قررت محكمة العدل الدولية في جلستها، الجمعة، فرض تدابير مؤقتة على إسرائيل بهدف منع انتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، كما رفضت المحكمة طلب إسرائيل رد الدعوى في القضية المرفوعة ضدها من جنوب إفريقيا بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة.
لم تصل لوقف إطلاق النار
ودعت المحكمة إسرائيل إلى بذل المزيد من الجهود لمنع الأعمال التي يمكن أن تقع ضمن نطاق اتفاقية الإبادة الجماعية، لكنها لم تصل إلى حد الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
ولم تقدم محكمة العدل الدولية حكمًا بشأن ما إذا كانت تصرفات إسرائيل تشكل إبادة جماعية أم لا، وقد تستغرق هذه المداولات عدة سنوات.
وقالت رئيسة المحكمة القاضية جوان دونوغو: "يجب على إسرائيل، وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، أن تتخذ جميع التدابير التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأعمال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من الاتفاقية".
ورأت المحكمة كذلك أنه يجب على إسرائيل أن تضمن، على الفور، عدم قيام قواتها العسكرية بارتكاب أي انتهاكات. وأكدت المحكمة أنه يجب على إسرائيل أن تتخذ التدابير في حدود سلطتها لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وطلبت المحكمة من إسرائيل تقديم تقرير حول التدابير التي ستتخذها خلال شهر.
وقالت القاضية: "ترى المحكمة كذلك أنه يجب على إسرائيل أن تتخذ تدابير فورية وفعالة لتمكينها من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة ظروف الحياة المعاكسة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة".
وأضافت: "يجب على إسرائيل أيضًا اتخاذ تدابير فعالة لمنع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب أعمال ضمن نطاق المادة الثانية والمادة الثالثة من اتفاقية الإبادة الجماعية ضد أفراد المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة".
ورأت المحكمة أنه من الضروري إعادة التأكيد على أن جميع أطراف النزاع في غزة ملزمون بالقانون الإنساني الدولي، ودعت إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس في غزة.
وخلصت المحكمة إلى اختصاصها في نظر القضية بين جنوب أفريقيا وإسرائيل. وقالت رئيسة المحكمة القاضية جوان دونوغو إن "المحكمة رفضت طلب إسرائيل رد القضية". وأضافت: "من وجهة نظر المحكمة، يبدو أن بعض الأفعال التي ادعت جنوب إفريقيا أن إسرائيل ارتكبتها في غزة، يمكن أن تندرج ضمن الأحكام (ضمن أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية)".
اتفاقية الإبادة الجماعية
وأكدت المحكمة أنه بموجب المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، يشكل الفلسطينيون ما تعتبره "مجموعة محمية".
وقالت القاضية: "يبدو أن الفلسطينيين يشكلون مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية متميزة، وبالتالي مجموعة محمية بالمعنى المقصود في المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية". وأضافت: "تشير المحكمة إلى أنه، وفقا لمصادر الأمم المتحدة، يبلغ عدد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة أكثر من مليوني نسمة. ويشكل الفلسطينيون في قطاع غزة جزءًا كبيرًا من المجموعة المحمية".
وتابعت قائلة: "تشير المحكمة إلى أن العملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023، أسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى بالإضافة إلى دمار هائل للمنازل".
وأكدت المحكمة أن "الحقائق والظروف المذكورة كافية لاستنتاج أن بعض الحقوق التي تطالب بها جنوب إفريقيا على الأقل والتي تسعى للحصول على الحماية لها هي مطالبة معقولة". وقالت القاضية: "هذا هو الحال فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية والأفعال المحظورة ذات الصلة المحددة في المادة الثالثة وحق جنوب إفريقيا في السعي إلى امتثال إسرائيل لالتزامات الأخيرة بموجب الاتفاقية".
وأضافت : "تهدف بعض التدابير المؤقتة التي تسعى جنوب إفريقيا على الأقل إلى الحفاظ على الحقوق المعقولة التي تؤكدها على أساس اتفاقية الإبادة الجماعية في هذه القضية، أي حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية والانتهاكات".
وكانت جنوب إفريقيا رفعت دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، مدعية أنها ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وتفشل في منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، في انتهاك لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، ورفضت إسرائيل هذه الاتهامات ووصفتها بأنها "كاذبة"، و"مشوهة بشكل صارخ".
