قالت دار الإفتاء المصرية، إنه قد ذهب جمهور العلماء سلفًا وخلفًا على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة وأن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، وكذا قوله تعالى: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾، فالبصر من آلات الذات لا الروح.
وتابعت دار الإفتاء، في الرد على من زعم بأن رحلة الإسراء والمعراج رؤيا منامية: ومما يدل على أن الرحلة كاملة كانت بالروح والجسد معًا: أنها لو كانت بالروح فقط لما كان لتكذيب قريش بها معنى؛ وقد قالوا: "كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس، شهرًا ذهابًا وشهرًا إيابًا، ومحمد يزعم أنه أسرى به اللية وأصبح فينا"، ولو كان ذلك رؤيا منام لم يستبعدوه ولم يكن لردهم عليه معنى؛ لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أشد من ذلك ولا يكذبه أحد.
[[system-code:ad:autoads]]
قال الإمام القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 384-385، ط. دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب): [الذي عليه معظم السلف والخلف أنه أسري بجسده، وحقيقته في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء، وعليه: يدل ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار، ومبادرة قريش لإنكار ذلك وتكذيبه. ولو كان منامًا، لما أنكروه، ولما افتتن به من افتتن؛ إذ كثيرًا ما يرى في المنام أمور عجيبة وأحوال هائلة، فلا يستبعد ذلك في النوم، وإنما يستبعد في اليقظة] اهـ.
وأوضحت، أن الظاهر من سياق النصوص أنه كان يقظة، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل؛ ولأنه لو كان منامًا ما كان فيه عجب ولا غرابة، ولا كان فيه مجال للتكذيب به، ولا افتتن به أناس من ضعفاء الإيمان، فارتدوا على أعقابهم كافرين.
الإسراء والمعراج ليست رؤيا منامية
وأكدت دار الإفتاء، أن ما يستند إليه القائلون بأنها رؤيا منامية من قول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ [الإسراء: 61]، وأن "الرؤيا" تكون للمنامية، بينما "الرؤية" للبصرية: فمردود بأن ذلك غير لازم في لسان العرب.
يقول المتنبي: مَضى الليلُ والفضلُ الذي لكَ لا يمضي...ورؤياكَ أحلى في العَيونِ من الغُمض
وبما رواه البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس في تفسير الآية -وهو من أئمة اللسان العربي وحجة فيه- قال: "هي رؤية عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به".
وزاد سعيد بن منصور في روايته قوله: "وليس رؤيا منام" أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، فكلام ابن عباس حجة لغوية قاطعة، ثم هو مظنة حجة نقلية؛ إذ كان ابن عباس من أعلم الناس بأحواله صلى الله عليه وآله وسلم وشؤونه، على أن بعض المفسرين صرف الآية عن حادثة الإسراء إلى ما في سورة الفتح من قوله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفتح: 27].