قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

خطيب المسجد الحرام: الله خلق الكون بجمال وإتقان لا تنتهي عجائبه وأسراره

خطيب المسجد الحرام
خطيب المسجد الحرام
×

قال الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بجَمال وجلال، وإتقان وكمال، بزينة تسترعي النظر، وجمال يستدعي التفكر، لا تنقضي عجائبُه، ولا تنتهي أسرارُه، فالكون بسمائه وأرضه، وكواكبه ونجومه، ونهاره وليله، وشمسه وقمره، آيات بينات على إتقان الخالق جل وعلا.

آيات بينات

وأوضح " المعيقلي" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أنه كلما تدبرنا آثار خلقه، نرى التقدير بميزان، والحساب بإتقان، فأحسن سبحانه خلقه، وجوده وأتقنه، وجعله بديعاً في هيئته ووظيفته، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، بما تقتضيه حكمة العلي الأعلى، ولو اجتهد الباحث المدقق، ليجد خللا في صنعة الخالق، لرجع إليه جهده صاغرًا ذليلًا، كليلًا ضعيفًا.

وأضاف أن ذلك ظاهرُ إتقان ما نراه، فكيف بباطن ما لا نراه، من عجائب صنعة الخالق جل في علاه، وما يزال الحقُّ سبحانه، يكشِف للناس شيئًا من أسرار هذا الكون وآياته، وباهرِ صَنعَتِه وإتقانه، لما قال عز شأنه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

وأشار إلى أنه لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسَه، دعاه خالقه وبارئه، ومصوره وفاطره، إلى التبصر والتفكر في نفسه، ليجد آثار التدبير فيه قائمات، وأدلة إتقان خالقه ناطقات، شاهدة لمدبره، دالةً عليه، مرشدةً إليه، فبعد أن كان الإنسان قبل خلقته لم يكن شيئا مذكورًا، أصبح خلقًا متقنًا مستويًا إبداعًا وجمالاً.

وبين أنه إذا كان الله سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان، وأحكمه غاية الإحكام، فلأن تكون شريعته في غاية الإتقان والإحكام أولى وأحرى، فالقرآن والسنة، كل منهما محكم متقن، وقال سبحانه لنبيه: (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً).

ونوه بأنه لذا أمر عباده بالإتقان وأحبه، والإتقان هو عمل الشيء على أكمل وجه وأحسنه، قال ابن القيم رحمه الله: "والرب تعالى يحب أسماءه وصفاته ويحب مقتضى صفاته وظهور آثارها في العبد فإنه جميل يحب الجمال عفو يحب أهل العفو كريم يحب أهل الكرم عليم يحب أهل العلم وتر يحب أهل الوتر قوى والمؤمن القوى أحب إليه من المؤمن الضعيف صبور يحب الصابرين شكور يحب الشاكرين.

وأفاد بأنه إذا كان سبحانه يحب المتصفين بآثار صفاته فهو معهم -أي: معية خاصة- بحسب نصيبهم من هذا الاتصاف"، انتهى كلامه رحمه الله، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، فمن معاني الإحسان: الإتقان والإحكام، فتجويد الشيء وإحسانه وإتقانه، من المطالب الشرعية العظيمة، التي يحبها الله ورسوله.

أول ما ينبغي إتقانه

وأكد أن أول ما ينبغي للعبد أن يسعى في إتقانه وإحسانه، هو توحيد الرب جل جلاله، وإفراده بالعبادة، فمن أجل التوحيد؛ خلق الله السماوات والأرض، والجنة والنار، ولأجله أرسل الله رسله، وأنزل كتبه، وهو أصل الدين وأساسه، وأوَّل أركانه، وأول ما أمر الله به في كتابه؛ وهو أعلى شعب الإيمان، وأثقل شيءٍ في الميزان، وأول ما يُسأل عنه العبد في قبره، ويوم حشره ونشره، والموحد أرجَى من يحظَى بمغفرةِ ربه وعفوه.

واستشهد بما ورد في الحديث القدسي، يقول الله تعالى: (وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً، لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً)، رواه مسلم، فمن حقق التوحيد، فاز بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وجنة عرضها السموات والأرض، ومن أخل بتوحيده، فأشرك مع الله غيره، لن تُقبَل منه عبادتُه، فالله غنيٌّ عزيز، لا يقبل عملاً لم يُرَد به وجهه، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)، رواه مسلم.

ولفت إلى أن أولى الأعمال بالإتقان بعد التوحيد، ما افترضه الله تعالى على عباده، فالوضوء رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في إتقانه ، حتى في المكاره، من برد ونحوه، فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟)، قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ)، رواه مسلم.

ونبه إلى أنه حذَّر صلى الله عليه وسلم من الإخلال به، ففي صحيح مسلم: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّؤوْا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ.

