ما حكم الصلاة في الصف منفردا أثناء الجماعة؟ إذا ذهب المصلي إلى المسجد، فوجد الجماعة يصلون، وليس له مكان في الصف، فيصلي وراء الصف منفردا وليس بجوراه أحد، فهل يصلى في صف آخر بمفرده، أو يجذب معه أحد المصلين من الصف الذي أمامه.
اختلف العلماء في هذه المسألة إلى رأيين: فقال بعضهم: تصح صلاة المنفرد خلف الصف، لعذر ولغير عذر، لكن صرح بعضهم بكراهة ذلك لغير عذر، وهذا هو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة.
[[system-code:ad:autoads]]
واستدلوا بصحة صلاة المرأة خلف الصف؛ حيث قالوا: إن الرجال والنساء سواء في الأحكام الشرعية، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة حين ركع قبل أن يدخل الصف أن يعيد الصلاة [حديث أبي بكرة : رواه البخاري 783].
واستشهدوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس من ورائه في أثناء الصلاة [رواه البخاري 117 ومسلم 763]؛ فإذا جاز أن يكون الانفراد في جزء من الصلاة، جاز أن يكون في جميعها؛ إذ لو كان مبطلاً للصلاة لم يكن بين قليله وكثيره فرق، كالوقوف قدام الإمام.
وأجابوا عن الأحاديث النافية لصلاة المنفرد خلف الصف بأن المراد بها نفي الكمال؛ فهي كقوله صلي الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام) [ مسلم 560 ] ونحوه.
ورأى أصحاب القول الثاني أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح، وهذا مذهب الإمام أحمد المشهور عند أصحابه، وهو من مفرداته. وعنه رواية ثانية تصح وفاقاً للأئمة الثلاثة.
واستدل أصحاب القول الثاني بالأثر والنظر: أما الأثر: فما رواه الإمام أحمد ( 15862 ) عن علي بن شيبان – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف، فلما انصرف قال له النبي صلي الله عليه وسلم : (استقبل صلاتك فإنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف»، وهو حديث حسن، له شواهد تقتضي صحته.
وأما النظر: فإن الجماعة هي الاجتماع، ويكون بالمكان والأفعال؛ فالأفعال اجتماع المأمومين على متابعة إمامهم، والمكان اجتماعهم في صفوفهم؛ وإذا قلنا بجواز انفراد بعضهم عن بعض، فمتى تكون الهيئة الاجتماعية.
الصلاة في الصف منفردا
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إنه إذا جاء المسلم لأداء صلاة الجماعة والصفوف مكتملة، ولم يجد له فرجة ولا سعة في الصف، فصلاته وحده خلف الصف صحيحة.
وأضاف «الأزهر» في إجابته عن سؤال: «ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف؟» أن صلاة المنفرد خلف الصفوف دون عذر صحيحة مع الكراهة، وتزول الكراهة بوجود العذر، وهذا مذهب جمهور الفقهاء: الحنفية، والشافعية، واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلاَ تَعُدْ».
وتابع: وذهب المالكية إلى جواز الصلاة منفردًا خلف الصف، وهذا نص خليل: «ونقل المواق عن ابن رشد أن من صلى وترك فرجة بالصف أساء»، قال والمشهور أنه أساء ولا إعادة عليه.
وواصل: وذهب الحنابلة إلى أنه تبطل صلاة من صلى وحده ركعة كاملة خلف الصف منفردًا دون عذر، للحديث الذي رواه أبو داود (682) والترمذي (230) وغيرهما، «أَنَّ رَجُلا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ».
صلاة المنفرد خلف الصف
قالت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية إن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة مع الكراهة على الراجح من أقوال الفقهاء.
واستدلت اللجنة في إجابتها عن سؤال: «ما حكم الصلاة منفردًا خلف الإمام ؟ وماذا يفعل من جاء والصف مكتملًا؟» بأنَّ أبا بكرة جاء ورسولُ الله راكعٌ، فركعَ دونَ الصفِّ، ثمَ مشى إلى الصف، فلمَّا قضى النبي- صلى الله عليه وسلم -صلاتَه قال: "أيكم الذي ركع دون الصف ثمَ مشى إلى الصف؟ " فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "زادَكَ اللهُ حِرصًا ولا تَعُد" سنن أبي داود (2/ 20) فلما لم يأمره النبي بالقضاء دل على أن ما فعله قد أجزأه عن صلاته وقوله ولا تعد يكون للكراهة.
