الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شيخ الأزهر: ما أحوج عصرنا إلى هدي القرآن وما يحدث لفلسطين سيكتب دمًا ودموعًا

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

أهدى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الرئيس عبد الفتاح السيسي، في احتفالية السابع والعشرين من شهر رمضان، التي تنظمها وزارة الأوقاف لتكريم حفظة القرآن الكريم من مصر ومختلف دول العالم، الإصدار الثاني لمجلة الأزهر، وهي أهم حدث علمي وثقافي في عام 2024م.

ويظهر الإصدار الثاني لمجلة الأزهر في 106 مجلدات فاخرة، ويبلغ عدد صفحاتها 100328 صفحة، من سنة 1349هـ إلى 1423هـ، الموافق 1930م إلى 2002م،  رُوعي في طباعتها أعلى معايير الطباعة الفنية وأرقاها وأجودها.

وتعد مجلة الأزهر إحدى القنوات الثقافية التي تعبر عن مكانة مصر وريادتها في بث روح الدين وتعاليمه وأخلاقه في أرجاء العالم، ودليل صدق على ما تحمله نفوس المسلمين في العالم تجاه مصر وأزهرها الشريف، وعلمائه الكبار.

كما أكد شيخ الأزهر الشريف، أن حالة التنازع والتفرق التي ‏درج عليها أبناء أمتنا العربية ‏منذ أمد بعيد، قد أصابت الجميع بما يشبه حالة «فقدان التوازن» ‏‏وهو يتصدى لعظائم الأمور، وأعجزته عن مواجهة أزماتهم ‏المتلاحقة مواجهة دقيقة، ومن يدقق ‏النظر في خارطة وطننا ‏العربي والإسلامي؛ يأسى كثيرا وطويلا، لما آل إليه الحال في ‏‏فلسطين، وغيرها من دول عزيزة على قلوبنا، وسرعان ما يخلص ‏إلى يقين لا يقبل النقيض، ‏هو: أننا لن نستعيد قدرتنا على النهوض ‏والتقدم ومواجهة أزماتنا مواجهة مسؤولة، وتجاوزها ‏إلا بتحقيق ‏وحدة العرب، وتطبيق سياسة التكامل الاقتصادي، وتغليب ‏المصالح العامة، والاتفاق ‏على رؤى مستقبلية، وخطط مشتركة ‏مدروسة وقابلة للتنفيذ.‏

ودعا شيخ الأزهر خلال كلمته اليوم، السبت، باحتفالية ليلة القدر بحضور الرئيس عبد الفتاح ‏السيسي، إلى ضرورة التنبه إلى مستوى التعامل العربي تجاه ما يحدث في ‏فلسطين، وقال إن "تعاملنا مع قضية فلسطين والقدس ‏الشريف لا يعكس حجم ما أنعم الله به ‏علينا من ثروات بشرية ‏وطبيعية هائلة، ومن طاقات جبارة لا تنفذ، ومن عقول خلاقة في ‏كل ‏ميادين الحياة المعاصرة: العلمية والاجتماعية والسياسية ‏والاقتصادية، وقبل كل ذلك: من إيمان ‏راسخ بالله تعالى وثقة لا ‏تهتز في رحمته بالضعفاء والمستضعفين.. وأنه بالمرصاد ‏للجبارين ‏والمتكبرين، وأنه ليس بغافل عنهم، وأنه يمهلهم ويمد لهم ‏حتى إذا ما أخذهم فإنه لا يفلتهم".‏

وأضاف فضيلة الإمام الأكبر أنَّ ما تعج به منطقتنا اليوم ‏من مآس وآلام وأحزان ومشاعر سوداء-‏يجب أن يمثل نقطة تحول ‏حاسم بين عهد عربي مضى، وعهد جديد تأخذ فيه الأمة العربية ‏‏والإسلامية بأسباب القوة والمنعة المدعومة بالإيمان بالله تعالى، ‏وبقيم الإسلام والأديان الإلهية؛ ‏كي تستحق مكانتها اللائقة ‏بتاريخها وحضارتها.

