أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا، المسلمين بتقوى الله تعالى قال جل من قائل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
[[system-code:ad:autoads]]وقال خطيب المسجد النبوي، في خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي، إن الله تعالى كرَّم الإنسان حين خلقه في أحسن تقويم وصوره فأحسن صورته، فهو أعدل المخلوقات قامة، مزيناً بالعقل، مهدياً بالتمييز، وذلك لما أراد سبحانه له من التكليف والاستخلاف في الأرض، ولحكم عظيمة لا يعلمها إلا هو، والبشر متفاضلون فيما بينهم بحسب ذلك، ولكنهم عند ربهم لا يتفاضلون بتلك الظواهر، فإنها لا تنفع عنده سبحانه، ولا يعبأ بها جل شأنه، وإنما التفاضل لديه جل جلاله بحسب صلاح بضعةٍ باطنة لا يراها العباد بأبصارهم، لكنها محل نظر الله تعالى إلى عبده قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».
[[system-code:ad:autoads]]وأوضح أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه لا ببدنه، وذلك أن أصول العبادات الموصلة إلى الله تعالى محلها القلب، وهو مبعثها، كمحبة الله ورسوله، ورجاء الله وخوفه، وتعظيمه والتوكل عليه، والإخلاص له وأعظم غناءً وأكبر عناءً من مجاهدة الجوارح الظاهرة على فعل نوافل الطاعات، فمن صلح قلبه صلحت جوارحه وصحت أفعاله، قال ابن رجب: «ولم يكن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكثرة الصلاة والصوم بل ببرِّ القلوب وطهارتها وسلامتها وقوة تعلقها بالله»، فإذا كان هذا العضو من الإنسان بهذه المنزلة فحريٌّ بالعبد أن يكون محل تعاهده وتفقد هو استصلاحه، لا يغفل عن ذلك طرفة عين، فالنور نور القلب، والبصيرة بصيرته، والصلاح صلاحه قال تعالى ((فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )) ولذلك كان من دعاء سيد المرسلين «اللهم اجعل في قلبي نوراً».
وبين إمام المسجد النبوي أن صحة القلب وسلامته ألزم على العبد من صحة بدنه وجوارحه، فإن غاية ما يوجبه سقم البدن أن ينتهي بصاحبه إلى الموت، الذي هو مصير كل مخلوق، وأما غاية سقم القلب وفساده الكفر أو النفاق الموجبان الخزي في الدنيا والآخرة ولا ينجو من الخزي يوم البعث إلا من أتى الله بقلب سليم.
كما قال تعالى على لسان خليله إبراهيم إمام الحنفاء صلى الله عليه وسلم (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، ومن دعاء أمام المتقين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «وأسألك قلباً سليماً»، والقلب السليم هو الصحيح السالم من الشرك والشك والبدعة، السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو قلب المؤمن الموحد، فإن قلب الكافر والمنافق مريض، كما قال تعالى (فِي قُلُوبِهِم مَّرَض?).
وحذر الشيخ المهنا قائلاً:" من نقض ميثاق العبودية مع الله تعالى فيقسو القلب، وأن على المسلم أن يكون على هذا الميثاق أشد تعاضداً من تعاضده لماله ونفسه وأن على القلب أن يكون مفطوراً على قبول الحق والتأثر بالهُدى، فالقلب مع ذلك سريع التقلب، لا تزال ترد عليه الذنوب حتى يقسو أو يفسد، وقد يتعاظم حتى يختم عليه، فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ولا تؤله جراحات القبائح، ولا يتوجع لجهله بالحق).
وأضاف (الكبر من أعظم أسباب قسوة القلب، فهو حجابٌ على القلوب يمنع عنها دواعي صلاحها ورقتها، قال تعالى "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ"، قال التابعي الجليل أبو قلابة عبدالله بن زيد الجرمي رحمه الله: منع قلوبهم القرآن".
وبين أن من أعظم أسباب قسوة القلب وفساده، تعلقه بغير الله تعالى حباً وتعظيماً وتوكلاً، حتى لا يعلق بقلبه من التوكل على ربه أدنى عُلقة، وأن أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى، ففيه الشفاء التام الذي لا يغادر فيها سقماً إلا أبرأه، قال ابن رجب رحمه الله: فأما رقة القلوب فتنشأ عن الذكر، فإن ذكر الله يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته.
وأردف أن أعلى الذكر جاهاً وأسرعه إصلاحاً للقلوب، ذكر الله بكلامه المنزل، ووحيه المرتل قال جل من قائل ((لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) وأن على المسلم تلاوة آياته بالتدبر، والسمع له بالخشوع والتفكر، والاتعاظ بآيات الوعيد الأليم، والشوق عند آيات الوعد الكريم، والاعتبار بقصص الأمم الغابرة، وما جرى عليهم بقدرة الله الباهرة، فحريٌّ أن يوافق الداءَ الدواءُ، وأن يجد عند ذلك القلب الشفاء.
وأبان إمام المسجد النبوي أن من أراد أن يلين قلبه فليمسح رأس اليتيم، وليطعم المسكين، وليتفقد حوائج ضعفاء المسلمين.