قال شعيب عبد الفتاح، المستشار الإعلامي السابق بالرياض وأبوظبي، إنه بعد ثلاث سنوات سيمر قرن على حدث من أعظم أحداث مصر والعالم العربي على الصعيد الثقافي والأدبي، وهو يوم مبايعة أحمد شوقي أميراً للشعراء العرب، وكان بذلك أول وآخر أمير لديوان العرب الشعر.
ودعا المستشار شعيب عبد الفتاح، في تصريح له، الجهات الحكومية والمؤسسات الثقافية المصرية كافة، إلى ضرورة وأهمية تشكيل لجنة عليا - من الآن - تتولى مهمة الإعداد لاحتفالات فنية ومؤتمرات أدبية وشعرية كبرى بمناسبة مرور قرن على هذا الحدث الأثير، وذلك بعد ثلاث سنوات من الآن أي في 29 إبريل عام 2027م، فمن شأن هذا الاحتفال الكبير أن يؤكد للجميع أن مصر هي الدولة الوحيدة التي لا تضاهيها دولة أخرى في تشكيل الوجدان العربي وبناء البنية الفوقية العربية على امتداد قرون طويلة من الزمن بلا منازع ولا نظير.
وأضاف أنه في مثل هذا اليوم 29 أبريل من سنة 1927، كان الاحتفاء العظيم بالشعر العربي، حيث بدأ فيه أسبوع الاحتفال بدار الأوبرا المصرية لتنصيب أحمد شوقي أميرا للشعراء، والمناسبة أنه فى ربيع عام 1926 صدر الجزء الأول من «الشوقيات»، وتضمن شعر أحمد شوقى فى السياسة والتاريخ والاجتماع، فكانت مناسبة لتتويجه «أميرا للشعراء» من أهل الفكر والأدب والشعر فى أرجاء الوطن العربى، وذلك فى مؤتمر كبير استمر أسبوعا وبدأ يوم 29 إبريل عام 1927.
وتابع: فى هذا المناخ، دعا أحمد شفيق باشا، وهو العالم الفاضل المؤرخ النزيه وأحد كبار الأعيان ورئيس الديوان الخديوي في زمن الخديوي عباس حلمى الثانى ، دعا رجال العلم والأدب للاجتماع فى داره للاحتفاء بهذه المناسبة، وتنظيم «أسبوع شوقى، الذى سينصب شوقى أميرا للشعراء بعد أن كان «شاعر الأمير».
وواصل: واختار الاجتماع لجنة تشرف على «أسبوع شوقى»، على أن يكون لجموع الشعوب الناطقة بالضاد فى العالم ممثلون فيه، ومندوبون للجمعيات العلمية والأدبية، وأعلنت اللجنة أنها تتلقى بحوثا أدبية، وإن تعذر حضور أصحابها أو الإنابة عنهم يرسل بحث فى شوقى وشعره أو فى اللغة والشعر العربى بوجه عام، وحددت شهر يناير 1927 م آخر موعد لتلقيها الأعمال المشاركة، وكان أعضاؤها «أحمد شفيق باشا» رئيسا، والسكرتير أحمد حافظ عوض بك صاحب جريدة كوكب الشرق وعضو مجلس النواب، والأعضاء هم: عثمان مرتضى باشا، رئيس ديوان خديوى سابقا، وجعفر والى باشا، وزير سابق، وأمين بك واصف، مدير سابق، والشيخ رشيد رضا «صاحب المنار»، وأمين بك الرافعى، صاحب جريدة الأخبار، وسيد كامل بك، مدير إدراة بنك مصر، ومحمد على دولار بك، وعبدالعزيز البشرى سكرتير برلمانى لوزير المعارف، وجورج طنوس محرر بكوكب الشرق.
