شهدت درجات الحرارة في قطاع غزة بشكل عام، وفي رفح تحديدا، ارتفاع شديد خلال هذا الأسبوع، وتجاوزت درجات الحرارة 100 درجة فهرنهايت، وقد أصبحت خيمة محمد عياش لا تطاق – شديدة الحرارة، على حد قوله، لدرجة أنها كانت مثل "نار جهنم ، والموت الساخن إنه يقتلنا"، فمثل آلاف الفلسطينيين، عاش عياش وعائلته لعدة أشهر في خيمة متواضعة مصنوعة يدوياً بعد مغادرة منزلهم هرباً من الحملة العسكرية الإسرائيلية التي استمرت سبعة أشهر.
[[system-code:ad:autoads]]وبحسب تقرير لصحيفةNPR الأمريكية رصدت فيه معاناة سكان غزة مع موجة الحر الشديدة، فقد كانت الخيمة التي نصبها عياش – وهي مثلث متواضع مبني على جدار من الطوب، وجدرانه الخارجية مصنوعة من البطانيات والقماش – كانت مخصصة لليالي الباردة والممطرة في شتاء غزة، على حد قوله، وللحفاظ على جفافه هو وعائلته، قام بتبطين جدران الخيمة بالبلاستيك، وتم تثبيت الأغطية في مكانها بواسطة ألواح خشبية مثبتة ببعضها البعض.
[[system-code:ad:autoads]]وقال وهو يمسح العرق عن جبينه إنه في ظل حرارة هذا الأسبوع، كان الجو أكثر سخونة داخل الخيمة منه في الخارج، وأضاف: "الأطفال ينهارون، ولا يمكنهم البقاء داخل الخيام"، وبحلول يوم الجمعة، انحسرت موجة الحر التي استمرت يومين، وعادت درجات الحرارة إلى السبعينيات، لكن بالنسبة للفلسطينيين وعمال الإغاثة على حد سواء، كانت الحرارة المرتفعة بمثابة مقدمة لفصل الصيف القادم - حيث ستؤثر الحرارة القاسية يوميًا على كل جانب من جوانب الحياة التي أصبحت طبيعية في قطاع غزة المحاصر، كما تشعر المنظمات الصحية بالقلق إزاء الأمراض المعدية، التي تنتشر بسرعة أكبر وعلى نطاق واسع في البيئات الحارة.
الحرارة تحدى آخر كارثى على سكان قطاع غزة
ويبدو أن درجة الحرارة ستكون تحدى كبير آخر لسكان قطاع غزة، وقد حذر عبد الرحمن التميمي، المدير العام للهيئة، قائلاً: "مع فصل الصيف الحار وارتفاع درجة الحرارة، فإن هذا يخلق جواً لجميع أنواع الجراثيم والتلوث، وبالطبع، هذا هو المحرك الرئيسي للأمراض المنقولة بالمياه والأمراض المنقولة بالهواء"، ومجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، وهي منظمة غير ربحية تركز على قضايا المياه والصحة في الأراضي الفلسطينية.
وبالفعل، توفيت امرأة فلسطينية واحدة على الأقل بسبب الحرارة، حسبما قال عامل في مجموعة الإغاثة العالمية ميرسي كوربس لـNPR، وقال محمود خويدر، عامل الإغاثة وجار الصايغ، إن لارا الصايغ، 18 عاماً، تلقت أنباءً بالسماح لها بالخروج من غزة. لكنها فقدت الوعي بسبب الحر، وماتت قبل أن تتمكن من الوصول إلى نقطة الحدود في رفح، على حد قول خويدر، وفي مستشفى ميداني يوم الخميس، قام طبيب بسكب الماء النظيف على وجهي فتاتين صغيرتين تنتحبان، وأعينهما تحترقان بسبب دواء القمل الذي تسرب من فروة رأسيهما إلى عيونهما بسبب الحرارة والعرق.
