الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نسرين حجاج تكتب: نعمة الأڤوكاتو

صدى البلد

يقول الفقيه الدستوري د. عبد الرزاق باشا السنهوري: "المحاماة فن قبل أن تكون مهنة". ولأن حقيقة دور المحامي تكمن في دراسة الوقائع، فكان لزامًا على مي عمر أن تتقمص روح نعمة الأڤوكاتو، وتدرس وقائع قضاياها لتهز قاعة المحكمة بمرافعاتها، وتبهرنا بشخصية نعمة الأڤوكاتو .

الأنيقة دومًا مي عمر رسمت للشخصية خطوطًا عريضة لتساعدها على أداء هذا الدور التقليدي، الذي أدّته على نحو غير تقليدي، وبخفة دم وظل، فخطفتنا حلقة تلو أخرى. 

اهتمت مي بأدق التفاصيل، من ملابس، وطريقة كلام، وحركة يد، حتى حقائب اليد تعلق الجمهور بلزماتها "لزمة التربون"، وكلمة "يا لهوي"، وخلع الحذاء .

دور نعمة الأڤوكاتو أعاد إلينا هيبة هذه المهنة الجليلة. وهو دور قد يبدو عاديًا، ولكنه يتضمن عدة تحولات نفسية أجادتها مي، بداية من الزوجة العاشقة الساذجة، مرورًا بالأڤوكاتو التي تهز قاعات المحكمة لشطارتها، "وبنت البلد الجدعة المخدوعة والمنتقمة"، فكان التحدي صعبًا، خصوصًا أن منتقدي مي، والمتربصين بها وبالمخرج محمد سامي كل عام جالسون في المقاعد الأولى.

ولأن مي لا تركز في شيء غير الورق، فهى تحفظ مشاهدها، وتمسك بأدواتها، وقد لاحظنا جميعًا تطور أدائها، فهي جديرة بالاحترام لالتزامها الفني، ولحبها للفن، ومسؤوليتها في اختيار أدوار مميزة.

دور نعمة جذب نوعية جديدة من الجماهير؛ فنعمة سيدة من الطبقة المتوسطة، تشبه الكثيرات، فظهرت كمعظم السيدات بحجابها وبساطتها، فهي امرأة عاملة تنفق على منزل الزوجية دون أن تجرح زوجها، وتعطيه مالها دون أن يعرف، ليتغير عليها بمالها، فأصبح هذا المال لعنة على حياتهما. وقد كانت هناك عدة مشاهد "ماستر سين" لمي، أهمها وجودها داخل القبر .

وقد استوقفتني عدة ملاحظات، منها مشهد جرح نعمة وتضميد الجرح وهى بالمستشفى، فقد كان ضعيفًا على قوة الضربة، وكنت أتوقع جرحًا غائرًا، مع تضميد الجرح على نحو احترافي لأن المشاهد يقف عند هذه التفاصيل الصغيرة؛ ولأن هذا عمل لمحمد سامي، فتوقعاتنا تكون بحجم محمد سامي، مع العلم أن نعمة لها مشهد أكثر من رائع، وواقعي، عندما كانت تغير على جرحها بنفسها، وهذه تفصيلة لا يهتم بها كثير من المخرجين .

أما مخرج العمل المبدع محمد سامي، هذا المايسترو العبقري، الذي يمسك بزمام كل الأمور، ولا يترك شيئًا للمصادفة، الذي يبصم بكل ثقة على كل عمل يدخله، ويثبت للثرثارين أن نجاحه ليس وليد المصادفة أو الحظ؛ وإنما هو وليد عمل، وتعب، واجتهاد، هذا الرجل أصبح "ماركة مسجلة"، فالمخرج معني بمكان التصوير، والصوت، والديكورات، والتمثيل، والمونتاج، فهو مايسترو يرسم عناصر النجاح، فتكون هذه النتيجة المبهرة لكل عمل يدخله .

هو صاحب علامة مسجلة للنجاح، مع أن كثيرين ينتقدونه دون أن يروا أعماله، وهو يثبت لنا دومًا أنه وزوجته مي عمر ثنائي فني ناجح جدًّا، تنجح بدونه، وينجح هو ويبهرنا بدونها، فهما "طابع البريد" الذي يسجل حضورًا على أي "ظرف" رمضاني، ويكون عنوانه خلطة سرية جدًّا  .

وإذا ما تحدثنا عن بقية أبطال العمل، فنبدأ بأحمد زاهر، الذي يتفوق دائمًا على نفسه، وتقمصه للشخصيات غير عادي، فهو ينسينا زاهر ويلبس  الدور، فهو علامة نجاح لأدوار الشر التي يتقنها؛ وذلك لأنه مدمن مذاكرة، ومنتبه دائمًا لأي تفصيلة، وأي تغير يطرأ  على السيناريو، ودقيق جدًّا، ويحب أن يكون كل شيء كما قال الكتاب، ولهذا دائمًا ما يكون نجاحه نتاجًا لتعب، ومسؤولية، وحرص على العمل .

