نعلم جميعًا الكثير عن سورة الفلق وهي إحدى المعوذتين التي نتعوذ بها من الحسد والعين وشرور الشياطين ، كما أنها من سور القرآن القصيرة بل أن أغلبنا يحفظها عن ظهر قلب ويداوم على التعوذ بها من كل شر، إلا أن كل هذا لا يعني أننا نعرف كل أسرار سورة الفلق ، فتلك السورة ورغم قلة آياتها فإنها تحوي الكثير من الخفايا والعجائب والفضائل التي ينبغي معرفتها واغتنامها ، خاصة وأننا في شهر رمضان وهو شهر القرآن ، لذا ينبغي أن نتعرف أكثر على سورة الفلق لعلها تقربنا أكثر وتنجينا من المهالك.
[[system-code:ad:autoads]]
سورة الفلق
تعد سورة الفلق من قصار السور، وعدد آياتها هو خمس آياتٍ، وفيها قال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ* وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ* وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ}.
وقد اختلف أهل العلم في مكان نزولها، فقال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر إنّها سورة مكيّةٌ، وقال ابن عباس وقتادة إنّها مدنيةٌ، وغالب الروايات على أنَّ نزولها كان مبكّراً؛ أي أنَّه في مكّة، كما أنّ أسلوب السورة يسوِّغ ترجيح مكيّتها وتبكير نزولها.
سبب نزول سورة الفلق
قيل في سبب نزول سورة الفلق ما ورد في أثرٍ بأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قد أصابه سحرٌ من أحد اليهود، فاشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فنزل عليه جبريل -عليه السلام- بالمعوِّذتيْن -سورة الناس والفلق-، وأخبره بمكان وجود السحر، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- وأمره بأن يحلَّ العقد وقرأ الآيات.
وورد عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه-: (سَحَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ مِن اليهودِ، قال: فاشتَكى لذلك أيَّامًا، قال: فجاءه جِبريلُ عليه السَّلامُ فقال: إنَّ رَجُلًا مِن اليهودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لك عُقَدًا في بِئرِ كذا وكذا، فأرسِلْ إليها مَن يَجيءُ بها، فبَعَثَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليًّا رَضيَ اللهُ عنه، فاستخرَجَها، فجاء بها، فحَلَّها، قال: فقام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنَّما نَشِطَ مِن عِقالٍ، فما ذَكَرَ لذلك اليهوديِّ، ولا رَآه في وَجهِه قَطُّ حتى مات).
مكان نزول سورة الفلق
تعدّدت الآراء في مكان ووقت نزول سورة الفلق، فقيل إنَّها سورةٌ مدنيَّةٌ نزلت في المدينة المنوَّرة بعد هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا القول على حسب رأي ابن كثير، وفي قولٍ عن الحسن بأنَّها سورةٌ مكيَّةٌ، وقيل: الأظهر أنَّها سورةٌ مدنيَّةٌ، وذلك نظرًا لسبب النزول.
مقاصد سورة الفلق
احتوت سورة الفلق على مقاصد وحكمٍ جليلةٍ؛ ففيها تربيةٌ ربانيةٌ ليستعيذ المسلم بالله -تعالى- من أسباب المخاوف والهواجس، والشرور الظاهرة والباطنة، وذلك بالاعتماد على قدرة الله -عزَّ وجلَّ- ونبذ ما سواه، فهو خالق الكون ومدبّره، ومنها:
- تعليم المسلم ضرورة الاستعاذة بالله واللجوء إليه من كلِّ أمرٍ يُحذر منه في أمور الدُّنيا والآخرة.
- الإدراك بأنَّ الحاسد لا يضرُّ حسده إلَّا إذا أظهر ما في داخله من غيظ، وتصرَّف بمقتضى حسده، وإلَّا فلا يتعدى حسده عن غمَّته بفرح غيره من الناس.
- تعليم المسلم بضرورة الحذر من الليل وما فيه من حشرات مؤذية، وشياطين تساعدهم الظلمة على الحركة، وذلك يكون بالاستعاذة من الله تعالى.
