فى ذاكرة التاريخ هناك أناس يحفرون أسماءهم بحروف من ذهب لا تصدأ يوما، ولا يستطيع أحد محوها، تظل فى بؤرة الذاكرة بلا نسيان مهما مرت الأيام، ومن هؤلاء النجيبان المحفوظان: الدكتور نجيب محفوظ الطبيب المصرى الذى ولد فى الخامس من يناير عام 1882، والذى سمى باسمه النجيب الثانى تيمنا بنبوغه وعبقريته والذى تولى عملية ولادته، ألا وهو الأديب العالمى نجيب محفوظ الذى ولد فى 11 ديسمبر عام 1911.
هل الصدفة أم القدر الذى جمع بينهما؟ فكلاهما من نسيج الوطن، حيث الدين لله والوطن للجميع، فالأول قبطى والثانى مسلم، وكلاهما من أصحاب الديانات السماوية، ويرفعان شعار يحيا الهلال مع الصليب، وكلاهما أيضا من جذور ريفية تضرب بالعمق فى دلتا النيل، فالعالم الطبيب الابن الثامن لأحد كبار تجار القطن بمدينة المنصورة، بينما الأديب هو الابن السابع لأب ينحدر من عائلة إقطاعية، تدعى عائلة الباشا كانت تقطن مدينة رشيد حيث عمل الأب بالتجارة أيضا.
وفى القاهرة كانت الفجالة هى المسكن للدكتور نجيب محفوظ، بينما ولد ونشأ الأديب فى حى الجمالية، حيث كان لهذه الأحياء أكبر الأثر فى التكوين والنشأة لكل منهما من حيث الأصالة والعراقة والتقاليد الراسخة والعادات المتوارثة عبر الزمان.
الجميل حقا أن الطبيب نجيب محفوظ، والأديب نجيب محفوظ كانا يحبان القراءة والاطلاع منذ الصغر، واستطاع كل منهما أن يعلم نفسه بنفسه داخل وطنه، ونالا شهرة عظيمة بالداخل والخارج، ما دفع البروفيسور العالمى نيكسون أن يقول عن الدكتور "إليه يعود الفضل الأكبر فى تنبيه الرأى العام إلى أهمية العناية بالأم قبل الوضع".
عوامل مشتركة كثيرة جمعت بين النجيبين، فكلاهما نشأ على حب القراءة والكتابة، وها هو الطبيب وقد شجعه أبواه ومعلموه فى المنصورة والقاهرة على الكتابة والإنشاد، وكانت المواقف والمحطات فى حياته الدافع الذى أكسبه القدرة على التعبير، بالإضافة إلى أستاذيته فى إتقان اللغة العربية، والتى منحته القدرة على التأليف، فكان له العديد من المؤلفات الأدبية، والأبحاث العلمية أهمها "أطلس الدكتور نجيب باشا محفوظ" الذى صاغ فيه خبرته الإكلينيكية الطويلة على مدى 45 عاما فى ممارسة وتدريس أمراض النساء والولادة، فاستحق جائزة الدولة التقديرية عام 1959، وكان أول من ينالها وسلمها له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
بينما حصل الأديب نجيب محفوظ على أرفع الجوائز الأدبية العالمية، وهى جائزة نوبل للآداب عام 1988 بعد مشوار طويل فى الكتابة والإبداع طوله 49 عملا أدبيا بين الرواية والقصة القصيرة.
قرأ الأديب فى طفولته ما استطاع من أدب العرب القدماء، والمكتوب باللغة العربية الفصحى، وغيرها من المترجمات، ما كان له أكبر الأثر فى تكوينه الثقافى، وإن كانت البداية مع رواية بوليسية عنوانها "ابن جونسون" استعارها من أحد أصدقائه، حيث قرأها واستمتع بها ليبدأ بعدها طريقه فى عالم القراءة، ثم الكتابة والإبداع.
وبدأ التأليف وهو طالب فى المرحلة الابتدائية، عن طريق قراءة الرواية، وإعادة كتابتها بنفس الشخصيات ومع بعض التعديلات البسيطة، كما كان لكبار الكتاب المصريين والعالمين أكبر الأثر فى تكوينه الأدبى، وهو ما علق عليه قائلا: "عندما كتبت لم أقع تحت تأثير أحدهم، لكننى كنت أطرح هذا كله وأنهج منهجا واقعيا".
لقد استطاع النجيبان بالجهد والعرق والمثابرة الوصول إلى العالمية والانطلاق إليها بخلفية ثقافية ضربت بأعماقها فى جذور المجتمع المصرى، ولا ندرى أيضا هل هى محض الصدفة أم القدر مرة أخرى، أن يرحل كلاهما عن عمر قد تعدى التسعين عاما، تاركين تراثا من المؤلفات كل فى مجاله، فالأول طبيب أديب، والثانى أديب يرقى إلى مرتبة الدكتوراه، بل يفوق ذلك، وأن حياة كل منهما تؤكد أن عمر الإنسان لا يحسب بالسنوات طالت أم قصرت، بل بقيمة العمل المنتج الذى قدمه للإنسانية، رافعين شعار التواضع والتعبير عن الغرور باعتباره مفسدة للنجاح، ومقبرة للموهبة ، فليس هناك أدهى من صفة الغرور.
• بعد مرور 12 سنة على أحداث يناير 2011 هل تغيرت الصورة وأصبحت الحياة وردية؟ نعم بتنا نعرف عيوبنا، وبدأنا تصحيح مسارنا، ووضعنا لبنات قوية ترسى قواعد للعمل على مستقبل أفضل يراعى أجيالا قادمة لها طموحات مستحقة وآمال مشروعة.
• لا يستقيم البيت إلا بوجود أهم ركيزتين تربويتين الأب والأم، فبدونهما يصبح البيت بلا روح ولاهوية واضحة، فهما الموجهان والمربيان والقائمان على توفير بيئة سوية لأبنائهما، فلا يجب عليهما أن يتناسيا مهمتهما الأولى تحت أى ظرف.