بينما كان البعض غارقا في التشكيك بقدرة الدولة على تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة "توفير العملة الصعبة - الدولار"، ويمني النفس بالسقوط الكبير، كانت الحكومة تعمل في صمت على إنجاز صفقة وصفها كثير من رجال المال والأعمال قبل خبراء الاقتصاد، بأنها "تاريخية" وهي صفقة رأس الحكمة.
صفقة رأس الحكمة أو مشروع رأس الحكمة، يشمل مناطق استثمار وأماكن تجارية وسكنية وأيضا سياحية وترفيهية، ومن المتوقع أن يبدأ العمل فيه أوائل العام المقبل، وسوف يجذب لمصر استثمارات بقيمة 150 مليار دولار للاقتصاد المصرى، كما ستوفر لمصر 35 مليار دولار خلال الشهرين المقبلين.
[[system-code:ad:autoads]]
صفقة رأس الحكمة
وتعول الحكومة ورجال الاستثمار على أن يكون المشروع الذي يشمل تنمية وتطوير 5 مدن على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهي: العلمين، رأس الحكمة، النجيلة، سيدي براني والجرجوب، إضافة لمدينتي السلوم ومطروح، بداية قوية لضخ مزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية بالسوق المصرية، وإنهاء جزء كبير من أزمة نقص السيولة الدولارية وتوفير العملة الصعبة "الدولار".
وحول هذه الصفقة والشراكة الاقتصادية وغيرها من اتفاقيات وشركات توقعها الحكومة مع المستثمرين العرب والأجانب وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي في مصر يقول رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور كريم عادل، إن الاتفاقيات الاستثمارية الجديدة تعكس نجاح جديد لجهود الدبلوماسية الاقتصادية المصرية ومساعيها نحو تحقيق مستهدفات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
وأضاف عادل - خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أن هذه الاستثمارات نتاج لما تتمتع به الدولة المصرية من استقرار سياسي وأمني واقتصادي، لا سيما وأن الدولة المصرية تعد من الأسواق الناشئة الأكثر استقرار وأماناً وقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، فقد أصبحت قبلة آمنة ومستقرة للمستثمرين الأجانب، واستطاعت الاستمرار في تحقيق معدلات نمو موجبة في ظل العديد من الاضطرابات والأزمات العالمية التي أضرت وأطاحت باقتصادات دول كبرى.
وشدد على أن الاتفاقية بمثابة رسالة ثقة وطمأنة للمستثمرين الأخرين بالتوجه باستثماراتهم للدولة المصرية أو التوسع في مشروعاتهم القائمة بها، مشيرا إلى أن الاستثمارات اتجهت للدولة المصرية بعد العديد من البحوث والدراسات عن مستقبل الاقتصاد والعمل داخل الدولة المصرية، وهي بحوث ودراسات تقدمها مؤسسات ومكاتب استشارية عالمية معتمدة وموثوق بها للمستثمرين وأيضاً للمؤسسات المالية والتصنيف الائتماني العالمية.
ولفت إلى أن الدولة المصرية تمتلك بنية تشريعية وأساسية وتكنولوجية مطمئنة للمستثمرين وجاذبة للاستثمار، حتى وإن تواجدت بعض المعوقات إلا أن الإرادة والعمل على استغلال الفرص سيساهم في معالجة تلك المشكلات والمعوقات على المديين القصير والمتوسط، فالدولة المصرية تمتلك موقع جغرافي ولوجيستي يعود بالنفع على الاقتصاد المصري والمستثمرين فيه.
وأكد أن مثل هذه الاستثمارات تساهم في خلق حالة من الانتعاشة الاقتصادية كونها ذات الصلة والارتباط المباشر بالعديد من القطاعات الاقتصادية ذات التأثير والأثر في الناتج المحلي الإجمالي، كقطاع الصناعة وقطاع السياحة وقطاع التشييد والبناء وقطاع العقارات وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع النقل واللوجستيات، إضافةً لما توفره من فرص عمل لكافة الفئات ومن ثم انخفاض معدل البطالة وزيادة معدلات التشغيل والإنتاج، وتحقيق المستهدفات الاقتصادية والتنموية للدولة المصرية.
وشدد: تمثل الاستثمارات في منطقة رأس الحكمة مستقبل الاستثمار السياحي في مصر فهي أحد المشروعات الضخمة في أجمل شواطئ العالم من الرمال الناعمة الصفراء إلى المياه الفيروزية رائعة الجمال، خاصةً وأن هذه الاستثمارات ستتيح أنشطة صناعية وتجارية وسكنية في الدولة المصرية بوجه عام وهذه المنطقة بوجه خاص، مما يجعل لمنطقة رأس الحكمة" الواعدة نشاطًا سياحيًا كبيرًا خلال الـ20 عامًا القادمة.
ولفت: تضم المنطقة أنماطاً متعددة ومقومات جاذبة للسياحة الشاطئية، وهي أحد أهم أنواع السياحة التي يبحث عنها السائحين من مختلف دول العالم، كما أن المنطقة تزخر بمقومات السياحة الثقافية والتاريخية التي تظهر في مقابر الكومنولث والمقبرة الإيطالية والألمانية، وهذا النمط من السياحة يشجع على إقامة سياحة المهرجانات والاحتفالات في تلك المناطق، استرجاعاً للأحداث التاريخية التي اتخذت مواقعها في هذه المناطق.
