يعاني السودان الشقيق من أزمة سياسية طاحنة أدت إلى اشتعال حرب أهلية ضروس بين الجيش الوطني السوداني وقوات الدعم السريع قبل عام من الآن، "دون أي بادرة تذكر للحل وإخراج البلد العربي من كبوته"، فيما يسعى كل طرف لإثبات سيطرته على المدن والمناطق الكبرى داخل البلد.
وفي تطور ميداني جديد شهدته الأوضاع المتدهورة داخل البلد العربي الشقيق، أعلن الجيش السوداني، استعادة السيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون من قبضة قوات الدعم السريع بحي الملازمين بمدينة أمدرمان غربي العاصمة الخرطوم.
[[system-code:ad:autoads]]
أم درمان غربي العاصمة الخرطوم
وكان مقر الإذاعة والتلفزيون يضم مجموعة كبيرة من الأسرى المدنيين، كانت تحتجزهم قوات الدعم السريع طيلة الفترة الماضية، فيما أدت المعارك بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في محيط الإذاعة والتلفزيون، إلى تدمير منازل في الأحياء السكنية في حي الملازمين بالمدينة.
فيما أكد مراسل قناتي "العربية" و"الحدث"، الثلاثاء، أن الجيش السوداني سيطر على كامل أمدرمان القديمة بعد دخول مقر الإذاعة والتلفزيون.
وفي وقت سابق، أفاد بيان للقوات المسلحة السودانية، اليوم الثلاثاء، بأن قواتها أحبطت في الساعات الأولى من الصباح بمنطقة أمدرمان "محاولة يائسة" من قبل قوات الدعم السريع للهروب من الطوق الذي تفرضه عليها القوات المسلحة بمحيط منطقة الملازمين والإذاعة.
وأضاف البيان الصادر عن مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، أنه تم القضاء على معظم القوة الهاربة ودمرت واستلمت قواتنا معظم معداتها وآلياتها "وجار إحصاء خسائر العدو".
وأشار إلى أنه تم تدمير مجموعة أخرى حاولت إسناد قوة الميليشيا الهاربة من اتجاه الغرب، ويجري حاليا التعامل مع مجموعات صغيرة تحاول الهروب من خلال أزقة أمدرمان.
ومع تصاعد وتيرة العنف، اشتدت المعارك في عدة جبهات بولاية الخرطوم في ثاني أيام رمضان، وتجاهل الطرفان دعوات أممية وأفريقية للتوصل لهدنة ووقف إطلاق نار في شهر رمضان المبارك.
وحول تطورات الوضع في أم درمان يقول الكاتب الصحفي السوداني مكي مغربي: لكي أكون أمينا، انتصار أمدرمان يشكل نسبة 30% جغرافيا من ولاية الخرطوم الكبرى، ولكنه يشكل نسبة 100% من قلب الموازين، وحسم المعركة كيف؟ سأشرح لكم:
- تم الانتصار عبر سلسلة عمليات عمل خاص وآخرها كان عملية (كماشة السحور) وانتهت القوة النظامية الصلبة للمليشيا الإرهابية، ولكن لا تزال القيادة العامة في الخرطوم ومناطق أخرى محاصرة مع احتلال معظم بيوت المواطنين، نعم صحيح تم توسيع محيط تأمين القيادة، لكن مناطق الخرطوم وبحري حولها عبارة عن أبراج قناصة ومرتزقة من إثيوبيا ومن دول الغرب الإفريقي، وحولها مرتزقة من جنوب السودان بمنصات مدفعية متطورة تم شحنها من الخارج (وكتبت الصحف الأمريكية والدولية من أين) وهي أصلا مجموعات مرتزقة تتحرك بالخراب من دولة لأخرى ولا تعمل إلا بأموال طائلة، وإذا توقف المال ترحل وتنتهي القصة، أو الحل هو التخطيط الجيد والعمل الخاص والفدائيين وهذا ما يقوم به الجيش السوداني حاليا، والحقيقة، بدأ يقل الدعم لكن تتم المناولة المتعثرة عبر دول الجوار الخائنة وليس من المصدر المباشر، كما دخلت المليشيا في أسلوب الخطف وطلب الفدية في الجزيرة للتمويل وسداد أجور المرتزقة بعد تعثر الدعم.
