ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل مجرد العزم على الإفطار دون تناول طعام أو شراب يفسد الصوم؟ فقد نويتُ صوم واجب عليَّ، وبعد أن شرعتُ فيه تذكَّرت بعض الأعمال الشاقة التي ينبغي عليَّ القيام بها، فعزمتُ على الإفطار، لكن لم أتناول الطعام أو الشراب، ثم رَجعتُ عن هذا العَزْم وأكملتُ الصوم، فهل يصح صومي في هذه الحالة أو لا؟
وأجابت دار الإفتاء على السؤال، بأن مجرد العَزْم على الفِطْر بعد الشروع في الصوم الواجب لا يُبطل الصوم ما لم يرتَكب الصائم شيئًا من مُفسدات الصوم الأُخْرَى، وينبغي على الصائم المحافظة على الصوم بعد الشروع فيه ممَّا قد يُؤدِّي إلى الفِطْر، ما دام في حال السلامة والاختيار.
وقد ورد في الأحاديث أنَّ مدار الأعمال على النية، فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» متفقٌ عليه.
وقد اختلف الفقهاء في عدِّ مَن نوى صومًا واجبًا وشَرَع فيه، ثم نوى الفطر من الأمور المنافية لها في باب الصوم، من عدمه:
فيرى جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية في الصحيح، والشافعية في الأصح على ما ذهب إليه أكثرهم، والحنابلة في وجه: أَنَّ العَزْم على الفِطْر بعد عقد نية الصوم الواجب والشروع فيه لا يُبْطِل الصوم، ما دام ذلك لم يتجاوز النية إلى غيرها مِن ارتكاب شيء من مفسدات الصوم.
بينما ذهب المالكية في قولٍ، والشافعية في أحد الوجهين (صححه البغوي والشيرازي ومَن وافقهما)، والحنابلة في ظاهر المذهب إلى أَنَّ عقد نية الفطر بعد نية الصوم في النهار يُبْطِل الصوم.
وذكرت دار الإفتاء، أن المختار للفتوى: ما ذهب إليه الحنفية، والمالكية في الأصح، وهو ما صححه الأكثرون من فقهاء الشافعية، والحنابلة في وجه من أَنَّ العَزْم على الفطر بعد الشروع في الصيام لا يُبْطِل الصوم؛ وذلك لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» متفقٌ عليه، والجزم بنية الفطر بعد الصوم دون ارتكاب شيء من المفطرات من قبيل حديث النَّفْس الذي تجاوز الله عنه كما قال العلامة السرخسي في "المبسوط" (3/ 86).
ومع ذلك: فإنَّه ينبغي التَّحرُّز في الصوم عَمَّا قد يستوجب الفِطْر، ولو قال به بعض العلماء؛ وذلك خروجًا مِن الخلاف، فالخروج منه مستحبٌّ، عملًا بالاحتياط الذي هو مطلوب شرعي، كما قَرَّره تاج الدين السبكي في "الأشباه والنظائر" (1/ 111-112، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 136-137، ط. دار الكتب العلمية).