وشدد على أن كل ما سبق يجعل من الدولة المصرية تتصدر قائمة المقاصد السياحية ذات الأنماط المتعددة، ويجعل للاستثمار السياحي نصيباً واتجاهاً جديداً يضاف لبيئة الاستثمار والمناخ الاستثماري بالدولة المصرية، متابعا: لكن يتوقف التأثير والأثر المباشر لهذه الحصيلة الدولارية من رأس الحكمة على السوق الموازي في كيفية تعامل الدولة مع متطلبات واحتياجات المستوردين والأفراد خلال المرحلة الحالية، فإذا تم توفير المتطلبات الدولارية للشركات والأفراد ستتراجع السوق الموازية بصورة كبيرة، ولكن إذا لم يتم سرعة التوفير واستدامته بالبنوك المصرية ستعود السوق الموازية إلى ما كانت عليه وقد يزيد.
واختتم: يضاف إلى ذلك ضرورة أن تقوم الدولة المصرية باستغلال هذه الحصيلة في دعم قطاعات إنتاجية وصناعية وزراعية للتحقيق الأمن الغذائي والصناعي، وهو ما يحقق استفادة حقيقية من تلك الحصيلة الدولارية، فلا خلاف أن الدولة المصرية لديها العديد من الالتزامات المالية واجبة السداد تجاه المؤسسات المالية الدولية، وهذه الالتزامات لها الأولوية في السداد باعتبارها ديون سيادية مستحقة، ولكن يجب أن تكون هناك خطة واضحة ومعلنه لآلية إدارة وتوجيه هذه الحصيلة الدولارية بما ينعكس بالعائد على الاقتصاد والمواطن المصري.
من جانبه قال مقرر مساعد لجنة التضخم وغلاء الأسعار بالحوار الوطني، الدكتور رائد سلامة، إنه بحسب تصريحات رئيس الوزراء، ترتكز الصفقة في شقها المالي على أساسين مهمين للغاية وهما ضخ أموال في صورة إستثمارات مباشرة بالعملة الأجنبية وأيضًا مبادلة جزء من الديون بإحلالها بقيمة استثمارية وهو طرح كنت قد قدمته في مبادرة مشتركة مع الدكتور عمرو حمزاوي في الحوار الوطني.
وأضاف سلامة - في تصريحات لـ"صدى البلد" - بحسب تصريح رئيس الوزراء، فسيدخل مصر 35 مليار دولار خلال شهرين منها 24 مليار دولار كأموال جديدة fresh money وأيضا 11 مليار دولار من خلال إحلالها لودائع لدولة الإمارات، وبشراكة 35% للدولة المصرية في الأرباح.
وأضاف: فيما يتعلق بالسياسات النقدية، هناك مقترحات يمكن تلخيصها، بأن البنك المركزي يمكنه أن يتعامل مع أزمة الدولار، بحيث يتم تقليص الفارق بين سعري العملة الأجنبية الرسمي وبالسوق الموازية، بما يتيح له مع وجود هذه الحصيلة الكبيرة أن يقضي على المضاربات ويرفع من سعر العملة المحلية لتصل لقيمتها العادلة وهو ما يؤدى في نهاية الأمر إلى كبح جماح التضخم، معقبا: "أساس ظاهرة التضخم ترجع إلى عدم توافر العملة الأجنبية، كما أن هناك ميزة أخرى من ناحية تخفيض قيمة الديون وتقليل سداد الفوائد المتعلقة بها".
وأردف: في شقها الاقتصادي، فستضخ هذه الصفقة الدماء اللازمة في شرايين الاقتصاد المصري بإنعاش القطاعات المرافقة والمغذية لها بالكامل بما سينعش تلك القطاعات من خلال حجم أعمال وتعاقدات ضخمة، مشددا: "الأهم هو أن يتم التعامل مع النشاط الصناعي التحويلي والزراعة بما تستحقه هذه الأنشطة من إهتمام تم منحه لصفقة رأس الحكمة التي هى واحدة من أهم روافد اقتصاد الخدمات".
وأكد مقرر مساعد لجنة التضخم وغلاء الأسعار بالحوار الوطني: لا بد من إعطاء الأهمية المستحقة للتصنيع من أجل تغيير نمط الاقتصاد من إستهلاكي ريعي إلى إنتاجي تنموي.
واختتم: أتمنى تنفيذ ما نقترحه من خلال حصيلة الصفقة، وأن تقوم الحكومة بالإعلان عن طبيعة الأنشطة المرتبطة بهذه الصفقة لتشجيع الأنشطة المغذية على الإنخراط في الأعمال المتنوعة للصفقة لأجل مزيد من التشغيل والتوظيف، والافصاح كذلك عن الالتزامات المترتبة على هذه الصفقة الكبرى حتى لا تدع مجالًا لأي تفسيرات غير صحيحة.
وبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر خلال العام المالي 2021 /2022، 5.7 مليار دولار مقابل 1.4 مليار دولار خلال العام المالي السابق عليه، وهناك حوالى 1250 شركة إماراتية تعمل في السوق المصرية.
ويتصدر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الاستثمارات الإماراتية في مصر بنحو 55 شركة واستثمارات تبلغ 2 مليار دولار.