في لحظة تاريخية، انطلقت أكبر ثورة طلابية في تاريخ أمريكا دعما لقطاع غزة والقضية الفلسطينية، وكانت الشرارة التي أطلقت موجة الغضب الغير مسبوقة، هو عنصرية رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية من أصل مصري مينوش شفيق، والتى سمحت باعتقال طلاب الجامعة المعتصمين نهاية الأسبوع الماضي، وأدلت بشهادة أمام الكونجرس الأمريكي دعمت الإجراءات القمعية بحق مؤيدي فلسطين داخل الجامعات.
[[system-code:ad:autoads]]وفي آخر تطورات الأزمة التي تهز المجتمع الأمريكي، خرجت المصرية "المنبوذة" بتصريحات جديدة تهدد فيها الطلاب اللجوء لخيارات أخرى لإنهاء الاعتصام الكبير الذي قاموا به عقب القبض على زملائهم الأسبوع الماضي، وأعطتهم مهلة لنهاية اليوم الأربعاء قبل اللجوء لتلك الخيارات، وهو الأمر الذي أتى بنتائج عكسية، إذ انفجرت موجة غضب أكبر في أكثر من 12 جامعة أمريكية دعما لطلاب كولومبيا، وقاموا بنصب خيام الاعتصام الشبيه بخيم كولومبيا، وهو ما جعل إدارة الجامعة تتراجع عن التهديد وتخرج بتصريحات لتهدة الأجواء الجامعية، والحديث عن مهلة للمفاوضات.
[[system-code:ad:autoads]]الجامعة تتراجع عن تصريحات مينوش
وفي أحدث تطورات الأزمة المشتعلة في أمريكا، خرج مسؤولو جامعة كولومبيا في وقت مبكر من يوم الأربعاء، بتصريحات تنسف تهديد مينوش، وقالوا: "إنهم سيواصلون التفاوض مع الطلاب المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين بعد تحديد موعد نهائي عند منتصف الليل لتفرقهم"، وكانت مينوش قد قالت إنه عند تحديد الموعد النهائي إن الجامعة تجري محادثات مع المتظاهرين ولكن سيتعين عليها "النظر في خيارات بديلة" لإخلاء المعسكرات التي أقامها المتظاهرون"، ولكن متحدثًا باسم جامعة كولومبيا قال في بيان، بحسب ما نشرته صحيفةNPR الأمريكية، لاحقًا إن الجامعة تحرز تقدمًا مع ممثلي معسكرات الطلاب و"في ضوء هذا الحوار البناء، ستواصل الجامعة المحادثات لمدة 48 ساعة القادمة".
وكانت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي هزت مدارس منطقة نيويورك في الأيام الأخيرة – والاعتقالات التي تلت ذلك للمشاركين – قد ساهمت في انتشارها الساحل إلى الساحل، حيث أطلق الطلاب احتجاجات ومخيمات في أكثر من اثنتي عشرة مدرسة في جميع أنحاء البلاد، من ماساتشوستس إلى ميشيغان إلى كاليفورنيا، وهم يدعون إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس واستثمار جامعاتهم في الشركات التي تستفيد منها، أو على نطاق أوسع، تتعامل مع إسرائيل.
من المرجح أن يتعاطف الأميركيون في سن الجامعة مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وفقاً لاستطلاع حديث أجراه مركز بيو للأبحاث، وقد أصبحت الحرب بين إسرائيل وحماس نقطة اشتعال رئيسية في مؤسسات التعليم العالي، التي يتصارع الكثير منها الآن حول كيفية الموازنة بين حماية حرية التعبير وسلامة الطلاب في وقت تتزايد فيه معاداة السامية وكراهية الإسلام، وذلك بحسب الصحيفة الأمريكية.
