رمضان المصري له حضور مميز ببهجته المتجولة في كل شبر من أرجاء المحروسة ، وتقام له طقوس خاصة ،تصبغه بصبغة مصرية خالصة جعلته غير قابل للتكرار في أي مكان أخر.
هو كرنفال مصري لمدة 30 يوما والمصريون أسرة واحدة ، يتجمعون علي المائدة في وقت واحد لا فرق بين غني وفقير، وشوارع خالية تماما من المارة إلا من موائد الرحمن أو شباب يوزعون الإفطار والتمور والعصائر لمن لم تسعفه ظروفه للحاق بالإفطار في بيته ، والجميع يتنافسون علي إفطار الصائمين .
وتتجلي في شهر رمضان العديد من العادات والموروثات المترسخة في الذاكرة المصرية بمظاهر إحتفالية ، وإذا كانت الشعائر الدينية للشهر الكريم واحدة لكل فرد مسلم ، إلا أن النسخة المصرية متفردة التفاصيل فقد حول الوعي الجمعي المصري بأصالته وخصوصيته ،جانبا كبيرًا من أداء الشعائر الفردية إلى أداء جماعي يتم توارثه من جيل لجيل مصحوبا بمظاهر احتفالية خاصة جدا، يمتزج فيها البعد الديني بالاجتماعي .
وعادات وتقاليد حفظها المصريون ، وظلت في وجدانهم ينقلونها لشعوب المنطقة، بداية من مواكب استطلاع الهلال إلي موائد الرحمن مرورا بالمسحراتي الذي يطوف شوارع مصر ليلا ، وإن اختفي هذا الملمح من المدن إلا أنه مازال موجودا في القري والريف ، وسرادقات الكنافة والقطايف والفوانيس التي تتخذ أشكالا مختلفة لتضئ كل مكان في أرض مصر المحروسة.
وعليك فقط أن تسير وسط شوارع مصر ليلاً أو قبل أذان المغرب ، لتتعرف عن قرب على مكانة هذا الشهر في نفوس المصريين، فالمساجد مضاءة والشوارع جميعها مزدانة بزينة رمضان وشرفات المنازل تتلألأ بالفوانيس .
تلك المظاهر الفاطمية التي استوعبها الشعب المصري، وأضفي عليها من عبق المكان وخصوصية الشخصية فاحتفظت الذاكرة المصرية بهذه المظاهر الكرنفالية وأخرجتها بنسخة محلية وطابع مصري أصيل، وظل العقل الجمعي للمصريين محافظا علي تلك الطقوس ليس لمجرد كونها موروثا شعبيا فحسب ، بل لأنه تفاعل معها تفاعلاً وجدانيّاً وروحانيا فأخلص لها إلي حد التقديس .
ويأتي رمضان ليعكس حالة التكافل الذي أصبح من الموروثات الاجتماعية ،التي لم تتوارى مع الزمن أو تختفي أمام طغيان ماديات الحياة وضغوطها او تأفل بتطور أدواتها أو بتحدي أزماتها.
فأغلب الأسر المصرية تستعد للشهر الكريم بعمل ميزانيات خاصة لشراء سلع يطلق عليها الرمضانية ، وإقامة العزومات فهو شهر تواصل الأرحام وتبادل الزيارات علي المستوي الأسري والاجتماعي ، بين أفراد الشعب المصري الذي يتحول لعائلة واحدة علي اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية وحتي العقائدية ، وإن كانت موائد الرحمن هي الملمح الأبرز، الذي يعكس حالة التضامن والتلاحم والتكاتف ورمز من رموز التماسك المجتمعي.
فالمصري المحب للحياة لون الدين بالدنيا فرمضان مصر مختلف رغم أن عبادته أحكامها واحدة إلا أن النسخة المصرية متفردة الطبعة لا تتكرر مفرداتها رغم من أن الشعيرة دينية إلا أنها مغلفة بروح المصريين .