الجميع يفتقر إلى سبل البقاء هادئين
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فلا يوجد مكان في غزة أكثر سخونة من رفح، على الحدود الجنوبية للقطاع على طول حافة صحراء سيناء، ففي فصل الصيف، يصل متوسط درجات الحرارة المرتفعة يوميًا إلى منتصف التسعينات، والأيام الحارة تصل بانتظام إلى أكثر من 100 درجة، وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون فلسطيني لجأوا إلى هنا، حيث أجبرت الحملة العسكرية الإسرائيلية العقابية الناس على الفرار من منازلهم في الشمال، ويفتقر العديد منهم إلى أجهزة تكييف الهواء أو المراوح أو الوصول المنتظم إلى مياه الشرب، ولا توفر الملاجئ المؤقتة مثل الخيام سوى القليل من الراحة من الحرارة.
ويقول شريف مازن أبو عودة، الذي غادر منزله في بيت حانون، وهي مدينة تقع في أقصى شمال شرق غزة، بعد وقت قصير من يوم 7 أكتوبر: "لم نتوقع أن تصل الأمور إلى مرحلة نجلس فيها حتى مايو ويونيو، وما إلى ذلك، ولم أتوقع أن يتم تهجيرنا كل هذه المدة"، وقد أدت حملة الغارات الجوية والعمليات البرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي، إلى نزوح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، فيما يقول مسؤولو الصحة في غزة إن أكثر من 34 ألف فلسطيني قتلوا منذ السابع من أكتوبر، وغادر العديد ممن بقى على قيد الحياة منازلهم ولم يكن معهم سوى ما يرتدونه بالكاد، ناهيك عن مجموعة كاملة من الملابس الشتوية والصيفية، وقد نزح معظمهم عدة مرات، بما في ذلك أبو عودة، الذي قال إنه انتقل أربع مرات منذ أكتوبر، وأضاف: "نحن في انتظار رحمة الله والجو يبرد، فلا أعتقد أن أحدا غير سكان قطاع غزة - لا أحد في العالم - يعيش الحياة التي نعاني منها حاليا".
تتأثر المساعدات أيضًا بالحرارة
ومن بين عمال الإغاثة، تمكن البعض من بدء عملهم قبل الفجر من أجل الانتهاء من العمل بحلول الوقت الذي تصل فيه الحرارة إلى ذروتها في منتصف بعد الظهر، لكن آخرين عملوا في ظل درجات الحرارة المرتفعة، مثل أولئك الذين يديرون معبري رفح وكرم أبو سالم الحدوديين، حيث تدخل المساعدات المنقذة للحياة إلى غزة يوميًا، وقد أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) عن وقوع عدة إصابات بسبب الحر بين موظفيها يوم الخميس.
ويقول سكوت أندرسون، نائب مدير عمليات الأونروا في غزة: "الجميع أبطأ قليلا، فعليك أن تأخذ المزيد من فترات الراحة وتشرب المزيد من الماء، وهو نقص في المعروض، إنه يؤثر على كل ما يتعلق بالعمل اليدوي، لأن الجو حار جدًا ولا يوجد مكان للبحث عن الظل"، بالنسبة لفصل الصيف المقبل، قالت الأونروا إنها ستنظر في إمكانية فتح المعابر في وقت مبكر من اليوم – بمجرد ظهور ضوء النهار – من أجل أخذ استراحة آمنة خلال فترة ما بعد الظهر.
خائف من الصيف القادم
وعند شاحنة المياه، تجمع الأطفال الصغار مباشرة تحت الحنفيات ورقصوا في القطرات المتساقطة بينما كان الكبار فوقهم يملؤون أباريقهم، وقامت النساء، في خصوصية ملاجئهن، بإزالة حجابهن لغمسه في الماء قبل ارتدائه مرة أخرى، وعلى طول صفوف الخيام، كان الناس يسترخون في الظل القليل الذي يمكنهم العثور عليه، على أمل هبوب النسيم، وتوافد الآلاف إلى البحر الأبيض المتوسط للتهدئة، ومن بينهم صبي يبلغ من العمر خمس سنوات يدعى زكريا، والذي قال لـNPR إن السباحة في المحيط جعلته سعيدًا.
لكن بالنسبة لوالده، الذي ذكر أن اسمه هيثم فقط، كانت موجة الحر بمثابة "تعذيب بكل معنى الكلمة"، على حد قوله، وقال إن الصيف القادم سيكون أسوأ، فلا نعرف ماذا نفعل بعائلاتنا وأطفالنا، ولا نعرف كيف نواجه هذه الحرارة، فنحن مرعوبون".