"لقد كشف العالم عن طبيعته الحقيقية غير مستقر، وخطير، وليس الجميع أصدقاء" .. هكذا تحدث كولونيل فرنسي كبير، في خضمّ تحليلات داخل أوروبا تتحدث عن حرب عالمية جديدة ينتظرها العالم، وهو ما جعل الجيش الفرنسي يستعد بأقصى سرعة لمعركة كبرى يشارك بها 25 ألف جندي قبل 2027، ويسابق الزمن بتدريبات حقيقية لجنوده داخل أجواء تشبه ما وصفته قيادات الجيش الفرنسي بـ"حقول القتل في أوروبا".
[[system-code:ad:autoads]]
وبحسب تقرير هام نشرته صحيفة بوليتيكو الأمريكية، تم الكشف عن استعداد القوات الفرنسية لصراع شديد الحدة ضد عدو يمكنه أن يضاهيها بقوة نيران – وهو تغيير كبير بالنسبة للجيش الذي قضى العقود الماضية في محاربة حملات مكافحة التمرد في أماكن مثل مالي وأفغانستان، وخلال التقرير قال الكولونيل أكسل دينيس، الذي يدير مركز التدريب القتالي (CENTAC) في ميلي لو كامب بشرق فرنسا، إن الأعمال العدائية في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثالث، أعادت حربًا واسعة النطاق إلى القارة، وهو ما نستعد له في تلك الأجواء.
عالم غير مستقر.. ومخيم حرب حقيقية ضد عدو مثل روسيا
يقول دينيس لصحيفة بوليتيكو خلال زيارة للمخيم: "لقد كشف العالم عن طبيعته الحقيقية: غير مستقر، وخطير، وليس الجميع أصدقاء، لذلك نحن نستعد لثقافة التنبيه والاستعداد في وقت قصير، ومعسكرCENTAC هو المكان الوحيد في فرنسا حيث يمكنك أن ترى كيف تبدو الحرب"، وظروف تدريب القوات فيCENTAC هي أقرب ما يمكن إلى ساحة المعركة الفعلية، فقد تم استنساخ صوت وحرارة وضوء نيران المدفعية، بينما تنتشر الألغام المزيفة في كل مكان، ويمكن قطع الاتصالات اللاسلكية دون سابق إنذار.
ويعد هذا المخيم الذي تبلغ مساحته 120 كيلومترا مربعا فريدا من نوعه في فرنسا، فهو بمساحة أكبر من باريس، فهي المكان الوحيد الذي يمكن أن تمارس فيه وحدات الجيش الفرنسي المختلفة - المشاة والمدرعات والمدفعية والمهندسين - والتي عادة ما تكون منتشرة في جميع أنحاء البلاد، التدريبات معًا، وكذلك أيضًا هو المكان الوحيد الذي تعمل فيه عشرين دبابة من طرازLeclerc طوال العام، ولم يذكر الضباط أعداء محتملين، لكن التدريب يهدف إلى إعداد القوات لمحاربة عدو مثل روسيا.
معركة كبرى بمشاركة 25 ألف جندى في 2027
وبعد عقود من العمليات العسكرية في أفريقيا، تركز فرنسا بشكل متزايد على الجناح الشرقي لأوروبا، ويجب أن تتمتع قواتها المسلحة بالمصداقية، وحسبما قال قائد الجيش الجنرال بيير شيل في يناير، فإنه بحلول عام 2027، يهدف الجيش الفرنسي إلى أن يكون قادرا على نشر فرقة واحدة قوامها حوالي 25 ألف جندي في 30 يوما، وهي أجواء لمعارك تضع قيادة الجيش سيناريوهات لها، مستوحاة من الحروب الحالية، وخصوصا الحرب الأوكرانية.
وقال بحسب الصحيفة الأمريكية: "لسنا في نفس الوضع الذي تعيشه أوكرانيا، لكننا جزء من ائتلاف، وهذا يأتي مع التزامات، وإن فكرة المصداقية في الدفاع الجماعي، وخاصة في حلف شمال الأطلسي، أمر ضروري، ولكن علينا أيضا التدريب على أجواء خاصة بنا كجيش فرنسي، ونجعل جنودنا يعيشون أجواء حقيقية لكل المعارك المرتقبة قريبا، إذا ما استمرت الأجواء العالمية على معدلات تصاعدها الحالي".
