تعد التكنولوجيا الرقمية، بكل أمثلتها المعروفة من هواتف محمولة، وألعاب إلكترونية، ووسائل تواصل اجتماعي، وغيرها من الأمثلة، أحد أهم التطورات التكنولوجية الحديثة، وسرعان ما تحدث تغيرات وتطورات داخل هذا العالم، حتى أصبح مصدر قلق ورعب لكل مَن لا يدرك أبعاده، مع أنني أحب حالة التلاقح الفكري التي أكتسبها من التكنولوجيا الرقمية.
في لحظة تفكير عميق، عندما رأيت فيديو لاستخدام الذكاء الاصطناعي لبصمة الصوت، وبصمة الوجه؛ أدركت أبعاد ما نحن ذاهبون إليه، إذ أصبح من الممكن أن أستعمل بصمة صوتك مع بصمة وجهك، وأركب صوتًا وصورة لينتهي المنتج مساويًا لشكلك تمامًا وصوتك، قائلًا ما أود أنا قوله؛ وهنا تبلورت فكرة هذا التحليل.
نحن أمام كذب بَين، ونطق بأكاذيب، وتدليس ببصمة الوجه، فما هذا الشيطان الرجيم الذي نحمله بين أيدينا، الذي يسمى بالهاتف المحمول؟
إنه المسيح الدجال!
نعم، هو! بعينه الواحدة، وهي الكاميرا، وجنته نار، وناره جنة، ويأتي في زمن الفتن، فكلنا نترقبه، ونترقب قدومه.
سألت نفسي: لماذا نظن أن المسيح الدجال سيأتي في زمن الجمال، وبين الصحراء؟ لماذا لم نتخيله "كاجوال"، أو من عصرنا الحديث؟ لماذا ظنناه بشرًا؟
لماذا لا يكون هذا الهاتف المحمول بين أيدينا هو نفسه الفتنة الكبرى المسماة بالمسيح الدجال؟
التكنولوجيا الرقمية أعطتنا بيئة إلكترونية ساعدتنا في حياتنا، فأضحت سهلةً ومرنة، ولكنها مثلما أعطتنا أخذت؛ فعلى سبيل المثال، أصبحت هناك بيئة جديدة رقمية يتعلم فيها المراهقون، ويمارسون مراهقتهم بين ألواحهم الإلكترونية، يتعلمون القتل، والدم، والعنف في سن مبكرة، في أوج تدفق الهرمونات بين سن الثانية عشرة والثامنة عشرة، فيتشبع العقل الباطن بفكرة العنف، وفكرة الميليشيات، وجمع الأسلحة. ولكي تكون أكثر لطفًا يعطونك مكافأة اختيار الملابس العسكرية، وتنويعها وتفخيمها، والابتكار في تصميمها، وتنويع أسلحتك كذلك، ولا مانع أيضًا من وجود شخصية صديقة مثيرة داخل اللعبة، ليست حقيقية؛ لتمتزج فكرة تعلقك باللعبة الإلكترونية، فهو دمج نفسي لفكرة القتل مع الإثارة والجمال، وهذا كله يُخزَّن بداخل عقول المراهقين، ويحدث تكرار تراكمي حتى يكبروا على تبلد المشاعر، وعلى القتل والدماء.
هل تدركون ما أنتم فاعلون بأبنائكم باسم الحب، وباسم الانفتاح والتطور والحرية؟ وكل هذا بدون رقابة، وكأن الرقابة الأبوية هى شيء شائن أو معيب، مع أنني أراها وساطة أبوية بين الأبناء وهذه التطبيقات المدمرة لطبيعتنا الإنسانية التي خُلقت على المحبة والتراحم والخير، وليس على القتل والعنف والدم!
ولعل حديثي هذا يقودنا إلى الحديث عن أمر آخر ذي صلة بما تحدثنا عنه، وهو ما سمّيته "البلاعة الرقمية"- إذا جاز التعبير- التي انتشرت فيها ما اصطلحتُ على تسميته "الفقاعات الإلكترونية"، المعروفة لدينا باسم "التريند"، التي أراها "فقاعات" مسمومة بسموم إلكترونية، ممزوجة بفضيحة، أو فكاهة، وأنا أرى الأمر- في حقيقته- تنمرًا وعنصرية.
لقد خلقت تلك البيئة الإلكترونية أمراضًا نفسية جديدة، وظهرت من خلالها نماذج لا تعرف غير التفاهة والهزار، والعجيب أن تجد قنوات تليفزيونية (بعضها قنوات كبيرة) تتلقف تلك النماذج، فتجعلهم يعملون مذيعين فيها، وهو ما أراه "إفلاسًا إعلاميًّا"! فما الذي يمكن أن تعطيه تلك القنوات للمشاهد؟ إن المذيع يرتقي بالذوق العام، ويعطي الجمهور ما يحتاج إليه، وليس ما يريده. ولعل سائلًا يسأل: كيف لمذيعة بثقافة معتزة مهابة ورقيها أن تجلس في بيتها في أوج تألقها، وتخرج علينا أشباه المذيعات، فاقدات الذوق والرقي في اختيار مفرداتهن، وألفاظهن، وأفكارهن؟
وليس ببعيد عمّا نتحدث عنه، ما نجده مِن ظاهرة مَن يُعرفون بـ "البلوجرز"، فلا ثقافة، ولا تعليم، ولا أصل، ظهروا بيننا، وبعد شهرتهم بين عشية وضحاها أخرجوا لنا بيئتهم الحقيقية؛ فعندما يغضبون "يا ساتر "، يتراشقون بعنف وعنصرية، وتنفتح علينا "بالوعة" برائحة المستنقعات التي خرجوا منها.
لعل الأمل قائم! ولكن من أين يأتي الأمل بعد ظهور المسيح الدجال؟ فأنا في انتظار فيديوهات جديدة تسمى تسريبات، ولكنها ستكون من صُنع المسيح الدجال، فيها فضائح دول، وخراب بيوت، وهلم جرّا.
وسأختم مقالي بهذه الآية الكريمة : "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".