ما هي حقيقة جهنم؟، وما درجة هذا الأثر: “لو علم أحدكم حقيقة جهنم؛ لصرخ حتى ينقطع صوته”؟، سؤال أجاب عنه الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط.
“لو علم أحدكم حقيقة جهنم لصرخ حتى ينقطع صوته”.. ما درجة هذا الأثر؟
وقال “مرزوق”: ورد في بعض فتاوى أهل العلم ما يلي: فهذا الأثر قد صححه الحاكم في المستدرك، ووافقه الذهبي، ولكن مع اختلاف يسير في لفظه عما أورده السائل؛ فقد رواه الحاكم بسنده عن ابن أبي مليكة قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمرو في الحجر فقال: ابكوا، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا، لو تعلمون العلم لصلّى أحدكم حتى ينكسر ظهره، ولبكى حتى ينقطع صوته. هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. تعليق الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
وتابع في بيان درجة أثر «لو علم أحدكم حقيقة جهنم لصرخ حتى ينقطع صوته»: أقرب من لفظ الحاكم لما أورده السائل ما جاء في كتاب الزهد لابن المبارك -رحمه الله-: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا، ثُمَّ قَالَ: ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُكَاءً فَتَبَاكَوْا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ الْعِلْمَ لَصَرَخَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ، وَصَلَّى حَتَّى يَنْكَسِرَ صُلْبُهُ.
خلود الكفار في النار
ورد من السنة ما يدل على خلود الكفار في النار:
1- حديث أنس رضي الله عنه -المتفق عليه- الذي روي في شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ»، وكان قتادة يقول عند هذا: أي: وجب عليه الخلود.
فالحديث فيه دلالة على أن من أهل النار من يخلد في النار، وهم الذين قد أخبر القرآن بأنهم خالدون في النار؛ كما في قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الجن: 23].
2- ما رواه البخاري ومسلم أيضًا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ».
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (11/ 421، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة؛ كما قال تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: 36]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [السجدة: 20]، قال: فمن زعم أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة] اهـ.
3- ما أخرجه أحمد وابن ماجه -واللفظ له- وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا: خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ، لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا».
ففي الحديث دلالة على بطلان دعوى فناء النار؛ لأنه جعل النار كالجنة من حيث خلود أهل الجنة فيما هم فيه من النعيم، فكذلك أهل النار خالدون فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد، فكما أن الجنة لا تفنى أبدًا فكذلك النار لا تفنى أبدًا.
4- ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ -أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ- فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ».
وجه الدلالة من الحديث أنه صرح أن الكافر لا يموت في النار ولا يحيا، فإذا قيل بأن النار تفنى، فإما أن يقال: تفنى بمن فيها كما هو المتبادر، أو تفنى وحدها دون من فيها، وكلاهما باطل مخالف لصريح قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى: 13]، فمعنى الآية كما قال ابن كثير: أن الشقي -وهو الكافر- لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه، بل هي مضرة عليه -راجع: "تفسير ابن كثير" (14/ 323، بتصرف، ط. مؤسسة قرطبة)-، فإن فني الكافر معها فقد مات واستراح، وإن حيي دونها فقد استراح منها أيضًا، وكل هذا باطل.
5- وقد أخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: "أهل النار يدعون مالكًا فلا يجيبهم أربعين عامًا، ثم يقول: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: 77]، ثم يدعون ربهم فيقولون: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ﴾ [المؤمنون: 107] فلا يجيبهم مثل الدنيا، ثم يقول: ﴿اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: 107] ثم ييأس القوم فما هو إلا الزفير والشهيق تشبه أصواتهم أصوات الحمير، أولها شهيق وآخرها زفير.