صلاة التراويح واحدة من أهم الطاعات التي يحرص عليها المسلمين في شهر رمضان، ومع دخول رابع ليلة من الشهر الفضيل، نوضح فضل صلاة التراويح وعدد ركعاتها.
عدد ركعات صلاة التراويح الصحيحة
وقال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، بمناسبة القيام نريد أن ننبه على ما نعيشه من نزاع سنوي في شهر رمضان المبارك بين بعض المتشددين الذين يريدون حمل الناس على مذهبهم والعوام الذين قد لا يجدوا من ينقذهم من هؤلاء، وسبب هذا الخلاف مسألة «عدد ركعات صلاة التراويح» فأصحاب الصوت العالي يُخَطِّئون الأئمة والأمة بأسرها على مدى القرون الماضية، وينكرون عليهم أيما إنكار ويتهمونهم بالابتداع، ويُحَرمون ما أحل الله إذ قالوا : «لا يجوز الزيادة عن 8 ركعات في صلاة التراويح ».
وتابع: الحق أن الأمة أجمعت على أن صلاة التراويح عشرين ركعة من غير الوتر، وثلاث وعشرين ركعة بالوتر، وهو معتمد المذاهب الفقهية الأربعة : الحنفية، والمالكية في المشهور، والشافعية، والحنابلة. وهناك قول نقل عن المالكية خلاف المشهور أنها ست وثلاثين ركعة، ولم تعرف الأمة القول بأن صلاة التراويح 8 ركعات إلا في هذا الزمن، وسبب وقوعهم في تلك المخالفة الفهم الخاطئ للسنة النبوية، وعدم قدرتهم على الجمع بين الأحاديث، وعدم التفاتهم إلى الإجماع القولي والفعلي من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، فاستشهدوا بحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: « ما كان رسول الله ﷺ يزيد فى رمضان ولا فى غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعًا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى أربعًا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثا، قالت عائشة : فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر. فقال « يا عائشة، إن عيني تنامان ولا ينام قلبى ».
وهذا الحديث يحكي عن هدي النبي ﷺ في نافلة قيام الليل عمومًا ولم يتعرض إلى صلاة التراويح؛ إذ هي قيام ليل مخصوص بشهر رمضان، وهي سنة نبوية في أصلها عُمرية في كيفيتها، بمعنى أن الأمة صارت على ما سنه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه من تجميع الناس على القيام في رمضان في جميع الليالي، وعلى عدد الركعات التي جمع الناس عليها على أبي بن كعب رضي الله عنه، والنبي ﷺ يقول : «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ».
إن لم يكن مستند الأمة فعل سيدنا عمر رضي الله عنه فلِمَ تؤدى التراويح في جماعة في المسجد على إمام واحد ؟! وكأن هؤلاء يأخذون من سنة سيدنا عمر رضي الله عنه جمع الناس على إمام طوال الشهر، وهو ما لم يفعله النبي ﷺ ، ويتركون عدد الركعات ويزعمون أنهم يطبقون سنة ﷺ ، فإن كان هذا صحيحًا، وأنتم لا تلتفوا لفعل سيدنا عمر رضي الله عنه فيجب عليكم أن تصلوا التراويح في البيت، وتتركوا الناس يطبقون دين الله كما ورثوه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومما ورد في الآثار الصحيحة يبين أن فعل سيدنا عمر رضي الله عنه هو صلاة عشرين ركعة في تراويح رمضان، ما ثبت عن السائب بن يزيد رضي الله عنه حيث قال : « كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة. قال : وكانوا يقرءون بالمئتين، وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شده القيام».
حتى ابن تيمية الذي يعتمده كثير من المتشددين المرجع الوحيد في مسائلهم كان كلامه أهون ويجمع الأمة من كلامهم حيث قال : « شبه ذلك من بعض الوجوه تنازع العلماء في مقدار القيام في رمضان، فإنه قد ثبت أن أبي بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث. فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر. واستحب آخرون : تسعة وثلاثين ركعة؛ بني على أنه عمل أهل المدينة القديم. وقال طائفة : قد ثبت في الصحيح عن عائشة : «أن النبي ﷺ لم يكن يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة. واضطرب قوم في هذا الأصل؛ لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح؛ لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين، وعمل المسلمين. والصواب أن ذلك جميعه حسن»( الفتاوى الكبرى ج2 ص 249).
وشدد: أردت التنبيه على هذه المسألة لأمرين : الأول : أنه كادت أن تموت السنة التي ظلت بين المسلمين طوال القرون الماضية، والثاني : حتى لا يشتد المخالف في الإنكار على ما اتفقت عليه الأمة سلفا وخلفا.