وأشار إلى أنَّ الخطوة ‏الأولى الصحيحة على ‏هذا الطريق هي قوله تعالى: ‏﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ ‏‏الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]، ومعنى: (فَتَفْشَلُوا) أي: «تَجْبُنوا»، ومعنى: ‏‏(وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: ‏‏«تخورَ قُواكم وتَذْهبَ دُولكم، وتَبيدَ ‏حضاراتكم». ‏

وخلال كلمته، دعا شيخ الأزهر علماء الأمة إلى النهوض -في غير إبطاء- لتحقيق وحدة ‏علمائية تجمع رموز ‏الإسلام من سنة وشيعة وإباضية وغيرهم ممن هم من أهل القبلة، ‏‏يجتمعون بقلوبهم ومشاعرهم -قبل عقولهم وعلومهم- على مائدة ‏واحدة؛ لوضع حدود فاصلة بين ‏ما يجب الاتفاق عليه وما يصح ‏الاختلاف فيه، وأن نقتدي في اختلافاتنا باختلاف الصحابة ‏‏والتابعين، ذلكم الاختلاف الذي أثرى العلوم الإسلامية، وحولها ‏إلى معين لا ينضب من اليسر ‏واللطف والرحمة، وأن نوصد الباب ‏في وجه اختلافاتنا المعاصرة، التي أورثتنا الكثير من ‏الشقاق ‏والنزاع والضغائن والأحقاد، وقدمتنا لقمة سائغة للأعداء ‏والمتربصين.‏

واختتم شيخ الأزهر كلمته بالتأكيد على ثقته بأن اتفاق علماء الأمة سوف يثمر ‏بالضرورة اتفاق ‏قادتها، وسوف يدفعهم إلى تحقيق المصالح ‏القطرية في إطار المصلحة العربية والإسلامية، وهم ‏قادرون على ‏ذلك بفضل الله تعالى وعونه.‏

كما تقدم فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بالتهنئة إلى الرئيس عبد ‏الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ‏ولشعب مصر الأبي الكريم، ولعالمنا العربي والإسلامي ‏بأجمل التهاني وأخلص الأماني بمناسبة الاحتفال بليلة ‏القدر؛ الليلة التي بدأ فيها نزول القرآن ‏على قلب نبينا محمد ﷺ، ‏نورا يهدي به الله من يشاء من عباده، ويخرجهم به من الظلمات ‏إلى ‏النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم.‏

وقال شيخ الأزهر خلال كلمته اليوم السبت باحتفالية ليلة القدر بحضور الرئيس عبد الفتاح ‏‏السيسي، رئيس الجمهورية، إن الله تعالى وصف القرآن بأنه: ‏«الكتابُ الحكيم»، وأنَّه: «الكتابُ ‏المبين»، وأنَّه: «الحقُّ»، وأنَّه: ‏‏«تبيانٌ لكلِّ شيء»، وأنَّه: «هُدًى ورحمة»، وأنَّه: «لا ريبَ ‏فيه»، ‏وأنَّه: الكتاب الذي: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ ‏‏[فُصِّلَتْ: 42]، أنزله الله ‏‏«بالحقِّ والميزان ليَحكُمَ بين النَّاس»، إلى صفات أخرى كثيرة من ‏صفات الجلال والجمال ‏والكمال التي قدمت هذا الكتاب الكريم ‏للناس، وأغرتهم بتلاوة ألفاظه وتدبر معانيه، وكيف لا! ‏والمتكلم به ‏هو الله -سبحانه وتعالى- ‏﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النِّساء: 87]، ‏﴿‏وَمَنْ أَصْدَقُ ‏مِنَ اللّهِ ‏قِيلاً‏﴾‏، ومبلغه هو أفصح ‏الناس وأبلغهم، وأعلمهم بمرامي كلامه، وأسرار فصاحته ‏وبيانه.. ‏

وأكد فضيلته أن الأحداث القاسية التي نعيشها صباح مساء، تثبت -دون ‏أدنى ريب- أن الإنسانية ‏لم تكن في عصر من عصورها بحاجة إلى ‏هدي القرآن الكريم، وهدي أمثاله، من الكتب ‏المنزلة- بمثل ما هي ‏عليه اليوم، فقد أصبح واضحًا أن عالمنا المعاصر فقد القيادة ‏الرشيدة ‏الحكيمة، وراح يخبط خبط عشواء، بلا عقل ولا حكمة ولا ‏قانون دولي، وبات يندفع -بلا ‏كوابح- نحو هاوية لا يعرف التاريخ ‏لها مثيلا من قبل.‏

