فقدت مصر الأربعاء 13 فبراير 2024، علما من أعلام مهنة الطب، الدكتور حمدي السيد أستاذ جراحة القلب بجامعة عين شمس، الذي رحل عن عالمنا بعد معاناة مع المرض عن عمر ناهز 94 عاما، (من مواليد 23 أبريل 1930).
الدكتور حمدي السيد الذي تشيع جنازته بعد صلاة ظهر اليوم الخميس، من مسجد شيراتون المطار إلى مقابر العائلة بالوفاء والأمل، كان من أقطاب الحزب الوطني المنحل، وذاعت شهرته في السياسية خاصة في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك ومن قبله الرئيس محمد أنور السادات.
وفاة الدكتور حمدي السيد
كان للدكتور حمدي السيد، الذي شغل منصب نقيب الأطباء لأربع دورات متقطعة بدأها عام (1976 _ 2010) حضور قوي على الساحة السياسية، ومثلما برع في عمله كطبيب للقلب ونقيب للأطباء برع أيضا في عمله كنائب داخل مجلس الشعب، الذي انتخب فيه ممثلا عن دائرة مصر الجديدة لثلاث دورات متتالية.
خاض حمدي السيد معارك ضارية تحت قبة البرلمان، وعرف عنه تقديم الاستجوابات المتعددة ضد الحكومة، خاصة ضد وزير مالية مبارك الدكتور يوسف بطرس غالي، (بسبب ميزانية وزارة الصحة).
كما كان يطالب دائما بفرض ضرائب كبيرة على شركات التبغ وإضافتها لميزانية وزارة الصحة، وأن تضع القيادة السياسية نظام مكافحة التدخين في أولويتها كونه المتسبب الرئيسي في انتشار الأمراض السرطانية بين المواطنين، خاصة سرطان الرئة، (قدم 4 قوانين لمكافحة التدخين في مصر).
حمدي السيد الذي نعاه قطاع كبير من رجال الدولة الحاليين والسابقين وأبناء المهنة وعلى رأسهم نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي، كان ناصري الهوى ومن المؤمنين جدا بأفكار وحقبة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وكان أول من أدخل جراحة القلب المفتوح مصر عام 1965، وفقا لتصريحات صحفية سابقة له.
ونستعرض في التقرير التالي لمحات من حياة الراحل وعلاقته بزعماء مصر بداية من الملك فاروق وصولا للرئيس مبارك حتى اعتزاله العمل العام بعد تقدمه في العمر.
قال الدكتور حمدي السيد عن بدايته المهنية خلال حوار صحفي: "خلال دراستي حتى الجامعة، عاصرت حقبة فاروق كلها، كان كثير من زملائي ينخرطون في العمل الحزبي والسياسي، ولكني رفضت ذلك وركزت كل مجهودي في التعليم".
وأضاف الراحل: "تخرجت في الجامعة في ديسمبر عام 1952، وخلال حرب 1956 تم تكليفي كطبيب بشري وقضيت في الجيش 4 سنوات، حصلت خلالها على أعلى أوسمة، وسام الاستحقاق والواجب الوطني، كأحد أفضل الشباب الأطباء الذين خدموا بلادهم في الجيش".
وتابع: "سافرت إلى الخارج وجئت محملا بالآمال، ولكن واجهت صعوبات كثيرة؛ لتطبيق ما تعلمته في الخارج، حاولت العودة مرة أخرى إلى الجامعة، ولكنها رفضت طلبي، فأرسلت خطابين إلى الرئيس عبد الناصر أشكو فيهما تعنت إدارة الجامعة من عودتي، مما دفع الرئيس عبد الناصر للإنصات إلى رسائلي التي قرأها جيداً وأمر بعودتي إلى الجامعة مرة أخرى، والاستفادة مما اكتسبته من دراستي في الخارج".
وقال السيد عن هذه الفترة في حوار أجراه مع إحدى الصحف: "لولا جمال عبد الناصر كنت طفشت من البلد، لأنه بعد عودتي من الخارج كنت أحمل أفكاراً جديدة كشاب درس وتعلم فى أوروبا، لكنني واجهت مقاومة شديدة ومحاولة تسفيه وحط من كرامتي وأفكاري، (لاقيت الدنيا مقفلة) وكنت على وشك أن (أطفش) للخارج مرة أخرى، خاصة أنه عُرضت علي فرص للعمل في الخارج، ورفضت من أجل العودة إلى مصر، لأنني كنت أستبشر خيراً في الرئيس جمال مثل كل المصريين بعد أن حقق الاستقلال للبلد ويسعى لتحقيق الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة".
