لا يمكن الحديث عن الوضع السياسي لأي دولة في أمريكا اللاتينية، إلا ويكون للعصابات المسلحة دورا هاما في تحديد المسار السياسي للبلاد، وذلك كون تلك العصابات ذات سطوة كبيرة، وتأثيرا في صراعات الحكم بالبلاد، وفي أحدث صراعات ذلك الوضع الاجتماعي الكارثي، تفجرت الأوضاع داخل دولة الإكوادور، وذلك عقب هروب رجل المافيا الأول بالبلاد من سجنه، وقيادته لانقلاب مسلح بالبلاد، واقتحام التلفزيون الرسمي، وفي المقابل أعلن رئيس البلاد الذي لم يمر سوى شهرين فقط على توليه السلطة، أن البلاد في حالة نزاع مسلح.
[[system-code:ad:autoads]]
ولفهم ما حدث بالكامل أمس، يجب أن تكون لديك رؤية للتركيبة المجتمعية والسياسية لإكوادور، وما هي عصابات المافيا بها، ومن هو الرجل الخارق الذي يقود المافيا من داخل السجن الذي يقبع فيه منذ أكثر من 10 سنوات، وهو ما تحاول "صدى البلد" رصده هنا في التقرير، ومعرفة خفايا الصراع الأزلي بين الدولة والعصابات، وكيف للدولار دورا في تلك الأزمة، وما هو دور تلك الدولة في تجارة المخدرات بأمريكا اللاتينية.
البلاد في حالة اشتباك مسلح .. تفاصيل الـ24 ساعة الساخنة
في تصاعد جديد تشهده الساحة، أعلن رئيس الأكوادور أن البلاد في حالة نزاع مسلح داخلي، وفرض حالة الطوارئ، عقي قيام ملثمون باقتحام البث التليفزيوني في الأكوادور أمس الثلاثاء، وأمر بـ«تحييد» مجموعات إجرامية ضالعة في تجارة المخدرات، بحسب مرسوم رسمي، وأقر المرسوم الرئاسي بـ«وجود نزاع مسلح داخلي»، وأمر بـ«تعبئة وتدخل القوات المسلحة والشرطة الوطنية لضمان السيادة ووحدة الأراضي الوطنية ضد الجريمة المنظمة والمنظمات الإرهابية».
وأمر نوبوا بـ«تحييد» جميع هذه المجموعات الإجرامية، عارضًا قائمة مفصلة بأسمائها، وجاء ذلك بعد قام رجال ملثمون ومسلحون بمقاطعة البث التلفزيوني المباشر في الإكوادور، حيث كانت الشبكة التي مقرها غواياكيل تبث على الهواء وسط موجة من عمليات الاختطاف والعنف في البلاد بعد أن أعلن الرئيس حالة الطوارئ، وأظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للحادث الذي وقع في تلفزيونTC المملوك للدولة، أن الرجال الملثمين أجبروا الموظفين على النزول إلى أرضية الاستديو، بينما سُمعت طلقات نارية وصراخ في الخلفية، حيث تم إعلان أن إشارة البث المباشر معطلة حاليًا.
وبالتوازي هزت البلاد عدة انفجارات وعمليات اختطاف واضطرابات في السجون، بعد ساعات فقط من إعلان الرئيس دانييل نوبوا حالة الطوارئ على مستوى البلاد، الاثنين، بعد هروب زعيم العصابة البارز أدولفو «فيتو» ماسياس من سجن في غواياكيل، وكان متحدّث باسم الحكومة الإكوادورية رجّح الإثنين أن يكون زعيم عصابة «لوس تشونيروس» النافذة قد فرّ من السجن، وذلك غداة إعلان السلطات أنها فقدت أثر خوسيه أدولفو ماسياس الملقّب «فيتو»، وإطلاق عملية بحث عنه، وعلى الجانب السياسي، تعقد الجمعية الوطنية في الإكوادور اجتماعًا طارئا لاتخاذ «إجراءات ملموسة في مواجهة الاضطرابات الوطنية والأعمال المتعددة التي تهدد السلام العام»، وقالت الحكومة، إن البحث عن أدولفو ماسياس «فيتو»، مستمر حيث تم نشر أكثر من 3000 من ضباط الشرطة وأفراد القوات المسلحة للعثور عليه، وقالت سلطات الإكوادور إنها لم تحدد بعد الوقت والتاريخ المحددين لفرار ماسياس من السجن.
كل ما تريد معرفته عن الإكوادور
والإكوادور هي جمهوريةٌ تقع في قارة أمريكا الجنوبية، تحدها كولومبيا من الشمال، وبيرو في الشرق والجنوب، والمحيط الهادئ إلى الغرب، وتعد الإكوادور وتشيلي البلدين الوحيدين في أمريكا الجنوبية الَّذَيْن ليس لديهما حدودٌ مع البرازيل، واللغة المحلية الرئيسية هي الإسبانية، ولديها أرضٌ مساحتها 283520 كم²، وعاصمتها كيتو، وعملتها الرسمية هي الدولار الأمريكي، ونظام حكمها هو جمهورية رئاسية، وأصبحت مستقلةً في عام 1830 بعد أن كانت جزءًا من الإمبراطورية الاستعمارية الإسبانية لمدة 300 عام، وهي دولةٌ متوسطة الدخل مع علامة.
