هل يجوز خروج الأرملة في العدة للعمل؟ سؤال أجاب عنه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، حيث سائلة تقول ما حكم خروج المعتدة بعد وفاة زوجها لظروف اضطرارية؟
هل يجوز خروج الأرملة في العدة للعمل؟
وقال المفتي: شرع الله تعالى إحداد المرأة المتوفَّى عنها زوجُها بتربصها زمن العدة؛ تعبُّدًا له سبحانه وامتثالًا لأوامره، ووفاءً للزوج ومراعاةً لحقه عليها؛ فإن رابطة الزوجية عقد وثيق وميثاق غليظ.
[[system-code:ad:autoads]]وتابع المفتي في بيان هل يجوز خروج الأرملة في العدة للعمل؟: يجوز شرعًا للمرأة المعتدة من وفاة زوجها أن تخرج من بيتها لقضاء حوائجها الضرورية؛ ليلًا كان ذلك أو نهارًا، ما دامت تأمن على نفسها، كما يجوز لها شرعًا الخروج لعملها أو لقضاء حوائجها، كما يجوز لها الخروجُ لزيارةِ أهلها لتأنس بوُدِّهِم والحديث معهم كما نصَّ عليه بعض الفقهاء، بشرط التزامها بعدم الزينة وكذا المبيت في بيتها.
[[system-code:ad:autoads]]العدة معناها وأسباب مشروعيتها
العدة في الشرع: تربص المرأة مدةً زمنيةً مخصوصةً لمعرفة براءة رحمها بسبب طلاقٍ أو خلعٍ أو فسخِ نكاحٍ أو تفريقٍ أو وفاةٍ أو زنا. والعدة واجبة للمرأة.
ودليل العدة من الكتاب: قول الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234].
أما السنة: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة بنت قيس: «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ» أخرجه مسلم في "صحيحه".
وقد ذكر الفقهاء لمشروعية العدة أسبابًا عدة؛ منها:
1- الإحداد في حالة الوفاة على الزوج السابق، فلا يصح للمرأة الكريمة أن تتزوج فور وفاة زوجها؛ إذ يعد ذلك استهانة بالزوج الأول والعشرة التي قامت بينهما، وهي تستوجب الوفاء له.
2- وهي وقتٌ مقررٌ لاستبراء الرحم والتأكد من استبرائه، فإذا تزوجت زوجًا آخر يكون ذلك بعد الاستيثاق من فراغ الرحم.
3- وفي حالة الطلاق الرجعي: شرعت العدة لتوفير فرصةِ مراجعةٍ بين الزوجين يمكن للزوج فيها أن يرجع إلى أهله، فكانت العدة نحو ثلاثة أشهرٍ تقريبًا ليتمكن من مراجعة نفسه، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.
وعلى ما سبق وفي واقعة السؤال: يتضح أن أسباب مشروعية العدة ليست قاصرةً فقط على براءة الرحم كما تقول في سؤالك. هذا، ويرى كثير من الفقهاء أن حكمَ العدة حكمٌ تعبدي؛ بمعنى أنه أمرٌ أَمَرَنا به الشارع حتى ولو لم نَعقِل له معنى؛ مثل كون صلاة الصبح ركعتين والظهر أربعًا والمغرب ثلاثًا، فهذه أمورٌ يجب أن يتقبلها العبد المسلم ويسلمها لله تعالى؛ لأن عقله لا يمكن أن يصل إلى فهم العلة أو الحكمة في هذه التكاليف.
البيت الذي تعتد فيه المرأة المتوفى عنها زوجها
أوضحت دار الإفتاء أن من أحكام العدة أنه يجب على المرأة البقاء في منزل الزوجيَّة أيام عدتها؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234].
قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (5/ 79، ط. دار هجر): [أمَّا قوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾، إنَّه يعني به: يحتبسن بأنفسهن معتدات عن الأزواج والطيب والزينة والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن أربعة أشهر وعشرًا، إلا أن يكن حوامل فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن، فإذا وضعن حملهن، انقضت عددهن حينئذ] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 176، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾: التربص: التأني والتصبر عن النكاح، وترك الخروج عن مسكن النكاح؛ وذلك بألا تفارقه ليلًا] اهـ.