- الابتعاد قدر الامكان عن النميمة، لما فيها من تقطيع أواصر المودَّة بين النَّاس، ولسوء صورتها في القرآن الكريم، فحثَّ القرآن الكريم المسلم على الاستعاذة من شرِّ كلِّ نمّام.
- استعاذة المسلم من كلِّ شخصٍ يمكن أن يتعدَّى ضرره إلى غيره.
أسرار سورة الفلق
يقول الله -تعالى- : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِن شَرِّ مَا خَلَقَ)، والفلق هو: الصُبح، فالله -تعالى- يُعلِّم عبادَه في سورة الفلق اللجوءَ إليه، والاستعانةَ به -عزَّ وجلَّ- من كلّ الشرورِ والمخاوف، وفيها أيضاً استعاذةٌ بالله -تعالى- من ظلمة الغاسق، أي: الليل.
وورد في بعض التفاسير أنّ الغاسق إذا وقب هو: القمر إذا دخل في الكسوف، قال -تعالى-: (مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، وفي السورة كذلك استعاذةٌ بالله -عزَّ وجلَّ- من شر السحرة والحسدة، قال -تعالى-: (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
ورد أنّ سورة الفلق نزلت بعد أن سُحِر النبيّ، ويستفاد من سورة الفلق لجوء المسلم إلى الله -تعالى- والاستعاذة به من كلِّ شيٍ من شأنه أن يضرَّ بالإنسان، بالإضافة إلى الابتعاد قدر الإمكان عمَّا يمكن أن يكون سببًا لاكتساب صفة الحسد، أو النميمة، لئلّا يدخل الإنسان ضمن فئة الناس المستعاذ منهم.
فضل سورة الفلق
تعد سورة الفلق سورةٌ عظيمةٌ وذلك لِما ترتّب عليها من الفضائل العديدة، ولعلّ من أبرزها حفظ العبد وتحصينه من كلّ شرٍ وحسدٍ، والاستعاذة من الشيطان وشروره أيضاً، ومن الحسد والعين والجنّ.
وقد وردت في فضلها العديدُ من الأحاديث النبوية الشريفة يُذكر منها: قال النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- للصحابي عقبة بن عامر -رضي الله عنه-: (يا عقبةُ أَلا أُعَلِّمُكَ سِوَرًا ما أُنْزِلَتْ في التوراةِ ولا في الزَّبُورِ ولا في الإنْجِيلِ ولا في الفرقانِ مثلهُنَّ، لا يأْتِيَنَّ عليكَ إلَّا قرأْتَهُنَّ فيها، قُلْ هُوَاللهُ أحدٌ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
ورد عن ابن عابس الجهني -رضي الله عنه- عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: (يا ابنَ عابسٍ أَلَا أُخْبِرُكَ بأَفْضَلِ ما تَعَوَّذَ به المُتَعَوِّذُونَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ هاتَيْنِ السورَتَيْنِ).
ورد عن عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- أنّه قال: (خرجنا في ليلةِ مَطَرٍ وظُلْمَةٍ شديدةٍ نطلبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصليَ لنا، فأدركناه، فقال: أصليتم؟ فلم أقلْ شيئًا، فقال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ. فلم أقلْ شيئًا، ثم قال: قلْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما أقولُ؟ قال: قل هو الله أحد والمُعَوِّذَتين حينَ تُمسي وحينَ تُصبحُ ثلاثَ مراتٍ تُكفيك مِن كلِّ شيءٍ)، ويُراد بالمعوذتين: سورتي الفلق والناس.
ورد عن الصحابيّ الجليل أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يتعوَّذُ منَ الجانِّ وعينِ الإنسانِ حتَّى نزَلتِ المعوِّذتانِ فلمَّا نزلَتا أخذَ بِهِما وترَكَ ما سواهما)، فقد كان النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يعلِّم الصحابة الأدعية والرُقى الحافظة لهم من الشرور والسوء بإذنه -تعالى-، ومن أعظم تلك الرُقى سورة الفلق كما ورد في الحديث الشريف.