الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وصية سيدنا يعقوب لبنيه لحظة الموت.. وأسرار الآية 132 من سورة البقرة

وصية سيدنا يعقوب
وصية سيدنا يعقوب لبنيه في لحظة الموت

كشف الدكتور محمد قاسم المنسي أستاذ الشريعة الإسلامية بـ كلية دار العلوم جامعة القاهرة، عن بعض جوانب وصية سيدنا يعقوب لبنيه في لحظة الموت، موضحًا أن هذه الوصية لها من الأسرار التي تغفل عنها.

وصية سيدنا يعقوب لبنيه في لحظة الموت

وقال المنسي في بيانه أسرار الآية 132 من سورة البقرة: هذه الوصية في الأصل هي وصية سيدنا إبراهيم، والتى وردت في قوله تعالى (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) ومن ثم جمعت بين جيلين : جيل الآباء وهو هنا إبراهيم عليه السلام. وجيل الأحفاد ويمثلهم هنا يعقوب عليه السلام ، وقد عرضنا من قبل لوصية ابي الانبياء ونقف اليوم مع وصية يعقوب

يقول الله تعالى: (وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)).

وتابع: نقف أولا عند تصوير المشهد، فالمشهد بين يعقوب وبنيه في لحظ الموت والاحتضار ، وهو مشهد ذو دلالة كبيرة وتأثير عميق ، نحن امام ميت يحتضر و أمام حضور غير عادي ، لقوة غير عادية هي الموت وهي القوة التي لا تقهر ولا تغلب ، فلا يملك أحد أن يصدها أو يردها فإذا ما تركنا مشهد الموت ومقدماته، وانتقلنا الي مشهد الميت نفسه، فإذا بنا أمام مفاجأة غير متوقعة : أن الميت الذي يعاني سكرات الموت وصرعاته ، ليس مشغولا بما ينشغل به الناس عادة في مثل هذه الظروف، من أمور الدنيا من المال والأولاد وغير ذلك من متاع الحياة الدنيا ، لكنه مشغول بأمر أعظم من ذلك ، وبقضية اهم من كل شيء ، وهي قضية الدين والعقيدة والآخرة ، لأنها ام القضايا واصل كل الأصول ومن ثم كان كل همه أن يطمئن على مستقبل أولاده وذريته من خلال موقفهم من هذه القضية .

ويلفت النظر أيضا ونحن نعاود النظر إلى الميت، ذلك التركيز الشديد وهذا الانتباه المبهر ، وهو يتوجه بالسؤال (القليلة كلماته والكثيرة معانيه) ، فيقول لهم : ماتعبدون من بعدي؟، وهو سؤال يكشف عن عناية يعقوب بهذه القضية أثناء حياته مع أولاده، لكن الذي يشغله الآن اي( في تلك اللحظة )هو ما بعد وفاته وغيابه عنهم، وهنا جاءت المفاجأة الثانية وهي إجابة الأبناء.

وصية سيدنا يعقوب لبنيه في لحظة الموت

وأضاف: قبل أن نتأمل إجابة الأبناء علي سؤال ابيهم يعقوب ، نلقي الضوء علي السؤال نفسه وهو قوله : (ماتعبدون من بعدي ؟) ونلاحظ هنا أن السؤال بدا بأداء استفهامية هي (ما)وليس (من)، والاستفهام ب(ما) عبر به عن المعبودات التي يمكن أن تعبد ، وكان ذلك منه علي سبيل الاختبار ، ولو قال (من) بدل (ما) ، لكان مقصوده هوان ينظر من لهم الاهتداء منهم ، إذ المعبودات المتعارفة من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة ، وهي معبودات كانت معروفة في زمنهم وكان هناك من يعبدها من سكان الارض التي يعيشون فيها فكان الاستفهام عما سيعبدونه من هذه المعبودات بالإضافة الي عبادة الله طبعا.

وعند تأمل صيغة السؤال مرة أخرى، نجد أنها تشير إلى أن الإجابة ستكون على طريقة الاختيار من متعدد بحيث يكون كل اختيار منها صالحا للإجابة به ، ويقوم الممتحن باختيار الجواب الصحيح، أضف إلى ما سبق أن الاستفهام ب (ما) يكون عند قصد العموم (عموم القضية ) ، تقول : من حضر من الطلاب ؟ فالسؤال هنا عن احاد الأشخاص الذين حضروا .. لكن إذا كان السؤال : ما الحضور ؟ كان المقصود عاما وهو قضية الحضور نفسها لأنه يمكن أن تكون قد حدثت أو لم تحدث فلم يكن هناك أي حضور .

وصية سيدنا يعقوب لبنيه في لحظة الموت

وأكمل: اذا نظرنا إلى الإجابة التي ذكرها الأبناء فهي على النحو الآتي: (نعبد الهك واله ابائك إبراهيم واسماعيل وإسحاق الها واحدا، ونحن له مسلمون) نلاحظ اولا حضور الجواب ودقته ، وهذا يشير إلى أن القضية حاضرة في الاذهان والقلوب ، وهي القضية المحورية في حياتهم وحياة كل من يعبد الله ، بحيث لا يحتاجون إلى التفكير والنظر والتذكر ، كأنهم على ذكر تام بالقضية التي تشكل كل تفاصيل حياتهم ، فقضية العبادة لا يليق بها أن تكون قضية هامشية أو ثانوية في اهتمامات البشر

كما نلاحظ ثانيا ضمير الجمع في قولهم (نعبد ) وليس أعبد ، وهي تشير إلى وحدة الجواب ، ووحدة الجواب تكشف عن وحدة القلوب والعقول ، وهي احدي علامات التربية الناجحة والصحيحة.

ونلاحظ ثالثا أنهم لم يستخدموا اسم الجلالة الأعظم وهو (الله) فلم يقولوا نعبد الله وإنما قالوا نعبد إلهك، وإضافة اله الي ضمير يعقوب (الهك واله ابائك) هذه الإضافة تفيد جميع الصفات التي كان يعقوب واباؤه يصفون الله بها فيما تلقوه من علم منذ نشأتهم، ومعني ذلك أن هناك منهجا واحدا في الحديث عن الله أو قل تربية دينية موحدة تلقاها الأبناء عن الآباء ، أو الخلف عن السلف ، فأنتجت هذه الوحدة العقائدية والسلوكية ، إذ لا يتوحد سلوك البشر إلا إذا توحدت معتقداتهم

واختتم أستاذ الشريعة الإسلامية بالقول: أما قولهم (إلهًا واحدًا) فقد كرروه في كلامهم لفائدة التركيز علي الوحدانية ، فالألوهية معروفة وإنما الوحدانية هي التي كانت غير معروفة ، ومن هنا كان استنكار بعض كفار قريش ، علي مسألة التوحيد أي توحيد الألوهية فقالوا عن النبي صلي الله عليه وسلم: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) فالأمر الجديد عليهم هو توحيد الإله في مقابل تعدد الالهة الذي عرفوه وتربوا عليه أجيالًا متتالية.