السؤال الذي يجب طرحه بقوة في تلك الأزمات المتتالية التي تفتعلها إثيوبيا مع دول المنطقة، وهو من يحمي أديس أبابا في سياسة فرض الأمر الواقع، وعدم احترام الاتفاقيات الدولية، فبعد ما قامت به بحق سد النهضة، وعدم احترام الاتفاقيات الدولية بهذا الشأن، ها هي ذات الدولة تعتدي على أرض عربية أخرى، وهي الصومال، وتعقد اتفاقية مشبوهة مع إقليم انفصالي من الصومال، ووصل الأمر أن تضمنت تلك الاتفاقية وجود قاعدة عسكرية بجانب الحصول على إقليم بحري ليكون منفذا لها كميناء بحري على البحر الأحمر.
[[system-code:ad:autoads]]
وبحسب تقرير صحيفةvoa الأمريكية، فقد قال مسؤولون في الإدارة الأمريكية أمس الثلاثاء إن البيت الأبيض يرى مخاوف تتعلق بالأمن القومي في الاتفاق الأخير الذي يمنح إثيوبيا حقوق تأجير ساحل البحر الأحمر في منطقة أرض الصومال الانفصالية في الصومال، ولكن الخبراء شككوا في التزام واشنطن وقدرتها على تهدئة التوترات في المنطقة المضطربة، وقد وقع الطرفان الاتفاق في الأول من يناير، وفي ذلك الوقت، قال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية رضوان حسين إن الاتفاق يمهد الطريق أيضًا للوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر.
لتلك الأسباب أمريكا تتحرك
ووفقا للصحيفة الأمريكية، فقد قال جون كيربي، مدير الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي، لإذاعة صوت أمريكا إن واشنطن تعمل مع شركاء في المنطقة – بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية المكونة من ثمانية أعضاء – للضغط ضد مذكرة التفاهم غير الملزمة، والتي تعتبرها الحكومة الصومالية، ومقرها مقديشو، غير شرعية، وأوضح كيربي: "نحن بالتأكيد منزعجون، فكما قلنا مرات عديدة، نحن ندعم سيادة الصومال ووحدة أراضيه، ويجب احترام ذلك، وهذا الوضع الجديد قد يشجع المتشددين".
وتطالب أرض الصومال، وهي المقاطعة الانفصالية في الدولة الهشة، منذ فترة طويلة بالحكم الذاتي وتحكم من مدينة هرجيسا، وقد سعت إلى الاعتراف بها منذ عام 1991، لكن السياسة الرسمية للاتحاد الأفريقي تعارض التغييرات في الحدود المرسومة سابقا، وقال كيربي إن الوضع يشكل مصدر قلق للأمن القومي، لأنه قد يشجع مسلحي حركة الشباب الإسلامية التي طالما كانت الخصم الرئيسي في الحرب الأهلية الوحشية في الصومال، وأضاف: "ما يقلقنا بشكل خاص هو أن [مذكرة التفاهم] الموقعة مؤخرًا بين إثيوبيا وأرض الصومال تهدد بتعطيل القتال الذي يشنه الصوماليون والأفارقة والشركاء الدوليون الإقليميون، بما في ذلك نحن، ضد حركة الشباب، فلا تزال حركة الشباب تمثل تهديدا إرهابيا حقيقيا في المنطقة بلا شك، ولا نعتقد أن المنطقة قادرة على تحمل المزيد من الصراع".
إثيوبيا تتبع طريق خطير
من جانبه قال وزير الخارجية الصومالي السابق والسفير السابق لدى الولايات المتحدة، أحمد عيسى عوض، لإذاعة صوت أمريكا: "إنه طريق خطير، فقد خاضت الدول الشقيقة الحرب مرتين في الخمسين سنة الماضية، كنا نظن أننا تعافينا من هذا الصراع والتاريخ السيئ، وفي الآونة الأخيرة، كنا نعمل من أجل تحقيق تعاون كبير وانفتاح في القرن الأفريقي على بعضنا البعض، ولكن الآن، هذه الخطوة المضللة من جانب إثيوبيا تعرض كل ذلك للخطر وتعيدنا إلى أيام الصراع والمواجهة العنيفة، إنها تخاطر المنطقة برمتها وأمن المنطقة".