وتابعت: أن الفقهاء اختلفوا فيمن يأتى بعد اكتمال الصف، والأولى أن يصلي منفردًا ولا يجذب أحدًا من الصف الذي قبله، وهذا لا يشمله النهي عن الانفراد خلف الصف لأنه لم يتعمد الانفراد، ولأنه لو جذب واحدًا إلى نفسه لفوت عليه فضيلة الصف الأول ولأوقع الخلل في الصف الذي قبله.
المنفرد خلف الصف المكتمل فى صلاة الجماعة
أوضحت دار الإفتاء المصرية، أن صلاة المنفرد إمَّا أن ترِد مطلقة أو مقيدة، فإن وردت مطلقة فإنها تكون في مقابلة صلاة الجماعة كما قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم-: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ -أي: المنفرد- بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، متفق عليه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما-، والمقيدة هى: صلاة المنفرد خلف الصف.
وقالت دار الإفتاء المصرية، فى إجابتها عن سؤال: «هل تصح صلاة المنفرد خلف الصف فى صلاة الجماعة وهل يجوز له اجتذاب أحد المصلين ليصلى بجواره؟»، أن صلاة المنفرد خلف الصف إذا كانت لعذر -كأن لم يجد من يصف معه- صحيحة، فإذا انتفى العذر، فإنها تكون صحيحة مع الكراهة.
واستدلت فى فتواها بما رواه الإمام البخاري عن أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ -وَهْوَ رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «زَادَكَ اللهُ حِرْصًا، وَلا تَعُدْ»؛ فأخذ الفقهاء من ذلك عدم لزوم الإعاد.
وأضافت أن الأمر الذي ورد في حديث وَابِصَةَ بن معبد- رضي الله عنه- عند الطبراني من «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم- رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاةَ»، إنما هو على سبيل الاستحباب؛ جمعًا بين الدليلين.
وذكرت أن الحنابلة أبطلوا صلاة من صلى خلف الصف وحده ركعة كاملة دون عذرٍ، حملًا للأمر في حديث وابصة - رضي الله عنه- على الوجوب.
وأفادت بأن من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف فللفقهاء فيه مذاهب: فيرأى المالكية وأحد قولي الشافعية - وهو ما نصَّ عليه الإمام الشافعي في "البويطي" واختاره القاضي أبو الطيب- أنه يقف منفردًا خلف الصف، ولا يجذب أحدًا لئلا يحرم غيره فضيلة الصف السابق، بل زاد المالكية أنه إن جذب أحدًا فلا يطعه المجذوب، وهذا رأي الكمال بن الهمام من الحنفية.
وواصلت: "أما عند الحنفية والصحيح عند الشافعية فإنه يستحب أن يجذب إليه شخصًا من الصف ليصطف معه، لكن مع مراعاة أن المجرور سيوافقه، وإلا فلا يجر أحدًا منعًا للفتنة".
وتابعت: "عند الحنابلة يقف عن يمين الإمام إن أمكنه ذلك؛ لأنه موقف الواحد، فإن لم يمكنه ذلك فله أن ينبه رجلًا من الصف ليقف معه، وإلا صلى وحده خلف الصف، ويكره تنبيهه بجذبه، واستقبحه أحمد وإسحاق؛ لما فيه من التصرف بغير إذنه".
وأكدت أن صلاة المنفرد خلف الصف إن لم يمكنه إلا ذلك صحيحة باتفاق الفقهاء، ومن أجاز منهم له أن يجذب رجلًا من الصف أمامه فإنما اشترط معرفة موافقة المجرور على ذلك مسبقًا.
واختتمت أنه لذلك أيدت قصر صلاة المنفرد خلف الصف فى صلاة الجماعة على هذه الحالة فقط، أمَّا إن لم يعلم المنفرد خلف الصف هل يوافقه المجذوب أو لا، أو علم عدم موافقته على ذلك فليس له أن يجذب أحدًا؛ وذلك تأدُّبًا مع مذهب المخالف ودرءًا للفتنة.