ولفت إلى أنه "لم يلتق الزعيم الخالد على الإطلاق، بل حصل على الأوسمة خلال تكليفه كطبيب في الجيش"، معقبا: "أرسلت له خطابين أولهما بعد عودتي من الخارج حين رفضوا عودتي إلى الجامعة، والثاني بعد تعسف إداري من قبل الجامعة، وأعتبر حقبة عبد الناصر من أعظم الحقبات التي مرت على مصر فأنا ناصري متعصب أعشق عبد الناصر".
وعن الرئيس الراحل أنور السادات قال حمدي السيد: "بداية توليه الحكم كنت أرى أن السادات جاء لكي يسلك طريقا مغايرة عن عبد الناصر، ولم تربطني به أي علاقة منذ توليه الحكم حتى استشهاده على يد عدد من أفراد الجماعات الإرهابية، ولكني أرسلت له خطابا عندما اتخذ قرارات كانت في اعتقادي خاطئة، وقلت له (يا سيادة الرئيس كنت رفيق عبد الناصر في كل الأوقات، لماذا الآن تتخذ طريقاً مختلفاً) ولكن لم يتم الرد علي رسالتي."
وأضاف: "كنت أرى السادات يريد أن يؤسس جمهورية جديدة بقوانين وقرارات جديدة ولم يخطر في بالي أن يقدم على إبرام اتفاقية السلام مع إسرائيل".
وتابع: "وأنا نقيب الأطباء في عام 1979، كانت هناك احتفالية بيوم الطبيب في شهر مارس وطلب زملائي مني إرسال دعوة إلى الرئيس السادات لحضور المناسبة، وبالفعل أرسلت دعوة إليه ولبى الدعوة بالحضور وكنت في استقباله، وكان احتفالا مبهجا للغاية وسلم عليّ، وقال لي: (شكرا علي الدعوة يا نقيب، وعاوزك تحضر معايا اتفاقية السلام مع إسرائيل وتيجي معايا أثناء تسلم العريش)".
وأردف: "حين قال الرئيس السادات ذلك "اتخضيت وقلت في نفسي يا نهار أسود، أنا مش بحب السلام مع إسرائيل، ومش هروح، ولكن زملائي أقنعوني بالذهاب مع الرئيس لحضور (مراسم توقيع) اتفاقية السلام في أمريكا واستلام العريش من الاحتلال".
أما عن الرئيس الراحل حسني مبارك، فقال “السيد”: "تم تحذيره في بداية حكمه من صعود الجماعات الإسلامية وتوغلهم وسيطرتهم على الجامعات والنقابات والشارع السياسي"، مردفا: "ناس كتير نصحوه، وأنا منهم وكان يقول: (مفيش حاجة تخوف، أنا فاهم كويس)".
وأضاف: "في أحد اجتماعات قيادات الحزب الوطني بشرق القاهرة في قصر القبة بحضور (مبارك) وبجواره كمال الشاذلي، أخذت الكلمة، فقلت إن المتطرفين سيطروا على المساجد والجامعات وزى ما أفتوا باغتيال الرئيس (السادات) هيفتوا بالأمر نفسه على حضرتك يا ريس، لأن ما ينطبق على (السادات) ينطبق عليك، وقلت له إن الإرهابي عمر عبدالرحمن زعيم الجماعة الإسلامية، حدّد 27 سبباً شرعياً لاغتيال (السادات)، وأغلبها تنطبق على حضرتك يا ريس".
وتابع: “الدنيا (ضلمت) ومحدش اتكلم، وبعد دقائق أشار «الشاذلى» لنائب الشرابية وقال له: اقف اتكلم. وقف نائب المطرية وقال شبابنا بخير يا ريس.. وكله تمام.. ومحدش بيقرا الكلام ده. «مبارك» زعل منى جداً وقاطعنى لمدة 6 أشهر، حتى محاولة اغتيال صفوت الشريف، ثم عملية رفعت المحجوب، وقتل سياح الأقصر، فقال لي: (أنا صدقت كلامك)”.
وعن واقعة تزوير الانتخابات البرلمانية في العام 2010، والتي كانت سببا رئيسيا في سقوط دولة مبارك، قال السيد - خلال حديث له مع الإعلامي حمدي رزق، في برنامج “نظرة”,، المذاع على قناة “صدى البلد”: "كان الرئيس مبارك رافضا لما حدث في هذه الانتخابات وحذر منه"، معقبا: "جمعني لقاء مع الرئيس (مبارك) على هامش تكريم الدكتور مجدي يعقوب ومنحه قلادة النيل في 10 ديسمبر 2010، وقال لي حينها: (سمعت ما قولته عن الانتخابات وأنا كنت منبه بعدم تزوير الانتخابات)".
يذكر أن آخر ظهور للراحل كان خلال مشاركته في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء، والتي فاز فيها الدكتور أسامة عبد الحي بمنصب نقيب عام الأطباء في شهر أكتوبر الماضي.