الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إخراج زكاة الفطر من الحبوب فرض أم سنة؟.. الجواب المختصر لـ كبار العلماء

زكاة الفطر 2024
زكاة الفطر 2024

استعرض الدكتور فتحي عثمان الفقي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، القول المختصر في حكم إخراج النقود أو القيمة في زكاة الفطر، حيث سؤال: إذا احتاج الفقير للنقود , أو تعذر على المزكي أن يشتري الحبوب المنصوص عليها لإخراج زكاة الفطر , فهل يجزئ إخراج القيمة في هذه الحالة تيسيرًا على الجانبين , المزكي والفقراء ؟

زكاة الفطر 2024 مالًا أم طعامًا؟

اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأصناف المنصوص عليها ( ما عدا الشعير في الوقت الحاضر ) , ولكنهم اختلفوا في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول : عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر , وهذا قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ( يراجع في ذلك : الإجماع لابن المنذر ص 56 , المدونة 1 / 392 , المجموع 6 / 112 المغني 4 / 295 )

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالاتي : 

1 – ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرض صدقة الفطر صاعا من تمر وصاعا من شعير " ( متفق عليه , البخاري 1432 مسلم 984 ) ** ووجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة من تلك الأنواع , فمن عدل إلى القيمة فقد ترك المفروض .

2 – استدلوا كذلك بحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال " كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام , وكان طعامنا البر والشعير والزبيب والأقط " ( صحيح البخاري 1435 وصحيح مسلم 985 )، والأقط : يستخرج الإقط الذي يعرف بـ “المضير” و” البقل” و”العفيق” و”الصريب” من حليب الأغنام الذي يزيد من طعمه وبياضه وهشاشته وكذلك من حليب الأبقار الذي يصبغه باللون الأصفر ومن حليب الناقة أحيانًا ويشتهر بصلابته. 

وطريقة إعداده تتمثل في وضع الحليب المستخرج من الأغنام على نار هادئة في قدر ذي فتحة متسعة ، كالطشت ثم يحرّك الحليب بشكل مستمر حتى لا يحترق إلى أن يصل لمرحلة تبخر الماء وما يسمى بالتحثرب ، فيتم عمل أقراص الإقط.

ووجه الاستدلال من الحديث : أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يخرجونها من غير الطعام وتتابعهم على ذلك دليل على أن المشروع إخراجها طعامًا.

3 – واستدلوا كذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين " ( سنن أبي داوود 1609 

ووجه الاستدلال منه: أن الطعمة تكون بما يطعم ولا تكون بالدراهم , أو الدنانير , أو أوراق البنكنوت المتعامل بها الآن , التي تقضى بها الحاجات , مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما هو مقتضى الشرع .

وقالوا : إن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين فلا يجوز إخراجها من غير الجنس المعين , كما لو أخرجها في غير وقتها المعين , ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص , فلم يجزئه , كما لو أخرج الردئ مكان الجيد , ولأن إخراج زكاة الفطر من الشعائر , فاستبدال المنصوص بالقيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها , وقد صدر بذلك قرارات وفتاوى من هيئات عدة في الدول الإسلامية.

القول الثاني : يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا , وهو مذهب الحنفية , والثوري , واختاره البخاري , وعطاء والحسن البصري , وعمر بن عبد العزيز ( يراجع في ذلك : المبسوط , للسرخسي ج 2 / 207 , والهداية , وعليها شرح العناية ج 1 / 112 )

واستدلوا على ذلك :

1 - بأن الواجب إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم : " أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم " ( رواه الدارقطني 67 , وضعفه الزيلعي في نصب الراية 2 /522 ) والإغناء يحصل بالقيمة ؛ لأنها اقرب إلى دفع الحاجة . 

2 – واستدلوا كذلك : بأن الأصل في الصدقة المال ؛ قال الله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " 103 التوبة . *** ووجه الاستدلال منها : أن المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة , وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم للمنصوص عليه إنما هو للتيسير, ورفع الحرج لا لحصر الواجب .

وقالوا إذا ثبت جواز أخذ وإعطاء الفقير القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب – زكاة الفطر – أولى ؛ لأن الشرع أوجب الزكاة في غير الحب والتمر والماشية والنقدين , كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن , حيث قال : " خذ الحب من الحب والشاة من الغنم , والبعير من الإبل , والبقر من البقر" ولما كان الحال كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة أمر الناس في عهد النبوة بإخراج الطعام ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم , ولا يحصل لهم فيه عسر ولا مشقة , وذلك لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمنة ببلاد العرب , لا سيما البوادي منها , وخصوصا الفقراء , فلو أمر بإعطاء النقود في الزكاة المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية , ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق والطعام , أما الطعام فإنه متيسر للجميع , ولا يخلو منه منزل , إلا من بلغ به الفقر منتهاه , فكان من أعظم المصالح , وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده وإخراجه لكل الناس .