الشرطة تفرق الاحتجاجات من نيويورك إلى كاليفورنيا
ولم يتوقع اعتقال الطلاب على ما حدث بجامعة كولومبيا نهاية الأسبوع الماضي، فقد قامت يوم الاثنين، الشرطة بالقبض على ما يقرب من 50 متظاهرًا في جامعة ييل بينما قامت كولومبيا، التي شهدت توترات متزايدة منذ اعتقال أكثر من 100 متظاهر الأسبوع الماضي، بتحويل الفصول الدراسية عبر الإنترنت – وهي خطوة امتدت منذ ذلك الحين حتى نهاية الفصل الدراسي (تنتهي الفصول الدراسية في 29 أبريل وتنتهي الاختبارات النهائية في 10 مايو، وفقًا للتقويم الأكاديمي للمدرسة).
فيما أخلت شرطة نيويورك يوم الاثنين مخيما للمتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين خارج غولد بلازا بجامعة نيويورك، واحتجزت عددا غير محدد منهم بعد أن رفضوا المغادرة، وغردت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة نيويورك بأن المدرسة سمحت للشرطة "باعتقال طلابها وأعضاء هيئة التدريس والموظفين وأي شخص يجرؤ على التضامن مع فلسطين"، وقال المتحدث باسم جامعة نيويورك، جون بيكمان، في بيان إنه بعد تجمع حوالي 50 متظاهرًا في ذلك الصباح، أغلقت الجامعة الساحة لمنع المزيد من الأشخاص من الانضمام، وحثت الشرطة المتواجدين في الساحة على المغادرة بسلام، لكنها قامت في النهاية باعتقال عدد من الأشخاص".
هذا ما حدث في مفاوضات كولومبيا
وعن تفاصيل المفاوضات، قال المتحدث باسم كولومبيا إن المدرسة توصلت إلى اتفاق مع ممثلي الاحتجاج يقضي بإزالة عدد "كبير" من الخيام التي نصبوها في الحديقة الغربية بالحرم الجامعي وأن الموجودين في المخيم سيلتزمون بمتطلبات السلامة الخاصة بإدارة الإطفاء، وأضاف المتحدث، أنهم اتفقوا على ضمان مغادرة غير المنتمين إلى الجامعة للمخيم وأن طلاب كولومبيا فقط هم الذين سيشاركون في الاحتجاجات، كما اتفقوا على حظر المضايقة واللغة التمييزية.
بنما خرجت شفيق في بيان لها، وقالت فيه بوقت متأخر من يوم الثلاثاء: "نعمل على تحديد هوية المتظاهرين الذين انتهكوا سياساتنا ضد التمييز والتحرش، وسيتم إخضاعهم للإجراءات التأديبية المناسبة"، وهو استمرار للغة التهديد التي تنتهجها الأكاديمية المصرية المعادية للقضية الفلسطينية.
وضع خطير ومتقلب
ولكن يبدو أن الامر خطير ومتقلب في كافة أنحاء أمريكيا، ففي جميع أنحاء البلاد في جامعة بوليتكنيك بولاية كاليفورنيا، قامت مجموعة من الطلاب يلوحون بالأعلام الفلسطينية ولافتات باحتلال قاعة سيمنز، وهو مبنى أكاديمي وإداري في حرم جامعة هومبولت، وقاموا بتحصين المدخل الأمامي بالكراسي والمكاتب وصناديق القمامة وقطع الأثاث الأخرى، وفقًا لتقارير من شركةKRCR التابعة لـABC وصورة نشرتها منظمة الطلاب الوطنيين من أجل العدالة في فلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي حوالي الساعة 8:30 مساءً بالتوقيت المحلي، حث مسؤولو المدرسة الناس على الابتعاد عن المبنى، واصفين إياه بأنه "وضع خطير ومتقلب"، وقالوا إنهم قلقون بشأن سلامة المتظاهرين المحاصرين بالداخل، ودعوهم إلى الاستجابة لتوجيهات سلطات إنفاذ القانون بالمغادرة بسلام، وبعد عدة ساعات، قالوا إن الحرم الجامعي سيظل مغلقًا حتى يوم الأربعاء من أجل سلامة المجتمع، وأن المباني مغلقة ولن تعمل بطاقات المفاتيح"، مضيفين أن "الفصول والأنشطة الشخصية ستنتقل إلى العمل عن بعد حيثما أمكن ذلك".