- تقريبا نصف أمدرمان آمن للعودة حاليا، وربما تنتقل الحكومة أو أجزاء منها رمزيا هناك قبل نهاية رمضان، وذلك لوجود مبنى البرلمان والعديد من المباني الحكومية التاريخية مثل محلية أمدرمان.
- اختيار مواطنين العودة لمنازلهم وإعادة فتح سوق أمدرمان هو ما سيشغل الأخبار في رمضان، بالإضافة إلى قمة كروية ودية في العيد، فقد اكتمل تحرير استاد الهلال واستاد المريخ، وهذه مؤشرات عودة للسودان بإذن الله، والشكر للدول التي آوت السودانيين وعلى رأسها مصر الشقيقة.
- انتصار أمدرمان حسم تماما الحديث حول الجهة التي تجلب النصر والجهة التي تجلب الهزيمة، وأن الجيش السوداني مفوض في الاستعانة بمن يشاء بمقاتلين وفدائيين؛ لأنها حرب غير تقليدية ومدعومة خارجيا بدأت بـ 125 ألف مقاتل من المليشيا مقابل 30 ألف جندي من الجيش السوداني وهو جيش احترافي وليس مجموعة انتحارية ليقتحم الميدان ويتم سحقه بالكامل، لقد تأخر لأسباب حقيقية واستعان برصيد وطني موجود وتم تسجيله بأرقام عسكرية وقوائم وليس فوضى كما يزعم البعض، وأي محاولة للتشكيك فيهم أو في اختيارات الجيش هي تواطؤ مع المليشيا الإرهابية وهو السم الزعاف الذي سقته إسرائيل ووكلاؤها للسودان طيلة الفترة الانتقالية، ولن نشربه لنموت، يضاف إلى هذا أنه ليس من أخلاق الجيش السوداني ولا الشعب السوداني التنكر والتطاول على الشباب المجاهد الذي اختار الموت في الصفوف الأمامية تحت إمرة الحيش، ولذلك سقطت أسطورة عزل الإسلاميين في السودان تماما وللأبد، وعلى كل مراقب خارجي ألا ينزلق في أي توقعات مخالفة مهما كان الإغراء، وقد انتهى الجدل بلقاء مفوضية الإتحاد الإفريقي بقيادة المؤتمر الوطني في القاهرة، وعاد الاسلاميون في السودان واقعا دوليا وإقليميا.
- هذه الحرب كانت للاستعمار الكامل للسودان وضمه للنفوذ الاسرائيلي، وتم تقوية المليشيا طيلة الفترة الانتقالية، وتم إسقاط عدد من القيادات التي تزعم أنها مدنية وديموقراطية وأهل الثورة والحرية، بالإغراءات والفضائح، وكل أنواع العمل الاستخباري القذر، وصاروا (خاتم في صباع حميدتي) ويستحسن تجاوزهم وتهميشهم، لأنهم لا يستطيعون تغيير مواقفهم إلا بإذن خارجي.
وتوتر الوضع داخل البلد العربي مع دخول شهر رمضان رغم تبني مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يقضي بهدنة إنسانية داخل السودان خلال الشهر الكريم، فيما لا يزال 25 مليون مواطن سوداني يعانون من أوضاع إنسانية قاسية جراء احتدام المعارك بين الطرفين.
من جهته قال رئيس وزراء السودان السابق ورئيس تنسيقية "تقدم" عبد الله حمدوك، الإثنين، إن القاهرة قد تحتضن اجتماعاً محتملاً بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وأضاف حمدوك، في مقابلة مع صحيفة "السوداني"، أنه ناقش مع القيادة المصرية إمكانية حث البرهان وحميدتي على اللقاء في القاهرة من أجل إيقاف الحرب، مشيرا إلى أن المسؤولين المصريين "رحبوا بالأمر لأن استقرار السودان من استقرار مصر وانهيار السودان كارثة أمنية كبرى لمصر"، حسب تعبيره.
وشدد حمدوك على أن الجهود لن تتوقف في التواصل مع البرهان وحميدتي من أجل إنهاء الحرب، لافتاً إلى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أكد استعداده لاستضافة كافة الاجتماعات بشأن الحرب في السودان، وفق ما نقلته وكالة أنباء العالم العربي.