الكتابة والرسم الإملائي يخضعان لقاعدة مهمة جدا وهي: (الاصطلاح)، فما اصطلحنا واتفقنا وتوافقنا عليه ففهمناه وأدركناه وتحقق به التواصل والمراسلة فيما بيننا ففهمه الكاتب والقارئ حتى وإن كانت الكتابة مجرد رموز أو أشكال غير مفهومة لبعض الناس ولكن إذا تحقق بها فهم المضمون فيما بين مجموعة أخرى من الناس فقد تحقق الاصطلاح.
[[system-code:ad:autoads]]
الكتابة القرآنية أو رسم المصحف لا يخضع لهذه القاعدة (الاصطلاح) ولكنها كتابة وقفية أي موقوفة على ما وضعه علماء الرسم القرآني من قواعد تحفظ للقرآن قدسيته وتنزهه عما سواه، لذلك فالرسم الإملائي للمصحف لا يقاس عليه في عموم الرسم الإملائي بين الناس، فلا نكتب الصلواة أو السموات كما في القرآن ولكن نكتب الصلاة والسماوات وفقما جاء في اصطلاح العرب في وضع الكتابة العربية باللغة الفصحى وسبب الفصاحة هنا هو اقترابها للغة العرب الأوائل والتي تحداها القرآن بلغتهم وكانت لغة القرآن من ضمن إعجازه.
تعددت الألسنة وتطورت اللغة مع تطور الزمن ودخول الاختراعات والألفاظ الجديدة وانقسمت اللغة العربية إلى لهجات عامية تختلف المصرية عن الشامية عن المغربية عن الخليجية فظهر أثر هذا الاختلاف في الكتابة.
هنا الكتابة تخضع إلى قاعدة جديدة إلى جانب قاعدة الاصطلاح وهي: (المنطوق)، فالذي يكتب بالعامية وفق لهجته العربية سيكتب كيفما ينطق.
لذلك فالكتابة بالعامية المصرية تخضع لقاعدتين:
الأولى الاصطلاح: فإذا كتبت (محمد آل إنه تعبان جدن) وفق المنطوق فسيستغرب القارئ وربما لن يفهم المكتوب، فلن يتحقق التواصل لأن الفهم غير متحقق، وسبب ذلك هو عدم الاصطلاح، ولكننا اصطلحنا في العامية على أننا نقلب القاف في النطق العامي إلى همزة ولكن لا نكتبها همزة مثلما ننطقها وكذلك التنوين نفهمه من الكتابة ولكن لا نكتبه في صورة حرف النون، فنكتب (محمد قال إنه تعبان جدا) وبها يتحقق فهم الرسالة، وهذا وفق الاصطلاح.
الثانية المنطوق: أي مع قاعدة الاصطلاح في الكتابة العامية نتبع قاعدة نكتب ما ننطق ما لم يخالف الاصطلاح، فإذا كتبنا كلمة (بحبك، بقولك، بكرهك، بموت فيك، هقابلك هجيلك، هشوفك، بكلمك) فستتحقق القاعدتان أي الاصطلاح لأن القارئ المصري سيفهم المقصود، والمنطوق لأنها متفقة مع طريقة نطق المصريين لهذه الكلمات، فإذا كتبت (بأحبك، بأقولك،...) فقد خالفت النطق والاصطلاح، وبهذا نحاول ترسيخ قاعدة جديدة لا وجود لها لا قديما ولا حديثا، وأصبحت هنا أختلق قاعدة جديدة لا أصل لها نطقا أو اصطلاحا، فإذا كتبت (باحبك، باقولك) فلا وجود لهذه الألف لا في المنطوق ولا في الاصطلاح لأن الأصل (أحبك، أقول لك)، ودخول ألف الوصل على المضارع بحجة الكتابة العامية يدخلنا في تفريعات لا داعي لها وستغير شكل الكلمات بما يخالف قاعدة الاصطلاح.
الكتابة بالعامية المصرية سهلة وبسيطة ولا تحتمل وجهات النظر أو تحميلها فوق ما تطلب، نلتزم فيها بالاصطلاح والمنطوق، ليتحقق بها الفهم.