تظهر مخيمات التضامن في أكثر من اثنتي عشرة مدرسة
ويطلق الآن الطلاب المؤيدون للفلسطينيين في الكليات في ولايات متعددة حركات خاصة بهم، والعديد منها كرد فعل مباشر على الأحداث الأخيرة في كولومبيا، وقد قام الطلاب في جامعة نورث وسترن، وجامعة ولاية أوهايو، وجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، وجامعة تمبل، وجامعة برينستون، وجامعة نيفادا، ولاس فيغاس، وآخرون بتنظيم مسيرات ومسيرات لدعم طلاب كولومبيا الأسبوع الماضي بعد اعتقالهم، فيما حذا آخرون حذوهم هذا الأسبوع، وغردت مجموعة طلابية مؤيدة للفلسطينيين في جامعة مينيسوتا بأنهم سينضمون إلى طلاب جامعة كولومبيا من خلال إقامة مخيم في حديقة الحرم الجامعي الخاصة بهم في الساعة الرابعة صباحًا يوم الثلاثاء، تضامنًا "مع شعب فلسطين ومع الطلاب الذين يدافعون عن فلسطين".
كما أقام الطلاب في جامعة بيتسبرغ أيضًا خيامًا صباح الثلاثاء خارج كاتدرائية التعلم المركزية، والتي قالوا في بيان صحفي إنها تم إجراؤها تضامنًا مع الطلاب في قائمة المدارس الأخرى، ونظم نحو 300 طالب "مسيرة تضامنية" في جامعة ستانفورد يوم الاثنين لإظهار الدعم للفلسطينيين في غزة وأقرانهم المؤيدين للفلسطينيين في الكليات الأخرى، وفقا لصحيفة ستانفورد ديلي، بينما أقام الطلاب أيضًا معسكرات في العديد من مدارس منطقة بوسطن ، بما في ذلك معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكلية إيمرسون وجامعة تافتس، وأغلقت جامعة هارفارد ساحة هارفارد أمام الجمهور حتى يوم الجمعة، تحسبًا واضحًا للاحتجاجات المحتملة، وفي جامعة ميشيغان، نصبت مجموعات الطلاب نحو عشرين خيمة في وسط الحرم الجامعي يوم الاثنين، وتفيد تقارير ميشيغان العامة أن حوالي 100 شخص تجمعوا في مسيرة بعد ظهر ذلك اليوم، وهم يهتفون "اكشف! اسحب! لن نتوقف، لن نرتاح!" كما نظرت الشرطة، كما أقام طلاب جامعة كاليفورنيا في بيركلي " مخيم التضامن مع غزة " يوم الاثنين. وقال المنظمون لقناةABC7 إنهم يريدون من قادة المدارس إنهاء ما يسمونه "صمتهم" بشأن الوضع في غزة وتوفير حماية أفضل للطلاب الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
الغدر بالمنبوذة.. نواب جمهوريين يطالبون بإقالتها
ورغم أن الهدف الأساسي لشهادة منيوش شفيق ضد طلابها هو نيل رضى النواب الجمهوريين تخوفا من مصير الإقالة، إلا أنهم قرروا الغدر بها لتهدئة الأجواء، ففي هذه الأثناء، تواجه شفيق انتقادات بسبب ردها على الاحتجاجات في كولومبيا، وتقود النائبة إليز ستيفانيك، النائب الجمهوري عن نيويورك، حملة الجمهوريين في نيويورك لحملها على الاستقالة، وهو ما يبدو تكراراً للوضع الذي حدث في ديسمبر، عندما استقال رئيسا جامعة هارفارد وجامعة بنسلفانيا بعد شهادتهما أمام الكونجرس التي لاقت انتقادات واسعة النطاق، ولكن كان ذلك حينها لتأيدهم حرية الرأي في الجامعات، أما شفيق لغضب الطلاب في أنحاء أمريكا ضدها، وجاء في نص البيان: "إن انتهاك الرئيسة شفيق للمتطلبات الأساسية للحرية الأكاديمية والحوكمة المشتركة، واعتداءها غير المسبوق على حقوق الطلاب، يستدعي إدانة قاطعة وقاطعة".
