرة.
من هو هانيبال؟
هانيبال معمر القذافي، الابن الرابع للعقيد معمر القذافي ولد في 20 سبتمبر 1975 وهو أول شخص يُعيّن بمنصب ما سمي المستشار الأول للجنة إدارة الشركة الوطنية العامة للنقل البحري، إذ تم تعيينه في هذا المنصب عام 2007 بعد حصوله على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال واقتصاديات ولوجستيات النقل البحري وذلك من جامعة كوبنهاغن لإدارة الأعمال.
التحق هانيبال بأكاديمية الدراسات البحرية في ليبيا عام 1993 وفي العام 1999 تحصل على شهادة ضابط مسئول على نوبة ملاحية وشهادة بكالوريوس في الملاحة البحرية ثم تدرّج في عدة وظائف قيادية على عدد من سفن الشركة الوطنية العامة للنقل البحري وتحصل خلالها على شهادة كبير ضباط وربان آعالي بحار نظام مشترك من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية في 2003.
مثير للجدل منذ عهد والده .. تسببه لأزمة بين سويسرا وليبيا
في 15 يوليو 2008 قامت شرطة جنيف في سويسرا بإلقاء القبض عليه وزوجته ألين سكاف لتوجّه إليهما اتهامات منها «الأذى الجسدي الإكراه والتهديد» بحق خادمين خاصين بهما في إحدى فنادق جنيف، ليطلق سراحهما بعد يومين بكفالة وليغادرا البلاد بعدها، وقد تم إسقاط هذه الاتهامات في 3 سبتمبر بعد أن سحب المدعيان وهما بلاغهما الرسمي، لكن كنتيجة لهذا الحدث توترت العلاقات الليبية السويسرية، وفي 19 يوليو 2008 قامت السلطات الليبية باعتقال رجلي أعمال سويسريين في طرابلس بزعم عدم احترامهما قوانين الإقامة والهجرة، فيما قالت الحكومة السويسرية أن سبب احتجازهما هو انتقامًا من القبض على القذافي الابن وزوجته.
ولهانيبال القذافي العديد من الفضائح والمشاكل القانونية في عدد من المدن الأوروبية، وسبق له أن كان وسط تحقيق من قبل الشرطة البريطانية في لندن بعد سماع موظفي فندق فخم بالعاصمة البريطانية في الواحدة والنصف صباحًا صراخًا لامرأة تتعرض للضرب من الجناح الذي يقيم به وزوجته والتي تكلف الإقامة به 4000 جنيه استرليني في الليلة حيث منع حراس هانيبال الشخصيين دخول رجال الشرطة للجناح ليتم اعتقال ثلاثتهم إلا أن هانيبال لم يتم اعتقاله بعد أن حضر السفير الليبي في لندن ليبلغ الشرطة البريطانية أن هانيبال لديه جواز سفر دبلوماسي.
انتهى زمن الجواز الدبلوماسي .. هذا ما حدث في اختطافه
ولكن زمن جواز السفر الدبلوماسي قد انتهى، فقد تعرّض هانيبال عام 2015 إلى عملية اختطاف، حيث تم استدراجه عبر سيدة أقنعته بالقدوم إلى لبنان لمتابعة قضية شقيقه سيف الإسلام أمام المحكمة الجنائية، وما أن وصل لبنان حتى تم خطفه من قبل مجموعة مسلحة مجهولة الهوية، وتم إطلاق سراحه، وتحفظ عليه الأمن اللبناني ووجه له تهمة «تحقير القضاء»، وفي مطلع 2017، أصدر القضاء اللبناني حكمه ببراءته، ونص الحكم على إبطال التعقبات بحق هانيبال القذافي، وإعلان براءته في الجرم المسند إليه وإطلاقه فورًا.
ولكن للقصة أوجه أخرى، فالقذافي محتجز في لبنان منذ عام 2015 بعد اختطافه من سوريا المجاورة حيث كان يعيش كلاجئ سياسي، وذلك بحسب ما نشرته سكاي نيوز، وبحسب ما تم نشره، فقد اختطفه مسلحون لبنانيون للمطالبة بمعلومات عن مصير الإمام اللبناني البارز موسى الصدر، الذي اختفى خلال رحلة إلى ليبيا عام 1978، ويمثل مصير الصدر نقطة شائكة في لبنان، حيث تعتقد عائلته أنه ربما لا يزال على قيد الحياة في سجن ليبي، رغم أن معظم اللبنانيين يفترضون أن الصدر، البالغ من العمر 95 عاما الآن، قد مات.
ودخل هانيبال القذافي في إضراب عن الطعام في يونيو من العام الماضي وتم نقله إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية، وبعد اختطافه في عام 2015، أطلقت السلطات اللبنانية سراحه، لكنها أعادت اعتقاله واتهمته بإخفاء معلومات بشأن اختفاء الصدر، فيما قالت "هيومن رايتس ووتش" في يناير الماضي، إنه يتعيّن فورا على السلطات اللبنانية إطلاق سراح هانيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق، المحتجز احتياطيا بتهم ملفقة منذ اعتقاله في ديسمبر 2015.
عمره عامين وقت اختفاء الصدر
وبحسب أحد محامي القذافي، فقد اعتقلت "قوى الأمن الداخلي" اللبنانية، التي تشرف على عمليات السجون، القذافي في ديسمبر 2015، بزعم صلته باختفاء الإمام الشيعي اللبناني موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا بعد زيارة رسمية في أغسطس 1978، واتهمت السلطات اللبنانية هانيبال بـ"حجب معلومات والتدخل لاحقا في جريمة الاختطاف المستمر" للإمام الصدر، رغم أن عمر القذافي في 1978 كان وقتها عامين فقط ولم يشغل أي منصب رسمي رفيع كشخص راشد.
وقالت حنان صلاح، المديرة المساعدة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الاحتجاز التعسفي المفترض لهانيبال القذافي بتهم ملفقة بعد إمضائه ثماني سنوات في الحبس الاحتياطي، يثير السخرية من النظام القضائي اللبناني الضعيف أصلا، وقد استنفدت السلطات اللبنانية منذ فترة طويلة أي مبرر للاستمرار في احتجاز القذافي وينبغي لها إسقاط التهم والإفراج عنه".
لجأ لسوريا بعد فراره في 2011
وكان القذافي يعيش في سوريا مع عائلته بعد فراره من ليبيا في بداية ثورة 2011 التي أطاحت بنظام والده، وبعد قضائه فترة في الجزائر وعُمان، وقد تم إيهامه بإجراء حوار صحفي حتى يتم استدراجه إلى منطقة سورية على الحدود اللبنانية ليتم خطفه منها، وفي يناير 2019، طلب وزير العدل اللبناني آنذاك سليم جريصاتي من رئيس "هيئة التفتيش القضائي"، وهي الهيئة المسؤولة عن الإشراف على القضاء وعمل القضاة في لبنان، تقييم ما إذا كان استمرار احتجاز القذافي دون محاكمة لا يزال مناسبا من الناحية القضائية، لكن لم يُعلَن عن النتائج. شككت السلطات الليبية أيضا في أغسطس/آب 2023 في شرعية احتجاز القذافي وقالت إن على السلطات اللبنانية إطلاق سراحه والسماح له بالعودة إلى عائلته في سوريا، لكن السلطات اللبنانية لم تردّ.