قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ان الله عز وجل يعلم أن المنافقين سيقومون في الشرق والغرب وأتباعهم وأذنابهم فيتهمون المؤمنين بالظلامية، ويدعون للفساد في الأرض والتخريف والتحريف، فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل وهذا ديدنهم.
يعلم ربنا وهو الذي خلقهم أن هذه الدعاوى لا تساوي شيئا عند الإنسان المؤمن السوي، وأن تحديد دائرة النور، وتحديد دائرة الظلام إنما هي بإذن الرحمن، قال تعالى : ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ﴾ [التوبة :67].
وهذا النور الذي يهدي الله به المؤمنين بإذنه إلى صراطه، وعبر ربنا بقوله سبحانه ﴿إلى صراط العزيز الحميد﴾ واسمه سبحانه العزيز فيه قوة، وشدة، وفيه تفرد، وفيه توحيد، وفيه أيضا استقلال بتحديد دوائر النور والظلام، فهو الذي يصف الأفعال، وهو ما فهمه الأصوليون في باب الحكم الشرعي عندما تكلموا عن الحسن والقبيح، وذكروا الخلاف هل هما عقليان ؟ أم شرعيان ؟ والصواب ما ذهب إليه جمهور المتكلمين من السادة الأشاعرة أن الحسن وصف شرعي، والقبح كذلك، فالله هو الحاكم وهو الذي يصف الأفعال والعقل بعد ذلك يدرك هذا الوصف ويتعامل معه، وكذلك هو الذي يصف لنا النور والظلام، فلا يضرنا أن يسمي أحد من الناس الظلام بالنور، أو النور بالظلام طالما أن ربنا بين لنا ذلك.
فالله سبحانه وتعالى لا مثيل له، لا في قدرته ولا في خلقه ولا في حكمته ولا في إبداعه، فهو سبحانه تعالى استوفى صفات الكمال كلها، وهو حقيق بالحمد منا من أجل تفرده في عليائه، وهو ما يبين معنى الاسم الحسن الذي ختم الله به هذه الآية حيث ﴿العزيز الحميد﴾ أي يحمده الحامدون، على كماله حمدا مستغرقا لا نهاية له كما أن كمالاته لا نهاية لها. وهو سبحانه لا يحتاج إلى الدليل يقام عليه فهو أظهر من الدليل، ومن المستدِل ومن المستدَل ليه، هو سبحانه وتعالى رب العالمين فهو يستحق منا الحمد فهو حميد.