وقال بيشر، الأستاذ في جامعة بارنارد، إن "الأزمة الفعلية هنا هي فشل قيادة الجامعة في الوقوف في وجه الجهات اليمينية"، وأضافت: "لقد تخلى رئيسنا، خلال الأشهر الستة الماضية وفي الكونجرس الأسبوع الماضي، عن مؤسساتنا للحرية الأكاديمية وحرية التعبير وحول حرمنا الجامعي إلى دولة بوليسية، والآن الجامعات الأخرى في جميع أنحاء البلاد تحذو حذوها."
وفي بيان صدر يوم الاثنين ، دعت مؤسسة الحريات المدنية للحقوق الفردية والتعبير (FIRE) الجامعات إلى حماية الاحتجاج السلمي ولكن "ضمان الاعتقال السريع" لأي شخص يشارك في أعمال عنف في الحرم الجامعي. لكنها أقرت بالتحديات الإضافية التي تفرضها هذه اللحظة "الصعبة للغاية".
وأضاف أن "التوترات عالية والأعصاب متوترة، والإحسان والنعمة اللازمين للحوار المثمر غير متوفرين بشكل كبير، وقد يكون من الصعب فصل التعبير المحمي عن نقيضه. وسط هذا الضغط الشديد، يجب على مؤسسات التعليم العالي في بلادنا أن تقود الطريق."
تلك هى الأكاديمية المصرية
"إذا باركتم إسرائيل سيبارككم الله"، لم تحتاج نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا، سوى لهذه الكلمات الصورية في جلسة استجوابها في مجلس النواب الأمريكي، لتتبرأ من الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها الجامعة للتنديد بجرائم وتجاوزات جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، قبل أن تصعد موقفها بالإبلاغ عن المتظاهرين وتحريض الشرطة لاعتقالهم.
وتولت شفيق منصبها في رئاسة الجامعة منذ يوليو العام الماضي، وهو ما جاء عقب تاريخ حافل بالترقيات المهنية، بدأتها منذ تخرجها من جامعة ماساتشوستس أمهيرست بدرجة البكالوريوس في الاقتصاد والسياسة، وقد ولدت شفيق في محافظة الإسكندرية عام 1962، وهي مصرية الأصل، وتركتها مهاجرة إلى ولاية جورجيا في الولايات المتحدة رفقة عائلتها عام 1966 عقب تعرض ممتلكات والدها للتأميم، حسبما ذكر موقع الجامعة على الإنترنت.
تخرجت مينوش من جامعة ماساتشوستس، بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف، والتي حصلت بعدها على درجة الماجستير من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية عام 1986، ثم على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد عام 1989،وعملت شفيق في البنك الدولي عقب سقوط جدار برلين عام 1989، ثم قادت وزارة التنمية الدولية المؤثرة في حكومة المملكة المتحدة، والذي تلاها بعد ذلك ترقيها في المناصب الإدارية في التخصص الاقتصادي، حيث أشرفت على عمل صندوق النقد الدولي في عدد من البلاد خلال الأزمة الاقتصادية العالمية.
كما أدارت مينوش، التي كانت أصغر رئيس للبنك الدولي، برامج صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط تحديدًا في فترة الثورات التي شهدتها عدد من الدول العربية، واستمرت مينوش في الترقي حتى تولت رئاسة جامعة كولومبيا وكانت تخطت سن الـ60، وجاء ذلك بعد 6 سنوات من إدارة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.