حرب الأسلحة المشتركة
وفي السيناريو المصمم للمتدربين الفرنسيين، هدفهم إبطاء أعدائهم، الذين يلعبون دورهم قوات محنكة متمركزة بشكل دائم فيCENTAC. إنها ليست مهمة سهلة، وقال ضباطCENTAC إن الدرس الرئيسي المستفاد من أوكرانيا هو تجنب الهجمات المباشرة التي تؤدي إلى أعداد كبيرة من الضحايا وتفشل في دفع العدو إلى الخلف، فبدلاً من ذلك، يجب على المشاة والمدرعات والمهندسين والمدفعية، المدمجة مع التكنولوجيا الجديدة مثل الطائرات بدون طيار التي تنقل المعلومات إلى القوات وتوفر القوة القاتلة في ساحة المعركة، أن تعمل معًا بسلاسة.
ويقول اللفتنانت كولونيل فنسنت، رئيس مكتب التنسيق والتوجيه بالمعسكر: "لقد عززت الحرب في أوكرانيا أهمية القتال المشترك بالأسلحة، وتلك هي الطريقة الوحيدة للقتال في الحروب القادمة، فالجيوش غير القادرة على الجمع بين الدبابات والمدفعية والمشاة معرضة لخطر هائل ــ وهو ما أظهره الجانبان في أوكرانيا"، فيما يوضح الكولونيل أكسل دينيس: "الأمر المثير في أوكرانيا هو أن الدبابات تعمل بمفردها، وبالتالي لم تعد تعمل على الإطلاق، فعدم القدرة على التنسيق هو أحد الأسباب التي جعلت أوكرانيا وروسيا غير قادرين على اختراق الدفاعات المعدة جيداً والتي تسيطر الآن على أكثر من 1000 كيلومتر من خط المواجهة".
تدريبات صعبة واستخدام أدوات بدائية تحسبا للطوارئ
ومع بدء التدريب، أصبح المزاج قاتمًا في مقرCENTAC، فأثناء تحديث الحالة، يعلن الضباط أن العدو نجح في تدمير المركبات المدرعة - تاركًا المتدربين لمحاربة المهمة بمعدات أقل، ويستمر التمرين النهائي 96 ساعة، حيث ينام الجنود بمعدل أربع ساعات في الليلة، عادة في مركبات عسكرية غير مريحة، وعليهم أن يتحركوا كل خمس دقائق أو يواجهوا انفجارات (وهمية)، ويقول الكولونيل أكسل دينيس: "إذا كان رد فعلهم غير مناسب، فستكون هناك عقوبة، إنها مواجهة جسدية، ولكن قبل كل شيء، إنها تتعلق بالرغبة في الاستمرار، والقتال، والسيطرة".
ووفقا للصحيفة الأمريكية، ينخرط المتدربون في الحرب الإلكترونية، ويتعاملون مع تحديات اللوجستيات والتهديدات الكيميائية، ويتعين عليهم اتخاذ قرارات عالية المخاطر أثناء حرمانهم من النوم، ويتعلم الجنود أيضًا العمل باستخدام الخرائط بدلًا من أجهزة الكمبيوتر والهواتف - فيما يسمى "الوضع المنخفض" - للاستعداد للمواقف في ساحة المعركة حيث يتم التشويش على الشبكات من قبل خصومهم، وفي الوقت الذي يكون فيه الجميع متصلين بشكل مفرط باستمرار، يريد مدربوCENTAC أن تكون القوات على دراية بمخاطر الاتصال بالإنترنت، وهنا يقول اللفتنانت كولونيل فنسنت: "تشكل الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي تهديدًا حقيقيًا للجنود، حيث تمتلك قوة العدو أدوات لكشف الإشارات وإطلاق المدفعية على المواقع المكشوفة، وأحد الكابتن خسر فريقه بأكمله بسبب هاتف ذكي".
وبمجرد انتهاء التدريب، سيحصل الجنود على تقييم للأداء ودرجة على مقياس من واحد إلى خمسة، وقال المقدم فنسنت: "لم نمنح أبدًا الرقم خمسة"، وأضاف أن شعار الفيلق الأجنبي الفرنسي هو "تدريب شاق لتكون حرب سهلة".