ولما رواه الترمذي في "سننه" عن زينب بنت كعب رضي الله عنها أنَّ الفُرَيْعَةَ بنت مالك رضي الله عنها أخبرتها: أنَّها جاءت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، وأن زوجها خرج في طلب أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حتى إذا كان بطرف القَدُوم -موضع على ستة أميال من المدينة- لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أرجع إلى أهلي؛ فإنَّ زوجي لم يترك لي مسكنًا يملكه ولا نفقة؟ قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَعَمْ»، قالت: فانصرفتُ، حتى إذا كنتُ في الحجرة -أو في المسجد-، ناداني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -أو أمر بي فنوديتُ له-، فقال: «كَيْفَ قُلْتِ؟» قالت: فرددتُ عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، قال: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، قالت: فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إلي، فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به. قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم". انظر: "سنن الترمذي" (3/ 500، ط. مصطفى الحلبي).
ووجه الدلالة في الحديث: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بأن تمكث في بيتها حتى تستوفي مدة عدتها بقوله: «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»، والأصل في الأمر الدلالة على الوجوب.
والمنزل الذي يتعين على المرأة أن تلزمَه مدة العدة هو منزل الزوجيَّة الذي كانت فيه عند حصول الفرقة بالموت أو الطلاق، أو الفسخ.
جاء في "ملتقى الأبحر" للحلبي وشرحه "مجمع الأنهر" للفقيه داماد أفندي من كتب الحنفية (1/ 473، ط. دار إحياء التراث العربي): [(وتعتد المعتدة في منزل يضاف إليها) بالسكنى (وقت) وقوع (الفرقة والموت)] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" من كتب المالكية (2/ 484، ط. دار الفكر): [(وسكنت) المعتدة مطلقة أو متوفى عنها (على ما كانت تسكن) مع زوجها في حياته شتاء وصيفًا، (ورجعت له إن نقلها) منه وطلقها، أو مات من مرضه] اهـ.
وقال العلامة الرملي في "نهاية المحتاج" من كتب الشافعية (7/ 155، ط. دار الفكر، بيروت): [(و) إنَّما (تُسَكَّنُ).. المعتدةُ حيث وجب سكناها (في مسكنٍ) مستحَق للزوج لائق بها (كانت فيه عند الفرقة) بموت أو غيره] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" من كتب الحنابلة (3/ 204، ط. عالم الكتب): [(ويحرم تحولها)؛ أي: المعتدة للوفاة (من مسكن وجبت فيه) أي: العدة، وهو الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ولو مؤجرًا أو معارًا] اهـ.
مكان قضاء العدة للأرملة عند تعدد مسكن الزوجية
إن تعدد مسكن الزوجيَّة بأن كان للزوج منزلان أو أكثر وأذن لها قبل موته في الانتقال من المنزل الأول إلى المنزل الثاني، أو كانا يترددان على كليهما ويستعملانهما معًا، ثمَّ علمت بموته حال كونها في المنزل الثاني لزمتها العدة فيه؛ لأنَّ الزوج قد أذن لها في الانتقال إليه بما له من قوامة عليها، فإذنه ينزل منزلة أمره بسكنى الثاني؛ قال العلامة الرملي في "نهاية المحتاج" (7/ 158): [(ولو) (انتقلت إلى مسكن) في البلد (بإذن الزوج فوجبت العدة) في أثناء الطريق بطلاق، أو فسخ، أو موت (قبل وصولها إليه) أي المسكن (اعتدت فيه) لا في الأول (على النص) في "الأم"؛ لأنَّها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول، وقيل تعتد في الأول؛ لأنَّ الفرقة لم تحصل في الثاني، وقيل تتخير بينهما، أمَّا إذا وجبت العدة بعد وصولها فتعتد فيه جزمًا] اهـ.
فإن علمت بموته قبل الانتقال المأذون فيه لم تنتقل؛ قال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (5/ 107، ط. دار الكتب العلمية): [(وكذا) تعتد أيضًا في الأول و(لو أذن) لها في الانتقال منه (ثم وجبت) عليها العدة (قبل الخروج) منه وإن بعثت أمتعتها وخَدَمها إلى الثاني؛ لأنه المنزل الذي وجبت فيه العدة] اهـ.
أمَّا إن انتقلت إلى المنزل الثاني وعلمت فيه بموته، وكان انتقالها هذا على خلاف أمره أو بغير إذنه الصريح أو الضمني أو الذي دلت عليه القرائن فيجب عليها حينئذ الرجوع إلى المنزل الأول واستيفاء العدة فيه؛ قال في "مغني المحتاج" (5/ 107): [(أو) كان انتقالها من الأول (بغير إذن) من الزوج فوجبت العدة ولو بعد وصولها إلى الثاني ولم يأذن لها في المقام فيه (ففي الأول) تعتد لعصيانها بذلك] اهـ.