في أكبر زلزال سياسي تعرض له حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، والذي يتزعمه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أسفرت نتيجة الانتخابات المحلية انتصارا كبيرا لأحزاب المعارضة التركية العلمانية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري، وهو ما يعرض المستقبل السياسي لأردوغان للتهديد الشديد، خصوصا أن الفائز الأكبر بتلك الانتخابات، هو منافسه المحتمل الأكبر على زعماة تركيا أكرم إمام أوغلو، حيث استطاع أن يحافظ على منصبه كرئيس بلدية في إسطنبول أكبر مدن بلاد الأستانة.
[[system-code:ad:autoads]]
وبحسب النتائج شبه النهائية، فقد تعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لضربة قوية يوم الأحد، حيث أظهرت النتائج الأولية أن حزب المعارضة الرئيسي في البلاد حقق انتصارات في الانتخابات الإقليمية في جميع أنحاء البلاد، وقد تمسك حزب الشعب الجمهوري المعارض بالسيطرة على أكبر خمس مدن في البلاد أو استولى عليها في انتخابات يوم الأحد، والتي كان يُنظر إليها على أنها لحظة نجاح أو فاصل لحركة لا تزال تعاني من فوز أردوغان في المنافسة الرئاسية التركية في مايو 2023.
31 مارس حقبة جديدة.. السيطرة على ثلث اقتصاد تركيا
وبحسب تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو الأمريكية، فقد شهد حزب الشعب الجمهوري أكبر انتصار له في إسطنبول، حيث أعيد انتخاب أكرم إمام أوغلو رئيسًا للبلدية، وتمثل إسطنبول، أكبر مدينة في أوروبا، 18 بالمئة من سكان تركيا وثلث اقتصادها، وفي خطاب النصر الذي ألقاه في وقت متأخر من يوم الأحد، قال إمام أوغلو إن نتائج الانتخابات المحلية سيكون لها آثار كبيرة على المستقبل السياسي للبلاد.
وتابع أوغلو: "سوف تزدهر تركيا في حقبة جديدة من الديمقراطية اعتبارًا من الغد، فيوم 31 مارس 2024 هو اليوم الذي ينتهي فيه التآكل الديمقراطي وتبدأ الديمقراطية في التعافي"، ويُنظر إلى إمام أوغلو على أنه منافس مستقبلي لأردوغان، ويعتبر الفوز بالمدينة التي أوصلت الرئيس الحالي إلى الصدارة الوطنية عندما فاز بمنصب عمدة المدينة قبل 30 عامًا إنجازًا رمزيًا.
بعد إرسال 17 وزيرا للمدينة .. أردوغان يعترف بالهزيمة
ومن جانبه اعترف أردوغان بالهزيمة ووعد بالاستماع إلى الرسالة التي يوجهها الناخبون الأتراك، وقال: "31 مارس ليس النهاية بالنسبة لنا، بل نقطة تحول"، وكان الزعيم التركي الذي تولى منصبه كرئيس أو رئيس للوزراء منذ عام 2003، قد تعهد باستعادة المدينة التي بدأ فيها مسيرته السياسية، وأرسل ما لا يقل عن 17 وزيراً حكومياً للقيام بحملة في إسطنبول قبل التصويت.
كما فاز حزب الشعب الجمهوري في العاصمة التركية أنقرة، وكذلك في إزمير وبورصة وأضنة، مما رفع دعمه إلى 37.4 في المائة على مستوى البلاد بعد فرز أكثر من 90 في المائة من الأصوات، وتأخر حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يتزعمه أردوغان بنسبة 35.7 في المئة، وخسر معاقل المحافظين بما في ذلك أديامان وأفيون قره حصار وزونجولداك.
العوامل الاقتصادية كانت الحاسمة
وعن أسباب تلك الهزيمة الكبرى، تقول سيلين ناسي، الزميلة الزائرة في المعهد الأوروبي بكلية لندن للاقتصاد، إن الانتخابات تشير إلى أن العوامل الاقتصادية تغلبت على تنوع سياسات الهوية التي ينتهجها أردوغان، حيث تواجه تركيا تضخما مرتفعا منذ عدة سنوات، ووفقا للأرقام الرسمية، لا تزال الأسعار ترتفع بنسبة 67 بالمئة سنويا.
وتوضح ناسي: "لقد عاقب الناخبون المحافظون حزب العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع بسبب أزمة تكلفة المعيشة"، مضيفاً أن حزب الشعب الجمهوري توسع إلى ما هو أبعد من معاقله الساحلية، وزاد من أصواته في قلب الأناضول في تركيا، وأضافت ناسي أن الانتخابات لن "تضخ حياة جديدة في حزب الشعب الجمهوري" فحسب، بل ستعزز أيضًا موقف إمام أوغلو، الذي فاز سابقًا بمنصب عمدة المدينة مرتين في عام 2019 بعد أن ألغت السلطات انتخابه الأولي، إنه السياسي الوحيد الذي نجح في التغلب على أردوغان ثلاث مرات".
الحسم بـ51%
اكتسح إمام أوغلو المدينة الكبرى بأكثر من 51% من الأصوات، بينما يتخلف عنه مرشح حزب العدالة والتنمية مراد كوروم بحوالي 10 نقاط، وكان من الممكن أن يمنح النصر في إسطنبول - التي تعتبر على نطاق واسع صورة مصغرة لتركيا - لأردوغان الزخم السياسي والموارد الاقتصادية للمضي قدمًا في هدفه المتمثل في تعديل الدستور لإطالة فترة وجوده في منصبه.
من جانبه أشاد أوتكو جاكيروزر، عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، بالنتيجة ووصفها بأنها تحذير من الناخبين لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، وقال لصحيفة بوليتيكو: "لقد أعطى الناخبون بطاقة صفراء للحكومة"، معتبراً أنه في ظل الدعم الهائل خلف المعارضة، فإنه يرى الآن أن إجراء انتخابات مبكرة أكثر احتمالاً.
اختبار لرئاسيات 2028
وطوال الحملة، حرص أردوغان على تنظيم تجمعين إلى ثلاثة تجمعات كل يوم، مستفيدا من تغطية إعلامية رسمية غير محدودة، لذلك لن تكون تداعيات هزيمة حزبه العدالة والتنمية في إسطنبول سهلة عليه، فقد شكل فوز إمام اوغلو ببلدية إسطنبول في 2019 أسوأ هزيمة انتخابية للرئيس التركي منذ وصوله إلى السلطة في 2003 كرئيس للوزراء.
ومنذ ذلك الحين بات رئيس البلدية بين الشخصيات السياسية المفضلة لدى الأتراك، وظهر كمنافس مباشر لأردوغان، رغم أن الأخير وصفه بأنه "رئيس بلدية بدوام جزئي"، وقد تشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة منافسة بين الرجلين اللذين يتحدران معا من منطقة البحر الأسود.
لكن أردوغان (سبعون عاما) أكد بداية مارس أن الانتخابات البلدية ستكون "الأخيرة" بالنسبة إليه، ملمحا إلى أنه سيغادر الحكم في 2028، إلا إذا تم تعديل الدستور ليتاح له الترشح مجددا، وقد قام بتلك الخطوة من قبل.
من جانبه، اعتبر رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر تشكيل معارض في تركيا، أوزغور أوزيل مساء الأحد أن "الناخبين اختاروا تغيير وجه تركيا" بعد 22 عاما من هيمنة حزب العدالة والتنمية الإسلامي المحافظ.