وتتكون محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً، يخدم كل منهم لمدة 9 سنوات، لإصدار الحكم في قضية جنوب إفريقيا التي زعمت فيها أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة، في إحدى أكثر القضايا التي تمت مراقبتها عن كثب من قبل المحكمة منذ سنوات، وبالإضافة إلى القضاة الدائمين الـ15، يمكن تعيين قضاة خاصين من قبل الأطراف في قضايا النزاع بين دولتين - في هذه الحالة، إسرائيل وجنوب إفريقيا - وبذلك يبلغ عدد القضاة في هذه القضية 17، وعينت جنوب إفريقيا ديكجانج موسينيكي، نائب رئيس المحكمة العليا السابق في البلاد، في حين عينت إسرائيل أهارون باراك، الرئيس السابق للمحكمة العليا في البلاد.
توصيات وليست قرارات
في هذا الصدد، قال الدكتور أحمد سيد أحمد خبير العلاقات الدولية والشئون الأمريكية بالأهرام، إن قرار محكمة العدل الدولية اليوم جاء دون التوقعات ودون الآمال، ويعبر عن الحد الأدنى من المطالب التي كان يطلبها العرب وجنوب إفريقيا والعالم بأكمله وهو أن تتخذ المحكمة قرارات بتدابير احترازية تطالب إسرائيل بشكل واضح وملزم بوقف إطلاق النار ووقف عدوانها على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، وهذا لم يحدث وكل ما أصدرته المحكمة أقرب إلى توصيات وليس قرارات أي أنها تطالب إسرائيل بالعمل على منع الإبادة الجماعية و تفادي المدنيين والعمل على ضبط جنودها كما أنها تطالب إسرائيل باتخاذ تدابير بإدخال المساعدات الإنسانية ومنع حدوث مجاعة او كوارث إنسانية، وبالتالي هي اقرب الى توصيات منها الى قرارات لإسرائيل.
وأضاف خلال تصريحات لــ"صدى البلد" أن محكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل بتقديم تقرير خلال شهر عما تتخذه من إجراءات احترازية لمنع أي انتهاكات ضد الفلسطينيين ، وبالتالي لم يسفر هذا القرار عن وقف اطلاق النار كما كان البعض يتوقع ، وبالتالي هو يمثل الحد الأدنى من المطالب ، ولكنه جاء متوازن أي أنه لم يرفض دعوة جنوب افريقيا الخاصة بالإبادة الجماعية، وبالتالي النظر في الدعوى يعد نصراً للفلسطينيين، لكن عدم مطالبته بوقف اطلاق النار، يمثل انتصاراً لقوات الاحتلال الإسرائيلي، والمضي قدما في عملياتها العسكرية، كما اكدت على ضرورة إدخال إسرائيل المساعدات الإنسانية الى كل قطاع غزة، و في المقابل لم تنص على تفاصيل خاصة بزيادة المساعدات او حجمها او غيرها من الأمور، ولكن إجمالاً القرار خطوة مهمة في اتجاه العمل على وقف إطلاق النار.
واستكمل : القرار غير ملزم، ولكنه اقرب الى توصيات، واعتقادي أن إسرائيل ربما تستجيب لان هذا القرار جاء في صالحها وبالتالي لم يطالبها بوقف اطلاق النار ولم يتهمها بشكل مباشر بقيامها بجرائم إبادة جماعية وانما طالبها باتخاذ المزيد من الإجراءات الاحتياطية لمنع حدوث انتهاكات او إبادة جماعية، وبالتالي إسرائيل ليست مضطرة لتنفيذ القرار لكنها ربما قد تقدم تقارير للدفاع عن نفسها.
إمساك العصا من المنتصف
من جانبه، قال الدكتور طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، إن قرار محكمة العدل الدولية يحمل عدة توازنات سياسية بحيث يتمكن من إمساك العصا من المنتصف والرقص على جثث الفلسطينيين، و لا يوجد ما يلزم إسرائيل لأنها قرارات عامة متفق عليها لا جدال فيها حتى من نتنياهو وأمريكا.
وأضاف الدكتور طارق البرديسي خلال تصريحات لــ"صدى البلد" أن رد إسرائيلعلى قرار محكمة العدل الدولية متوقع ولكن لا يوجد ما يلزمها بوقف إطلاق النار، وفيما يخص مردود هذا القرار على غزة فهو سيكون معنويا أخلاقيا ولكن لم يرق إلى الأمر بوقف إطلاق النار.