القصص فى القرآن تُقارب الثلث منه، وهذه النسبة الكبيرة تعنى أهمية معرفة الماضى؛ كى نستفيد منه فى الحاضر، ومن القصص التى أتذكَّرها هذه ألأيام هى قصة سيدنا نوح الذى زرع شجراً وانتظر نموه، ثم بعد ذلك قطع خشبه؛ ليبنى سفينة على الأرض، ورغم ذلك لم يُؤمن به قومه لحساباتهم الدنيوية، ونسوا أنه نبى يملك من المعجزات ما لا يعلمون.
هكذا هم البشر مع الذين ينظرون للأمام دائمًا ولا يلتفتون للخلف، وأبرز مثالٍ على ذلك فى عهدنا اليوم، الرئيس السيسى، الذى بدأ حُكمه ببناء بنية تحتية وشيَّد منشآت ومصانع، ومهَّد لها الطرق والكبارى، ليصرخ مَنْ يجهلون ويَعادون الإصلاح والتطور: "هل نأكل طرقًا وكبارى؟"، والإجابة التى لم يعلموها بالطبع، هى أننا سنأكل (من الطرق والكبارى).
هناك مشروع القطار العالمى الذى سيربط بين رأس الحكمة وما حولها، وأيضًا محور الضبعة السريع، وكذا محور الساحل الشمالى، إضافةً إلى ميناء ومطار، والأجمل أنه يوجد مقرٌ للحكومة ومجلس الوزراء فى المنطقة، كل ذلك سيتم افتتاحه خلال عامين.
والحِكمة من رأس الحكمة هى بيع الصحراء بمائة ألف جنيه للمتر بعد تعميرها، بدلاً من بيعها بألف جنيه للمصريين قطعًا، ومن الممكن ألا نستفيد منها فى الحالة الأخيرة.
مَنْ كان يتخيَّل أن هذه المشروعات ستكون سببًا رئيسيًا فى الوصول لمشروعٍ عملاق مثل رأس الحكمة، وأتذكَّر قوله تعالى هنا: "وَفارَ التَّنُّورُ"، بحالة الغليان التى وصل إليها أعداؤنا المنتظرون سقوط مصر، فما كان منهم إلا السباب والشتائم بشكلٍ يُوضح كم الحقد والغل الذى بداخلهم، وبدأوا فى نشر أسطوانتهم القديمة؛ وهى أن مصر تبيع أرضها، والحقيقة هذا كلام يُعتبر دليلاً كافيًا على جهلهم الشديد، والسؤال: لماذا لم يتهم هؤلاء مصر ببيع أرضها عندما أنشأت شركة إعمار الإماراتية أكثر من كمبوند على أرض المحروسة؟!
الحكاية بكل بساطة أن مصر لديها من الخيرات الطبيعية الكثير والكثير، لكنها لا تملك العملة الصعبة للاستثمار، فاتفقت مع الإمارات على "شراكة" وليس الأمر بيعًا وشراءً كما يُروِّج المرجفون فى المدينة، لتكون مصر بالأراضى الصحراوية والإمارات بالتمويل، كما اتفق البلدان على النسبة والمستفيد الأكبر هو مصر، وفى المستقبل سوف يكون هناك فرص عمل للشباب وخير وفير قادم، وكل شىء حدث لمصلحة مصر، أى أنه بشروطها، فالجميع يعلم أن مصر بها أزمة سيولة دولارية، فدفعت الإمارات 35 مليار دولار مساهمةً فى المشروع.
هل هذا يعنى بيعًا، وأننا سنقوم ذات يوم لنجد دولة الإمارات قد زرعت علمها فى رأس الحكمة وطلبت من المصريين فيزا قبل دخولها، إنها حقًا أفكارٌ صبيانية لعقولٍ أصغر!
لقد صرَّحت وكالة "فيتش" بأن اتفاق مصر والإمارات لتطوير مشروع رأس الحكمة سيُخفِّف ضغوط الديون الخارجية على مصر، كما سيُسهل من إمكانية تعديل سعر الصرف، ومؤخراً خفَّضت الوكالة التصنيف الائتمانى لمصر بالعملة الأجنبية على المدى الطويل إلى مستوى "B –" من مستوى "B"، مع منحها نظرة مستقبلية مستقرة، تماشيًا مع التوقعات.
وأعتقد أن هذا المشروع كان صدمة لها ولباقى الوكالات الشبيهة، كل هذه الحروب وذلك الغضب من مشروعٍ واحدٍ، فماذا لو علم الكارهون والحاقدون أن صندوق قطر للاستثمار QIA سيُوقِّع قريبًا عقود ريفيرا العلمين -اسم المدينة الجديدة- والتى تبدأ من القصر الرئاسى فى العلمين حتى سيدى عبدالرحمن.
وهناك مناقشات بشأن إنشاء منطقة صناعية صينية كبرى على البحر المتوسط؛ لتوفير احتياجات السوق المحلى والتصدير للأسواق الأوروبية والأمريكية، ومقترح تسوية المعاملات التجارية بالعملات المحلية للبلدين، وآخر بإنشاء فرع لبنك صينى داخل مصر بالتنسيق مع الجهات الصينية المعنية، بما يُسهم فى تيسير حركة التبادل التجارى بين البلدين.
نعم هى بداية قوية للاستثمار فى مصر، وكل ذلك يعود الفضل فيه للرئيس السيسى الذى أعلن فى فترة حكمه الأولى أنه ليس لديه برنامج انتخابى، لكن المفاجأة أن البرنامج كان سفينة نوح 2024.