لم تكن في الشريعة

ودلل بما َقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ)، والصلاة التي هي أعظم الشعائر بعد التوحيد، حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم إتقانها، بل عدّ من لم يتقنها، فأخل بأركانها، أنه لم يُصَلِّ، ففي الصحيحين: قال لرجل لم يتقن أداء صلاته: (ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، رواه البخاري ومسلم، فتربى الصحابة رضي الله عنهم على الإتقان، فكان أحدهم إذا حفظ شيئا من آي القرآن، لم ينتقل لغيرها، حتى يتقنها فقها وعملا.

وأشار إلى أن قضية الإتقان لم تكن في الشريعة، خاصة بالشعائر التعبدية، ولا بالعلوم الشرعية، بل حتى في الأعمال الدنيوية، لأن الإتقان سنة كونية، ومنهج حياة، وسمة حضارة، ولذا نجد النبي صلى الله عليه وسلم، عُنِيَ بالإتقان في كل شيء، فقال: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، رواه مسلم.

وتابع: فأراد صلى الله عليه وسلم، أن يكتسب المسلم عادة الإتقان في العمل، حتى ولو لم يكن للعمل آثارًا اجتماعية، كذبح البهيمة، الذي ينتهي بإتمام العمل كيفما كان، ولكن قصد صلى الله عليه وسلم، إتقان العمل في شتى المجالات، فكان يشيد بالمبدعين والمتقنين من أصحاب الحرف، ويُوكلهم إلى ما يتقنونه من الحرف.

واستطرد: فهذا طلق بن علي الحنفي رضي الله عنه، جاء إلى المدينة، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد النبوي، فأراد أن ينقل معهم الحجارة، فوجهه النبي صلى الله عليه وسلم لخلط الطين، لمهارته فيه، ففي مسند الإمام أحمد: عن طلق بن علي رضي الله عنه قال: "جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاة وَعَمَلِي، فَقَالَ: (دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ).

قضية الإتقان

وواصل : بل ذهب النبي صلى الله عليه وسلم، في قضية الإتقان إلى أسمى من ذلك، ففي صحيح مسلم: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ)، وفي شعب الإيمان للبيهقي: شهد النبي صلى الله عليه وسلم جنازة، فترك الصحابة رضي الله عنهم فرجة في القبر، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (سَوُّوا لَحْدَ هَذَا)، حَتَّى ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: (أَمَا إِنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَلَا يَضُرُّهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ مِنَ الْعَامِلِ إِذَا عَمِلَ أَنْ يُحْسِنَ).

وقال: فانظروا - حفظكم الله - كيف أمر صلى الله عليه وسلم بالإتقان، حتى في هذا الموضع الذي لا يضرُّ الميت ولا ينفعه، ولكنه التوجيهُ بالإتقان وتنميته، ليكون دافعًا للدعوة إلى إحسان العمل وإجادته، فإذا كان الأمر بالإتقان في الكفن، وتسوية القبر، ففيما هو أكبر منهما أولَى وأحرى، فالحياة لا تنموا ولا تزدهر، والأوطان لا تبنى ولا تتقدم، إلا بالإتقان، سواءً في الأعمال التعبدية، أو السلوكية أو المعاشية، فكل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة، فهو مأجور عليه.

وأضاف أن الإتقان هدف يسمو به المسلم، ليرقى به في مرضاة ربه، والإخلاص له، لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وإخلاص العمل، لا يكون إلا بإتقانه، قال سبحانه: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)، أي: أخلصه وأصوبه، فالخالصُ أُخرويٌّ، والصوابُ دنيوي، وهو الإتقان ويتأكد في حياتنا العملية، فيسعى المرء للتفوق في كل جوانب حياته؛ ليكون الإتقان سمة أساسية في شخصيته، ليكون الإتقان ظاهرة سلوكية له، تلازم المرء في عطائه، والمجتمع في تفاعله وإنتاجه.

الصلاة على سبيل المثال

وأكمل: بل ونسعى في تربية أبنائنا على قيمة الإتقان، ليعيشوا حياةً مثمرة، ويفوزوا برضى الرحمن في الآخرة، إن تربية الأبناء على الإتقان -يا عباد الله- يعزز فيهم قوة الإرادة، فتكون لهم أنفسا تواقة، يحققون بها معالي الأمور، ويبتعدون عن سفسافها، فينفعون أنفسهم، ويعمرون أوطانهم، وإن مما يعين الوالدين، في تربية أبنائهم على قيمة الإتقان، التزامهم بأوامر الشريعة.

ولفت إلى أن الصلاة على سبيل المثال، يؤمر بها الابن في السابعة، ويضرب عليها في العاشرة، فإذا وصل مرحلة تكليفه، كان متقناً لصلاته، مجوداً لها، محسناً في أدائها، فالأبناء إذا تربوا على الصلاة، يتقنون عدة مهارات، من إقامة الصلاة على وقتها، واستحضار مقابلة الله فيها، وفعلها خمس مرات في اليوم والليلة، مع طمأنينة الجوارح والأركان، وتسوية الصفوف ومتابعة الإمام، كل هذه الأعمال، تتطلب التعود على الإتقان، حتى ينتقل هذا الإتقان من الصلاة، إلى سائر الأعمال، دنيوية أو أخروية، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ) قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: (فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)، رواه البخاري ومسلم.