وقالوا كذلك : إن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة , وسد الخلة , فأوجب من التمر صاعا , ومن البر نصف صاع ؛ وذلك لكونه أغلى ثمنا لقلته بالمدينة في عصره , فدل على أنه اعتبر القيمة , ولم يعتبر الأعيان إذ لو اعتبرها لسوى بينها في المقدار ,

وقد أخذ بهذا الرأي مجمع الفقه الإسلامي بالسودان والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث , وتاخذ به أيضا دار الإفتاء المصرية ؛ حيث نص في بعض فتاويها " ... فنرى أن هذا المذهب - مذهب أبي حنيفة – هو الأوقع والأرجح , بل نزعم أن من خالف من العلماء قديما لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة , ويظهر لنا هذا من فقههم , وقوة نظرم " ورجح كذلك العلامة / احمد بن الصديق الغماري في كتابه " تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال " حيث رجح فيه مذهب الحنفية ؛ مؤيدا ترجيحه بأدلة عديدة وصلت إلى اثنين وثلاثين وجها.

القول الثالث : التفصيل حسب مصلحة الفقير فيجوز إخراج القيمة عند الحاجة , أو المصلحة الراجحة , ونصوص الإمام أحمد تدل على ذلك , وهو رأي فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق عليه رحمة الله ؛ حيث مضمون رأيه أنه يمكن العمل بالقولين حسب مصلحة الفقير , وحسب البيئة , ففي القرى في الغالب يكون الحب أنفع للفقير , وفي المدن الكبرى يكون الأنفع النفود أو القيمة .

ومن أجوبة الدكتور محمد أحمد لوح من دولة السنغال حيث أجاب على سؤال مفاده : ما حكم إخراج زكاة الفطر نقدا ؟ مؤيدا أصحاب القول الثالث بقوله : واستدلوا لذلك بما رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم من أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم : ائتوني بعرض الثياب قميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم ، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ” ومما يلحق بالمصلحة والحاجة المجيزة لإخراج النقد مكان الأصناف المذكورة في زكاة الفطر إذا كان يترتب على إخراجها طعاماً مشقة ، فلا حرج فيه شرعاً لهذا من أدرك روح هذه الشريعة ومقاصدها علم أن إخراج زكاة الفطر نقداً في هذه العصور أقرب هذه الأقوال إلى الصواب ؛ لما فيه من المصلحة المحققة ودفع المشقة الواقعة ومما يؤكــــــــد ذلك :

1- أن إخراج زكاة الفطر بالقيمة قد شاع قبل انقراض جيل الصحابة حتى قال أبو إسحاق السبيعي – أحد أئمة التابعين – : ” أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام “ ( رواه ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد جيد) .

2 - أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .

3 - الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج القمح – وهو غير منصوص عليه – عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث الصحيحة , وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : أن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشـــــــــــــعير والمانعون المعاصرون قالوا بجواز إخراجها من الأرز – وهو غير مذكور في الأحاديث – إذا كان غالب قوت البلد ، مع العلم أن الشارع لم يقل أبدا : أخرجوه من غالب قوت البلد ، وإنما هو اجتهاد نظر فيه إلى المصلحة ، والمصلحة هي التي تقتضي إخراجها نقدا.

4 - ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر ، فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحــو ذلك . 

۵ - أن المقصود من الزكاة : إغناء الفقراء ، والمال أنفع لهم في هذا العصر بلاشـك 

6 - أن كثيرا من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه بأقل من ثمنه ، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثــل . 

7 - أن العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر ،حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة ، فكان في توجيه الشارع تحقيق المصلحة ودفع المشقة ، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم>

وقال أ , د / عباس شومان وكيل الأزهر السابق مؤيدا هذا الاتجاه : " العبرة بما هو أنفع للفقير , ولا يخفى على أحد أن الأنفع للفقير هو النقد , فبه يتمكن الفقير من شراء الملابس أو غيرها مما هو في أشد الحاجة إليه بخلاف الطعام فمثلا إذا أخذ أهل القاهرة حبوب القمح فماذا يصنعون بها ؟ وإذا أخذ من لا يأكل أرزا الأرز , فغالبا سوف يبيعه لنفس البائع الذي اشتراه منه المزكي وطبعا بسعر أقل من سعره الذي باعه به للمزكي انتهى – وقد حدث هذا مع كاتب المقال في مكة أم القرى كثيرا –.

وشدد عضو هيئة كبار العلماء: لا تعطوا هذا الأمر أكثر مما يستحق , فمن أراد أن يخرج طعاما من الأصناف المذكورة في النصوص فليفعل ما دام أن فيه مصلحة , ونفعا للفقير , ومن أراد أن يخرج نقدا , فليخرج نقدا ما دام أنه أيسر له وأنفع للفقير , فالأصناف المذكورة في الروايات لم يتقيد بها فقهاء السلف , بل قالوا : المقصود طعام أهل البلد , وليس خصوص التمر , أو الزبيب , وحيث جاز الخروج على المنطوق به وإخراج غيره كالقمح والذرة فإنه يجوز إخراج القيمة نقدا لنفس السبب , فما أجاز الفقهاء الانتقال من التمر إلى الأرز , أو الذرة مثلا إلا لكونهما الأنفع للفقير " ولا داعي إطلاقا لهذه الزوبعة الموسمية كل عام فالقواعد تقول : " لا ينكر المختلف فيه ".