وواصل: وابتدأت الحفلة الرسمية بدار الأوبرا الملكية تحت رعاية فؤاد الأول ملك مصر، عصر الجمعة 27 شوال 1345 هجرية الموافق 29 إبريل 1927 م، فى دار الأوبرا، بكلمة ترحيب للضيوف من صاحب الدولة الرئيس الجليل سعد زغلول باشا، وألقاها نيابة عنه ابن أخته الوزير فتح الله بركات، لأن زعبم الأمة سعد باشا كان مريضا وتوفى فى «أغسطس 1927».
وأكمل: ثم كلمات من صاحب السعادة أحمد شفيق باشا والأستاذ أحمد حافظ عوض مع قصائد لكل من شبلي الملاط شاعر الأرز وخليل مطران شاعر القطرين وحافظ إبراهيم شاعر النيل. ووضع الموسيقار سامي الشواقطة مقطوعة موسيقية للمناسبة بعنوان (تحية الشعر).. وبايعه شعراء العرب بإمارة الشعر في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه “الشوقيات”. وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وتبارى شعراء العرب في إلقاء قصائدهم ، ومنهم خليل مطران شاعر القطرين الذي خاطب «شوقي» قائلا:
اليوم عيدك وهو عيد شامل
للضاد فى متباين الأرجاء
فى مصر ينشد من بنيها منشد
وصداه فى البحرين والزوراء
يا مصر باهى كل مصر باللآلئ
أنجبت من أبنائك العظماء
وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلًا:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي
بشعر أمير الدولتين ورجِّعي
أعيدي على الأسماع ما غردت به
براعة شوقي في ابتداء ومقطع
أمير القوافي قد أتيت مبايعًا
وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
تغنى ربوع النيل واعطف بنظرة.
على ساكن النهرين واصدح وابدع
وفى الشعر إحياء النفوس وريها
وأنت لري النفس أعذب منبع
وتتوالى قصائد أكبر وأعظم شعراء العرب: شكيب أرسلان باشا، قيصر المعلوفى، شبلى ملاط، أنيس المقدس، وديع البستاني، الأمير صالح بن سعد بن سالم من لحج، بدر الدين النعسانى، عبد الحميد الرافعي، طرابلسى، وغيرهم الكثير.
ونوه بأنه شهد هذا الاحتفال بادرة هي الأولى من نوعها ، وتمثلت في قيام الآنسة إحسان أحمد حفيدة الشيخ علي الليثي، بالخطابة أمام المؤتمر ، وكانت بذلك أول فتاة عربية مصرية تظهر في محفل أدبي للرجال، وتخطب فيهم في هذا العصر
وتتابعت الاحتفالات ما بين تياترو حديقة الأزبكية ودار الجمعية الجغرافية وقاعة الاقتصاد السياسي ودار الموسيقى الشرقية وكازينو الجزيرة. ولم يخل الأمر من نزهة نيلية إلى القناطر الخيرية ألقيت فيها قصيدة محمد بن هاشم في الذهاب وقصيدة حليم دموس في الإياب ، فقد ذهبت الوفود لحضور مسرحية «على بابا» لفرقة عكاشة فى تياترو الأزبكية وبعد انتهاء الفصل الأول غنى «محمد عبد الوهاب» قصيدة لشوقي ، وأقيمت حفلة رائعة بدار الجمعية الجغرافية تحت رئاسة السيد «أمين الحسيني» مفتى القدس، وأعقبها عشاء فى كازينو الجزيرة غنت فيه «أم كلثوم».
ولفت إلى أنه تعددت الاحتفالات وحرصت كبار العائلات المصرية على استضافة أعضاء الوفود العربية والاحتفاء بهم، ومنه احتفال «حمد الباسل باشا» الذي غنت فيه أم كلثوم أيضا، وكذلك احتفال «محمد شعراوي بك» الذي غنى فيه «محمد عبد الوهاب» وكذلك أقام نادي الموظفين حفلة شاي لهم، وكذلك احتفال الرابطة الشرقية، واستمرت الحفلات إلى السادس من مايو 1927.