وأوضح، أنه بينما تتمتع الولايات المتحدة "بصوت محترم في الساحة الدولية"، فإن دعمها القوي لإسرائيل غيّر ذلك، لذلك أعتقد أنهم لا يملكون نفس النفوذ، بسبب الطريقة التي تدير بها أمريكا سياستها الخارجية، فإنها تفقد بعضاً من صوتها الأخلاقي.
ما الذي تم الاتفاق عليه؟
حتى الآن لم يتم الإعلان عن الصياغة الدقيقة للصفقة التي وقعها قادة إثيوبيا وأرض الصومال، وهي مشكلة نظرًا لوجود إصدارات مختلفة لما اتفق عليه الجانبان في مذكرة التفاهم، ومذكرة التفاهم هي بيان نوايا وليست اتفاقًا ملزمًا قانونًا، لكن ما يبدو واضحًا هو أن أرض الصومال مستعدة لمنح إثيوبيا إمكانية الوصول إلى البحر لحركة المرور التجارية عبر ميناء، على الرغم من أنه ليس من الواضح أي ميناء سيكون، وهناك أيضا الجانب العسكري، وقالت أرض الصومال إنها قد تؤجر جزءا من الساحل للبحرية الإثيوبية، وهو ما أكدته أديس أبابا.
وفي المقابل، ستحصل أرض الصومال على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية، الناقل الوطني الناجح في البلاد، ولكن الأمر الذي أصبح صعبا هو ما إذا كانت إثيوبيا قد أعلنت أنها ستعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وهو أمر لم تفعله أي دولة أخرى خلال الثلاثين عامًا منذ أن أعلنت المحمية البريطانية السابقة أنها ستغادر الصومال، وفي يوم التوقيع، قال رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي إن الاتفاقية تتضمن بندًا ينص على أن إثيوبيا ستعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة في وقت ما في المستقبل، ولم تؤكد إثيوبيا ذلك، وبدلاً من ذلك، وفي محاولتها توضيح ما ورد في مذكرة التفاهم، قالت الحكومة في 3 يناير إن الاتفاق يتضمن "أحكامًا... لإجراء تقييم متعمق تجاه اتخاذ موقف فيما يتعلق بجهود أرض الصومال للحصول على الاعتراف".
لماذا هذا مثير للجدل؟
بالنسبة للصومال وكافة دول العالم، تعتبر أرض الصومال جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وإن أي اقتراح بإمكانية عقد صفقة مع دولة أخرى أو تأجير أجزاء منها دون موافقة مقديشو يمثل مشكلة كبيرة، وفي اليوم التالي لتوقيع مذكرة التفاهم، وصف الصومال الاتفاق بأنه عمل من أعمال "العدوان" الذي يشكل "عائقاً أمام السلام والاستقرار". كما استدعت سفيرها من أديس أبابا، وصعّد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لهجته يوم الأحد قائلا: "سندافع عن بلادنا، سندافع عنها بكل الوسائل الضرورية وسنسعى للحصول على دعم أي حليف يرغب في مساعدتنا".
كما دعا الشباب إلى "الاستعداد للدفاع عن بلادنا"، وفي الأسبوع الماضي، اندلعت احتجاجات في مقديشو ضد الاتفاق، حيث خرج عشرات الآلاف للتعبير عن معارضتهم، وبالتزامن مع ذلك أعلنت العديد من الدول العربية رفضها لأي اعتداء على سيادة الدولة العربية، واليوم عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا طارئا على مستوى وزراء الخارجية لمناقشة تلك الأزمة، وأعلن جميع الحاضرين دعمهم للصومال، واتخاذ كافة التدابير اللازمة للحفاظ على وحدة أراضيها.