في 23/11/2023 أدى دانييل نوبوا اليمين رئيساً جديداً للإكوادور متعهداً بالحد من العنف وخلق فرص عمل من خلال إصلاحات تشريعية عاجلة، وفاز نوبوا الرئيس الحالي صحاب الـ"35 عاماً" في جولة الإعادة التي أجريت في أكتوبر الماضي، بالدولة التي تواجه تحديات اقتصادية جسيمة دفعت الآلاف إلى الهجرة وتصاعد العنف الذي وصل إلى تصعيد غير مسبوق مع اغتيال المرشح الرئاسي فرناندو فيافيسينسيو من قبل عصابات المافيا.
وتعد المشاكل الحقيقية التي يعيشها الشعب هناك، هي البيئة الخصبة لتغذية تلك العصابات، حيث يعاني الشعب من البطالة، والفقر، والأجور المتدنية، والواقع السيئ، فلا توجد حلول واضحة لهيمنة عصابات المافيا، لأن أغلب المرشحين لرئاسة الجمهورية يتحدثون عن دعم وتعزيز قوات الشرطة وزيادة أعدادهم، لكنهم لا يتكلمون عن الفقر والواقع المذري.
مافيا الإكوادور .. عصابات بقوة جيش
وسلّطت جريمة اغتيال المرشّح الرئاسي فرناندو فيغا فيسينسيو بأغسطس الماضي، الأضواء على عصابات الإجرام وسطوتها وعلاقتها بالسلطات في البلاد، وتُعتبر "لوس تشورينوس" المافيا الأولى في البلاد من حيث الحجم والقوة، ويتراوح عدد أعضائها بين 12 ألفا و20 ألف عضو، وهي عصابة مرتبطة بمافيا مكسيكية قوية تُعرف باسم "كارتيل دا سينا لوّا" وتعمل في مجال المخدرات والجريمة المنظّمة وغسل الأموال، وتأتي أغلب هذه العصابات من كولومبيا والمكسيك بشكل رئيسي لتعمل بالتنسيق مع المافيات المحلية، وكذلك هنالك علاقات واضحة تلك العصابات والدولة، فوحدها هذه المافيات لديها سلطة داخل السجون، في حين لا تستطيع الشرطة فعل شيء،
والإكوادور غير قادرة على وضع حد لتهريب المخدرات، إذ فقدت السيطرة على السجون، ولا تزال العديد من الجرائم بلا عقاب، بسبب اختراق مؤسسات الدولة الرئيسية مثل الشرطة والجيش والجهاز القضائي من قبل تجّار ومهربي المخدرات، ومنذ عقود تتعامل المافيات مع الإكوادور كممر لتهريب المخدرات وبشكل رئيسي الكوكايين، من كولومبيا وبيرو"، ولاحقا، بدأت هذه العصابات بزراعة وصناعة الكوكايين في منطقة "بوتومايو" على الحدود الإكوادورية الكولومبية حيث الكثير من الغابات والأدغال التي تسهل عمليات التصنيع والتهريب، ومن بين أسباب أخرى تجذب وتغري المافيات بالعمل في الإكوادور، أن الدولار عملة وطنية مما يسهّل عمليات غسل الأموال، وهذا بالطبع بالإضافة إلى الفساد المستفحل في أجهزة الدولة.
من داخل السجن تولى زعامة عصابته وقتل مرشح رئاسي
يُعرف فيتو بأنه أحد أخطر المجرمين في الإكوادور، وهو زعيم عصابة لوس تشونيروس، وهي عصابة تعمل في تهريب المخدرات والابتزاز، ومع سجن العديد من أعضائها، فإنها تسيطر على السجون في الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية والتي أهملتها الحكومة باستمرار، ويُعتقد أن النشاط الإجرامي لعصابة "فيتو" يمتد خارج أسوار السجن، حتى أنه يقال إنه يعمل كذراع تشغيلي لعصابة سينالوا المكسيكية، وقد تم احتجاز فيتو منذ عام 2011، لكنه أصبح زعيمًا لـLos Choneros ( لوس تشونيروس) فقط بعد مقتل الرئيس السابق خورخي لويس زامبرانو غونزاليس (المعروف باسم راسكينيا) في عام 2020.
وكان فيتو، البالغ من العمر الآن 44 عامًا، يقضي حكمًا بالسجن لمدة 34 عامًا بتهمة الاتجار في المخدرات والجريمة المنظمة والقتل، و في فبراير 2013، هرب "فيتو" من لاروكا، وهو سجن شديد الحراسة في مجمع سجون غواياس سيئ السمعة، مع 17 آخرين وظل هاربًا لعدة أشهر قبل أن يتم القبض عليه، وفي مايو من ذلك العام، قبل هروبه للمرة الثانية في السابع من يناير، وارتبط اسم "فيتو" باغتيال السياسي البارز والمرشح في الانتخابات الرئاسية فرناندو فيلافيسينسيو، والذي تحدث علناً ضد عصابات المخدرات القوية في الإكوادو، وقبل أيام من وفاته، قال فيلافيسينسيو إنه وفريقه تلقوا تهديدات من "فيتو"، وكل تلك الجرائم ينفذها رجاله وهو يتواجد داخل السجن قبل هروبه الكبير أمس، والأغرب أن هروبه أمس، جاء بعد أن شارك الآلاف من جنود الجيش والشرطة في الإكوادور في أغسطس الماضي بعملية نقل "فيتو" إلى سجن شديد الحراسة حيث سيتم احتجازه هناك بعد قتل المرشح الرئاسي.