تحتفل مصر والقوات المسلحة، اليوم، بذكرى نصر العاشر من رمضان، ذلك اليوم العظيم من أيام الوطنية المصرية، الذى حققه هذا الجيل من أبناء القوات المسلحة، وجسد بطولات وتضحيات الشعب المصري فى استرداد أرض سيناء المقدسة وأعادوا لمصر عزتها وكرامتها وللأمة العربية شموخها وكبريائها.
إن ذكرى نصر العاشر من رمضان، تمثل أعظم إنتصارات العسكرية المصرية العريقة وتجسيداً لقوة الإرادة وحكمة القرار ورمزاً لالتفاف الشعب حول قواته المسلحة، لإعلاء الإرادة المصرية واسترداد العزة الوطنية وتحقق أكبر انتصار عسكرى للعرب فى العصر الحديث.
نصر العاشر من رمضان
وقد أعلى جيل نصر العاشر من رمضان الإرادة الوطنية وحرروا الأرض واستردوا لمصر عزتها وكرامتها، وقد سطر أبطال الجيش المصري البواسل صفحات مشهودة فى العاشر من رمضان والتي ستظل ذكرى ملهمة ومصدر عزة وفخر للمصريين ، صنعوا بدمائهم وتضحياتهم إنجازاً يشهد به العالم أجمع، حيث استطاع الجيش المصرى فى هذا الشهر الكريم أن يضرب أروع الأمثلة فى تحدى الصعاب وتخطي المعوقات لإيمانهم الراسخ بنصر الله.
ولأن سيناء هي أغلى وأطهر بقعة بالنسبة للمصريين، فتحتفل مصر والقوات المسلحة اليوم بذكرى نصر العاشر من رمضان، حين عبر عشرات الآلاف من أبطال القوات المسلحة، في العاشر من رمضان عام 1973، إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، لاستعادة أغلى بقعة في الوطن وهي سيناء، واستعاد المصريون الأرض، واستعادوا معها كرامتهم واحترامهم للعالم، حيث تعد حرب العاشر من رمضان، علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة فقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحا لنصر مبين.
إعداد الدولة لحرب العاشر من رمضان 1973
شهدت عملية إعداد الدولة للحرب مشاركة أجهزة ومؤسسات عديدة، واشتراك القيادات، بكل مستوياتها، ومشاركة الشعب بمختلف طوائفه، وإنفاق المال والجهد، واستخدام كل الإمكانات المتاحة، والطاقات الممكنة، الفعالة والكامنة فى كافة أبعاد قوى الدولة المادية والمعنوية من أجل استرداد سيناء من العدو الإسرائيلي.
وشملت عملية الإعداد العديد من الجوانب، منها الإعداد: "السياسي – الاقتصادي – العسكري – الشعبي – الحكومي".
أولا: الإعداد السياسي
فترة إعداد الدولة المصرية لحرب العاشر من رمضان ضد إسرائيل بدأت عقب حرب يونيو 1967 مباشرة، وذلك من خلال سعى مصر السياسى والدبلوماسى الى المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، وإلى الدول العظمى خاصة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وقد حققت مصر مكاسب دبلوماسية من هذه التحركات تمثلت فى إدانة العدوان الإسرائيلى على مصر والأراضى العربية، وإصدار القرار رقم 242 من الأمم المتحدة الذى يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضى المحتلة، إلا أن إسرائيل لم تنفذ القرار واستمرت فى الاحتلال.
كما استمر سعى مصر لقبول مبادرات السلام التى أعلنت فى ذلك الوقت مثل مبادرتى "يارنج" و"روجرز"، بالإضافة إلى مبادرات مصرية عديدة للسلام، إلا أن إسرائيل أعلنت من جانبها رفضها هذه المبادرات، وقد بدأت مصر فى تجميع القوى العربية للضغط على المجتمع الدولى وتوصلت إلى شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" فى توصيات مؤتمر القمة العربية فى الخرطوم، الذى عقد فى 29 أغسطس 1967، بمشاركة رؤساء إحدى عشر دولة عربية، هم دول المواجهة "مصر والأردن وسوريا".