واستخدام العامية في الكتابة الأدبية ليس خللا ولكنه فن إذا كان الكاتب موهوبا في استخدامها بطريقة فنية إبداعية، من يجرؤ أن يقول إن صلاح جاهين ليس مبدعا أو موهوبا؟ أما تعبير مثل (فسحبها من وسطها) هو تعبير في غاية الركاكة والابتذال، حتى وإن صح لغويا.
كثيرون يكتبون بالعامية ولكن المشكلة في عديم أو ضعيف الموهبة سواء في الكتابة بالفصحى أو الفصيحة أو العامية، فهذا لن يروي ظمأ أو يسد جوعا، وستخرج من كتابه مثلما بدأته، والعيب هنا ليس في اللغة نفسها وإنما في قدرة الكاتب وموهبته في استخدامها وضعفه في الكتابة بها.
وتفصيلا لما ذكرت فالكتابة لها ثلاثة أنواع:
(كتابة عروضية - كتابة المصحف - كتابة اصطلاحية).
الكتابة العروضية وهي الخاصة بالشعر وكل ما ينطق يُكتب.
وكتابة المصحف وهي كتابة وقفية حسب ما ورد ووصلنا ولا يُقاس عليها.
والكتابة الاصطلاحية وهي ما نكتبه باللغة العربية الصحيحة كما اصطلح عليها العرب ووردت عن استعمال العرب ونحن نتعلمها ونكتبها بما وضعوا لها من قواعد زيادة وحذف وهمزات وتنوين... إلخ.
أما الكتابة بالعامية التي نتحدث بها في مصر فليس كل ما يُنطق يُكتب كما في الكتابة العروضية؛ فنحن نكتب كلمة جدًا بالعامية بالتنوين ولا نكتبها جدن.
وليست ككتابة المصحف أو الكتابة الاصطلاحية، فنكتب كلمة الصلاة ولا نكتبها الصلواة، ونكتب كلمة إنتي للمخاطبة ولا نكتب أنتِ، ونكتب معاكي للمخاطبة ولا نكتب معكِ.
الكتابة العامية لا تخضع لقواعد النحو أو لقواعد الإملاء نكتب (الضيوف مشيو) ولا نكتب (الضيوف مشوا) ولكنها تخضع للسماع، فكما تُسمَع تُكتب.
فنحن نسمع كلمة (مكنتش) كلمة واحدة ولا نقول (ما) ثم نسكت ثم (كنتش) فنكتبها (مكنتش) وليس (ما كنتش) وما يقابلها في الفصحى (لم أكن) من مقطعين ومثلها (مش هقدر) لا نجزئها لمقاطع (ها اقدر) وكلمة (بحبك) لا نقول (با أحبك) ولكن ننطقها كلمة واحدة.
وأما من يقول بأنه حال الجمع نذكر حروف المضارعة مثل (بنحبك - بيحبك) فهذا لا يثبت كتابة الألف في المفرد لأننا لا ننطقها مثلما ننطق حروف النون والياء، كما أن حذف النون والياء سيضيع المعنى فلا يمكن حذف الحروف الدالة على الجمع أو الغائب، أما كلمة بحبك فلا ننطق فيها ألفا ولا يحدث خلل في المعنى أو غموض يستدعي كتابتها.
الكتابة العامية تقبل التشكيل للتوضيح، مثل الشدة في (لسَّه شويَّه) والتنوين في (مثلًا - جدًا).
الكلمات (كدا - النهاردا - دا - معايا) نكتب آخرها بالألف أقرب للنطق من الهاء أو التاء المربوطة.
الكتابة بالعامية تحمل خلافات كثيرة بين الكُتَّاب وتختلف باختلاف اللهجات فيوجد العامية الصعيدية والعامية السواحلية والعامية البدوية والعامية الريفية والعامية الشعبية، وتختلف العامية من جيل إلى جيل فالعامية القديمة غير العامية الحديثة وهناك مصطلحات تظهر وأخرى تختفي.
وأخيرًا فإن الكتابة عمومًا هي رسم لرموز هدفها تحقيق التواصل بين الناس، فإذا أردت الكتابة بالعامية فاجعلها خاضعة للفهم بأن تكون لغة مفهومة للقارئ كما يتكلمها هو فكلما ابتعدت عن الغموض والتعقيد في التعبير عن اللهجة العامية بالحروف والكلمات كان تحقيق التواصل أقوى وأسهل وهذا هو الهدف المرجو تحقيقه.