الضربات الجوية، التي شنتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا على الحوثيين في اليمن، فتحت جبهة جديدة للصراع في الشرق الأوسط. وليس هناك دليل عربي أو غربي أو حتى من داخل الإدارة الأمريكية ذاتها، يفيد أن هذه الضربات ستردع الحوثيين أو ستمنعهم من مهاجمة السفن المارة في البحر الأحمر والمتجهة لقناة السويس.
والحق أن تصرف الإدارة الأمريكية، في الأزمة جاء غبيا لأقصى درجة في التعامل مع أزمة الحوثيين، بعد تصاعد ضرباتهم الصاروخية في البحر الأحمر، ضد السفن المارة واحتجاز بعضها والتهديد بضرب المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة. فالصواريخ المواجهة بملايين الدولارات ليس لها صدى عند الحوثيين، ولن تؤثر على ميليشيا مسلحة تستخدم أدوات بسيطة وبدائية في "بلد منكوب" هو اليمن، لإعاقة السفن المارة أو قيادة قوارب بالية تحمل على متنها عدة عناصرمسلحة لاحتجازها.
والأحرى، إنه كان يمكن للإدارة الأمريكية، إيقاف أزمة الحوثي أو التعامل معها بطريقة أخرى لاتشعل المنطقة التي تحيا فوق بارود، حيث كان بالإمكان:-
-الضغط على حكومة الاحتلال الاسرائيلي، لوقف عدوانها في غزة الذي تخطى الـ100 يوم فلا هي ستنتصر، ولا هى بإمكانها أن تحقق فوزا داخل القطاع يعيد لها هيبيتها، بعد ضربة طوفان الأقصى، لكنها تقوم بإحدث أكبر قدر من الدمار وعملية ابادة جماعية للشعب الفلسطيني دون أن تطول حماس ذاتها أو فصائل المقاومة الفلسطينية.
-وغني عن التعريف أن الحوثي، الذي دخل على أزمة غزة، هدد، وهددت إيران علانية من قبله في تصريحات منشورة، باستمرار التعرض للسفن والأعمال بالبحر الأحمر طالما تواصل العدوان على غزة.
ولسنا الآن، في مساحة للحديث عن مدى الارتباط بين كل هذه الجماعات المسلحة في العديد من الدول العربية، والدولة الأم "إيران"، لكن إيقاف حرب غزة سيقود حتما لتهدئة في البحر الأحمر.
-كان بإمكان الإدارة الأمريكية، ودون اتخاذ قرار منفرد بشن هجمات على الحوثي، يعلمون يقينًا إنها لن تحقق شيئا يذكر، أن يتم الضغط على إيران من جانب أصدقائها، لوقف عدوان الحوثي ولجم هذه الجماعة المسلحة، من أن توقف حركة الملاحة الدولية والتجارة العالمية عبر البحر الأحمر.
-فالحوثي في حد ذاته ليس شيئا يذكر، وكذلك حزب الله والمجموعات المسلحة في العراق وسوريا وغيرها، وهم أنفسهم يعترفون بذلك ولكنها "تابعة" لإيران وهذا ايضا يعرفه العالم كله.
-كان بإمكان الولايات المتحدة، وعبر إدارة بايدن التي قاربت فترة ولايتها على الانتهاء، ودخلت للعام الأخير دون أي إنجاز يذكر بخصوص القضايا المشتعلة حول العالم، أن تجد حلا لملف ايران، وتتحرك جديا في أزمات اليمن وسوريا، وغيرها، لكن بايدن وإدارته "نفضّوا" للمنطقة بحسب التعبير المصري الدارج، ولم تنجز أي قضية ولم يتم حتى الاقتراب منها بشكل حقيقي.
-الصدمة، أن كبريات شركات الشحن في العالم أعلنت وفق تقارير منشورة لرويترز، ان غالبية الناقلات والسفن غيّرت طريقها لكي تتفادى الخطر في البحر الأحمر، مع توقعات بأن تستمر الأزمة لعدة شهور على الأقل.
-قصة الحوثيين في اليمن ليست وليدة اليوم، ولكنها فورة من فورات الفوضى التي أعقبت ما سمي الربيع العربي الأسود، الذي أنتج كيانات سياسية وميليشيات مسلحة فجة، حيث انزلق اليمن إلى مصيره المحتوم، وظهرت هذه الجماعة الايرانية بقوة ودخل اليمن في حرب أهلية مريرة لا تلبث أن تهدأ حتى تشتعل من جديد.
-أزمة الحوثي، لا تخص الولايات المتحدة فقط أو تخص دول الغرب، التي تبحث عن استمرار تدفق حركة التجارة العالمية، ولكنها تهم مصر في الأساس، فهذه الأعمال العبثية في مدخل البحر الأحمر الجنوبي، تؤثر على مصر في الأساس وعلى حركة المرور في قناة السويس، وعدد السفن المارة وهو ما نبه له بشكل مباشر رئيس هيئة قناة السويس.
وختاما.. بالإمكان الآن تطويق الأزمة في البحر الأحمر، قبل استفحالها، والحل عند إيران للأسف، وعلى من ضرب جماعات إيران أن يتحاور مع طهران "للم الدور"، في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، فالمنطقة لا تنقصها اضطرابات أكثر، والحوار مع إيران وأذرعها في هذه القضية أسلم الحلول.