وتحدث شيخ الأزهر عن عقود من علاقات الحوار الحضاري بين الأمم ‏والشعوب، وأنه من ‏المؤسف أننا استبدلنا بها -وعلى نحو متسارع غريب- علاقات ‏الصدام والصراع، وسرعان ما ‏تحول هذا الوضع البائس إلى ‏علاقات صراع مسلح تطور أخيرًا إلى صورة بالغة الغرابة ‏والشذوذ في تاريخ الحروب والصراعات المسلحة.. أبطال هذه ‏الصورة قادة سياسيون ‏وعسكريون، من ذوي القلوب الغليظة التي ‏نزع الله الرحمة من جميع أقطارها، يقودون فيها ‏جيشًا مدججًا ‏بأحدث ما تقذف به مصانع أوروبا وأمريكا من أسلحة القتل ‏والدمار الشامل، ‏ويواجهون به شعبًا مدنيًّا أعزل، لا يدري ما القتل ولا القتال، وليس له عهد من قبل بسفك ‏الدماء، ولا بمرأى جثث الأطفال والنساء والرجال ‏والمرضى، وهي ملقاة على قوارع الطرقات ‏أو مغيبة تحت أنقاض ‏ومبان مهدمة في الأزقة والحواري.‏

وتابع فضيلته أن كل ما يعرفه شعب غزة ‏البريء البسيط، هو أن أقداره شاءت أن يلقى ربه ‏شهيدا، وشاهدا ‏على جرائم الإبادة والمحرقة الجماعية، من طغاة القرن الواحد ‏والعشرين بعد ‏الميلاد، والذي بشرونا بأنه: قرن العلم والتقدم ‏والرقي، وقرن الأخلاق الإنسانية والحرية ‏والديموقراطية وحقوق ‏الإنسان، وغير ذلك من الأكاذيب والأباطيل التي انطلت على ‏كثيرين ‏منا، وحسبوها حقائق ثابتة من حقائق الأذهان والأعيان؛ ‏فإذا هي اليوم، وكما يقول القرآن ‏الكريم: ‏﴿‏كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا‏﴾‏ [النور: 39].‏

ورأى شيخ الأزهر أن ثالثة الأثافي تتمثل في أن المؤسسات الدولية والمواثيق العالمية، ‏وفي ‏مقدمتها: مؤسسة الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق ‏الإنسان، وغيرهما من المنظمات التي ‏تتعهد موادها الأولى في قوانينها ومواثيقها بحفظ ‏السلام والأمن الدوليين، ومبدأ المساواة بين ‏الدول الأعضاء، ‏وتحريم استخدام القوة، بل تحريم مجرد التهديد بها في العلاقات ‏الدولية، ‏والامتناع التام عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. ‏هذه المؤسسات تقف اليوم عاجزة، بل ‏مشلولة شللا رباعيا أقعدها ‏عن تنفيذ بند واحد مما تعهدت بتنفيذه، ولطالما غلبت على أمرها، ‏‏وعلى إرادتها وقراراتها التي تحظى بأغلبية ساحقة من الدول ‏الأعضاء، بعدما تجهضها ‏تدخلات سافرة من قوى مستبدة، مدربة ‏على كتمان الحق حينا، وإلباسه ثوب الباطل حينا آخر، ‏والغطرسة ‏والجفوة والعجرفة أحيانا كثيرة.‏

واستنكر شيخ الأزهر ما قال إنَّ الأدهى من ذلك والأشد مرارة وهو تدخل القوى الكبرى ‏شريكًا ‏داعمًا بمالها الوفير وأسلحتها الفتاكة لقوة غاشمة، وهي تعلم ‏علم اليقين أنها ستسحق به الضعفاء ‏والمستضعفين من الرجال ‏والنساء والأطفال والمرضى، وتجيعهم وتحيطهم بضغوط لا قبل ‏لهم ‏بها، حتى إذا ما خرجوا من ديارهم وأموالهم، وهاموا على ‏وجوههم في الطرقات صبوا فوق ‏رؤوسهم من عذاب الجحيم ما ‏سيكتبه التاريخ دمًا ودموعًا في أسود صفحاته وأحلكها ظلما ‏‏وظلاما.‏