وعند تولي الرئيس الراحل أنور السادات مقاليد الحكم في عام 1970، قام بدور دبلوماسى كبير واستطاع أن يوحد القوى العربية فى تحالف واحد قوى والتنسيق معهم على تنفيذ الحرب واستعادة الأرض فى ظل تعنت إسرائيل ورفضها لكل سبل السلام، وتجلت تحركات السادات وعصمت عبدالمجيد فى الأمم المتحدة وكواليسها للتغطية على استعدادات مصر للحرب.
ثانيا: الإعداد الحكومي
أنشأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مجلس الدفاع الوطنى عام 1968 وكان يتكون من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء و5 وزارات أساسية هى"الدفاع، والداخلية، والخارجية، والإعلام، والمالية"، بالإضافة إلى باقى الوزارات وعدد من الجهات السيادية، وكان الهدف من إنشاء هذا المجلس هو وجود تنسيق فعلى بين مؤسسات الدولة لتذليل العقبات فى سبيل اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة والابتعاد عن الاجراءات الحكومية الروتينية المعروفة، وتسهيل كل العقبات التى تواجه أى خطوة فى الحرب.
ثالثا: الإعداد الاقتصادى
تحول الاقتصاد المصرى قبل حرب العاشر من رمضان الى «اقتصاد الحرب»، وذلك بمعنى تعبئة جميع المصانع ومنتجاتها لاستيفاء اجتياجات القوات المسلحة أولا، كما لجأت مصر ضمن خطتها فى خداع العدو إلى توقيع تعاقدات دولية لتوريد السلع الإستراتيجية مثل القمح على مدد زمنية غير منتظمة حتى لا تلفت انتباه العدو إلى أن الدولة تقوم بتخزينها، وقد تم تحقيق الاحتياطى اللازم من هذه السلع ليكفى احتياجات الدولة لمدة 6 أشهر قبل الحرب مباشرة.
رابعا: إعداد القوات المسلحة
استطاعت مصر أن تعيد بناء القوات المسلحة وتكوين قيادات ميدانية جديدة، كما تم استحداث الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، وإعداد القيادات التعبوية الجديدة، وإعادة تشكيل القيادات فى السلاح الجوى، وإدخال نظم تدريب على كل ما هو أساسى للحرب، وكذلك التدريب على مسارح مشابهة لمسرح عمليات الحرب.
فتم إنشاء سواتر ترابية مماثلة لخط برليف على ضفة النيل وتدريب القوات على عبورها، كما احتفظت القوات المسلحة بالقوة الرئيسية من المجندين دون تسريحهم بعد انتهاء فترة تجنيدهم حتى أن بعض المجندين استمروا فى تجنيدهم لمدة 7 سنوات.
كما استعدت القوات المسلحة للحرب بكل ما هو حديث فى تكنولوجيا التسليح وقامت بتطوير أسلحة المشاه واستبدلت الدبابات القديمة بالجديدة وتم إحلال المدفعية القديمة بأخرى متطورة وتم الدفع بطائرات حديثة وإدخال طرازات جديدة من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، إلى جانب الصواريخ طويلة المدى وكذلك تطوير معدات المهندسين العسكريين وأجهزة الكشف عن الألغام وإدخال أسلحة غير تقليدية ابتكرها مهندسون مصريون مثل قاذفات اللهب المحمولة على الأكتاف ومسدسات المياه التى استخدمت فى هدم خط برليف الرملى.
كما أصدرت القيادة العامة توجيهاتها قبل الحرب للتدريب على العمليات بدأ من إعداد الجندى للقتال حتى إعداد الوحدة والوحدة الفرعية للتشكيل للحرب، والتدريب على أسلوب اقتحام الموانع المائية والنقاط القوية المشرفة على حمايتها، وأسلوب الدفاع عن مناطق التمركز والوحدات والمعسكرات لمواجهة عناصر "المتكال" المتمركزة خلف خطوط الدفاع الإسرائيلى.
كذلك إجراء المشروعات سواء على مستوى القيادة التعبوية والإستراتيجية، أو المشروعات التكتيكية للجنود على موضوعات الهجمة المنتظرة من العدو، واستمرار وتكرار هذه المشروعات ضمن ما سمى "خطة الخداع الاستراتيجى" التى وضعها المشير محمد عبد الغنى الجمسى والتى أوحت للعدو وقتها بعدم جدية مصر فى اتخاذ قرار الحرب.