غيرت حرب غزة، منطقة الشرق الأوسط، وعصفت بأدوار دول إقليمية وغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما أدخل المنطقة في مرحلة ما بعد أمريكا. فمنذ ما قبل طوفان الأقصى، وتداعياته الإقليمية والعالمية، تواجه الولايات المتحدة، تحديات واسعة في منطقة الشرق الأوسط. تفرض عليها اجتراح صيغة تحفظ نفوذها بأقل قدر من الخسائر. علما بأن الوقائع في السياسة والميدان، تسمح بالتأكيد بأن المنطقة في مرحلة ما بعد أمريكا.
قراءة مجلة الشئون الخارجية الأمريكية، "فورين أفيرز"، من بين قراءات عالمية، تري أن حرب غزة كشفت عن حدود قوة واشنطن، وربما تعكس انهيارا إقليميا خطرا ومخاطر يفرضها التواجد الأمريكي الضخم والدائم في المنطقة. صحيح أن لأمريكا نفوذ وقوة في الشرق الأوسط، إلا أن القوي الوازنة فيه، بدأت تمسك بإدارة شئونها ومشكلاتها. بينما تتعاظم قوي دول وفصائل محور المقاومة، لتطويق وإضعاف التواجد الأمريكي، وإفقاده أوراقه الإستراتيجية تباعا.
غزة بمقاومتها والزلزال الذي أطلقته في كل عواصم العالم، ولا سيما في أمريكا، فرضت موازين قوي جديدة، وحددت أحجام وادوار المرتبطين بالأزمة الحالية. وبمجرد انتهاء الحرب في غزة. تقول: "فورين أفيرز"، إن قدرة واشنطن، في التأثير في الأحداث في المنطقة باتت محدودة جدا. حيث تواجه الإدارة تحديات إستراتيجية كبري، ليس في منطقة أسيا والمحيط الهادي فحسب. ولكن في أوروبا أيضا.
أما فيما يخص واشنطن، في المنطقة فإن عنوان الوهم الكبير، "قيام وانهيار الطموح الأمريكي في الشرق الأوسط"، وهو من تأليف ستيفن سيمون، خبير السياسة الخارجية الأمريكية المخضرم، والعضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي. يؤكد تراجع الطموح الأمريكي في إدارة الشرق الأوسط، وانهيار العلاقة بالحلفاء، فضلا عن الفضيحة الأخلاقية والإنسانية، لكل إدعاءات التوازن والحرص علي السلم والازدهار. وبحسب سيمون فإن قصة واشنطن، في الشرق الأوسط، هي عبارة عن سوء فهم كبير وأخطاء مروعة، وموت ودمار علي نطاق تاريخي.