وكشف عن أنه خلال هذا الاحتفال المهيب تلقى شوقي عددا من الهدايا الثمينة كان أبرزها وأكثرها قيمة وشهرة هدية من البحرين ؛ شارك حكام وامراء ووجهاء وأدباء البحرين في جمع ثمنها ، وهي عبارة عن نخلة صنعت من الذهب الخالص بارتفاع 33 سم، تتدلى منها أربعة عقود منضدة باللؤلؤ البحرينى، تم تثبيتها على قاعدة مثمنة الشكل صنعت من حجر الكهرمان الأصفر، وغطيت بقبة من الزجاج، قدر ثمن الذهب فيها بمائة وخمسين جنيهًا، تصحبها قصيدة للشاعر البحريني خالد الفرج، مطلعها:
من منبت الدر تسليم وتكريم
لشاعر اللغة الفصحى وتفخيم
حياك في دارنا البحرين لؤلؤها
والنخل إذ بسمت فيه الأكاميم
وتلقى شوقي أيضا كأسا ذهبية من الاتحاد النسائي المصري، وقلما ذهبية من النادي العربي بعدن, وعلبة فضية وداخلها إطار من الفضة حول قصيدة (قم ناج جلق) من النادي العربي في بومباي.
وقصيدة ( قم ناج جلق ) هي من قصائد شوقي الخالدة والتي كتبها في دمشق ، وجلق هو اسمها القديم ، حيث كانت دمشق تمثل العاصمة الأولى للدولة الإسلامية في العصر الأموي ، ففي خالديته التي يستهلها بقوله:
قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا
مشت على الرسم أحداث وأزمان
هذا الأديم كتاب لا كفاء له
رث الصحائف باق منه عنوان
مررت بالمسجد المحزون أسأله
هل في المصلى أو المحراب مروان
تغير المسجد المحزون واختلفت
على المنابر أحرار وعبدان
فلا الأذان أذان في منارته
إذا تعالى ولا الآذان آذان
وفي نهاية هذا الاحتفال التاريخي ألقى شوقي قصيدة شكر لمن كرموه مطلعها:
مرحبا بالربيع في ريعانه
وبأنواره وطِيب زمانه
وأشار إلى هدية البحرين النفيسة فقال:
قلدتني الملوك من لؤلؤ البحرين
آلاءها ومن مرجانه
نخلةٌ لا تزال في الشرق معنى
من بداواته ومن عمرانه
وختم شوقي قصيدته بلفتة وطنية حرة فقال:
رُبَّ جارٍ تَلَّفتتْ مصرُ تُوليه سؤالَ الكريمِ عن جيرانه
بَعثتْني معزِّياً بمآقي ... وطني ، أو مهنئاً بلسانه
كان شعري الغناءَ في فرح الشرقِ ، وكان العزاءَ في أحزانه
قد قضى الله أن يؤلِّفنا الجرحُ، وأَن نلتقي على أَشجانه
كلما أَنَّ بالعراقِ جريحٌ ... لمس الشرقُ جنبه في عُمانه
وعلينا كما عليكم حديدٌ ... تتنزى الليوثُ في قضبانه
نحن في الفكر بالديار سواء ... كلنا مشفق على أوطانه
بعد انتهاء الحفل كتب أحمد شفيق باشا بيانًا نشرته الصحف، مشيرًا فيه إلى أن عدد المحاضرات والقصائد المشاركة فى فعاليات الأسبوع زادت إلى الحد الذى عجزت معه اللجنة المنظمة عن تلاوتها خلال الحفلات طوال أسبوع التكريم، واعتذر عن ذلك مؤكدًا أنه «سيتم نشر أهمها فى الكتاب الذهبى الذى سيطبع بمناسبة هذا التكريم».
ثم وجه شفيق باشا باسمه ونيابة عن جمعية الرابطة الشرقية الشكر والتقدير إلى كل الذين قدموا الهدايا إلى أمير الشعراء، واعتبرها «مثالًا حيًا لأريحية الشرق إلى حب المكرمات».