ثم يأتي كمال أبورية، وهو ممثل من العيار الثقيل، شاهدته وأنا أستمتع بدور الأب البسيط، صاحب الدم الخفيف، فهو أب غير تقليدي حنون، صاحب مبادئ وقيم، وخفة دمه مع صديقه "كراسي" تخفف من شدة بعض المشاهد، ولحيته تشبه لحى كثير من الآباء فهى غير مهذبه كأي رجل بسيط، وحنانه على ابنته الوحيدة أضفى دفئًا على بعض المشاهد، فجاء مشهد عودة نعمة إلى حضنه رائعًا، خاصة بعدما أدمى قلوبنا وقت التعرف على الجثة .

أما أروى جودة فقد دهشت من أدائها الأكثر من رائع، ومن تقمصها لدور سارة، ونظرة الكره في عينيها، وملامح وجهها وهى تقول لنعمة "بكرهك"، تفوقت على نفسها، ولأول مرة أراها بهذا الأداء العالي، والتلاعب بصوتها، صوت الحاقدة، وبعد ذلك التلون بالصوت الناعم الدافئ للمرأة اللعوب، ولها عدة مشاهد تستحق عنها جائزة، خصوصًا مشهد "الخناقة" .

ثم نأتي إلى عماد زيادة.. ماذا أقول عنك يا ياسين؟! فقد أصبحت حلمًا لكل السيدات في الوطن العربي، جعلتنا نحب ياسين الألفي بتفاصيله الصغيرة، بشهامته، ورجولته، وسنده لنعمة، ورومانسيته المفقودة في هذا الزمن، فجعل المشاهد ينتظر مشاهده الرومانسية ويتفاعل معها، فعيناه كانتا تفيضان حبًا وصدقًا لنعمة. وقد تميز زيادة في أداء ياسين بخفة دمه، وتلقائيته، وخجله، فكان سببًا في تغيير الصورة الذهنية لرجال الأعمال الفاسدين، الذين يقتحمون جميع سيناريوهات الدراما المصرية، مما أثر سلبًا في صورة رجال الأعمال بين مواطني المجتمع المصري .

أما سامي مغاوري، وامتزاجه مع كمال أبورية ليكونا ثنائيًّا مرحًا وغير تقليدي، فكان وجوده وحضوره مميزين .
وهناك ممثلون كانوا أصحاب أداء متميز، مثل غادة فلفل، التي قامت بدور نوال، حماة نعمة الشريرة، أداؤها ممتازًا، وأجادت الدور، وتركت بداخلنا كرهًا عميقًا، وهذا دليل نجاحها .

ومن الأدوار المميزة في العمل أيضًا، دور محمد، الذي قام به محمد دسوقي، فهو دور مساحته صغيرة، لكنه كان مؤثرًا جدًّا في السياق البنياني للأحداث، فاختيار محمد، صاحب البسمة الجميلة البريئة، والأداء الصادق، خدم الدور، فجاء مشهد موته وبكائه مفاجأة للجماهير .وكذلك دور صديق صلاح، الذي أدّاه محمود غريب، فقد كان أداؤه رائعًا. 
هذه الأدوار، مع أنها أدوار صغيرة، لكنها كانت مهمة جدًّا ومؤثرة في الأحداث.

ولأن الموسيقى التصويرية هي المعادل المسموع للمشهد، جاءت لتدب في قلوبنا فرحًا مع كل انتصار ونجاح لنعمة، أو صوتًا لانكسارها وحزنها، ولتتفاعل مع المشهد. وقد كان صوت "الكولة" اختيارًا ممتازًا لتعبر عن حزن المشهد. 
أغنية المقدمة كانت لأصالة، ولأنها سيدة المواقف الصعبة جاء صوتها- ببحتها المعروفة- معبرًا عن قصة نعمة .
والمفاجأة كانت للصوت الجديد بسمة بوسيلي، التي غنت رباعيات لبعض المشاهد، وتتر النهاية، فقد كان صوتها دافئًا، وكانت تجربة جديدة.

أما مشهد النهاية فكان جميلًا، مملوءًا بالسعادة؛ ياسين يحمل سعيد، ابن نعمة، التي تغيرت حياتها بوجود الرجل الذي يفيض حبًا، ويشع أمانًا على حياتها.
وهنا أختم مقالي بأجمل ما جاء به المسلسل:
"حينما يهتم الرجل بجميع تفاصيلك الصغيرة قبل الكبيرة، فاعلمي حينها أنّه يحبك حبًا صادقًا"، وهكذا كان ياسين الألفي في حياة نعمة سعيد أبو علب.. رمضان كريم!